واشنطن أمام تحدي القضاء علـــى «الدولة الإسلامية» قبل تفاقم الموقـــــف

تسير «الدولة الإسلامية» سيراً حثيثاً إلى الأمام، فبعد شهرين من اجتياحها شمال ووسط العراق، بدأت تتقدم نحو أربيل، مقر الحكومة الإقليمية الكردية، وتسببت على طول الطريق في أزمة إنسانية حادة، وسط الأقليات المسيحية والإيزيدية في العراق، كما خلقت حالة من الذعر على نطاق واسع في منطقة الحكم الذاتي الكردية، إلى حد أجبر الولايات المتحدة ــ التي كانت مترددة من قبل ــ على التدخل. واستخدمت «الدولة الإسلامية»، أيضاً زخمها لمواصلة توسعها في سورية، واستطاعت، ولو لأيام قليلة، السيطرة على أجزاء من مدينة عرسال الحدودية اللبنانية. وربما بإحساسها بثقة كبيرة أكثر من أي وقت مضى، استطاعت «الدولة الإسلامية» أن تحارب في وقت واحد مجموعة واسعة من الخصوم، بما في ذلك القوات المسلحة العراقية والسورية واللبنانية، والميليشيات الشيعية العراقية واللبنانية، والأكراد في كل من العراق وسورية، وتركيا، والإسلاميين وقوات المعارضة السورية العلمانية، وانضمت الآن القوة الجوية الأميركية إلى القائمة الطويلة من الخصوم.

«القاعدة» قد تبارك «الدولة الإسلامية»

إذا قررت الولايات المتحدة التدخل لمصلحة حلفائها ــ كما تفعل الآن ــ فإن «الدولة الإسلامية» يفترض أن تكون قادرة على تعزيز مكانتها داخل المعسكر الجهادي، ويمكنها الادعاء بأن الضربات التي تلقتها دليل على أن الولايات المتحدة تشنّ حرباً على الإسلام، وتصور نفسها على أنها المدافع عن المسلمين إزاء العدوان «الصليبي». وبعبارة أخرى، فإن «الدولة الإسلامية» تكون قد سرقت صفحة من كتاب تكتيكات تنظيم القاعدة، وهذا من شأنه أن يضع المزيد من الضغوط على «القاعدة». وبعد كل شيء، إذا استطاعت «الدولة الإسلامية» السيطرة على أراضٍ واسعة في قلب الشرق الأوسط، وأن تفرض الاحكام الإسلامية، وتنتصر على الأنظمة «المرتدة» ومؤيديها، فإن تنظيم القاعدة ــ الذي ينأى حتى الآن بنفسه عن القيام بذلك ــ سيمنح دعمه الكامل لـ«الدولة الإسلامية». وبالفعل يدعو «مناصرو الدولة» جميع القوى الجهادية إلى الوقوف وراء زعيم «الدولة الإسلامية»، أبوبكر البغدادي، ونتيجة لذلك، فمن المحتمل أن يتزايد تدفق المقاتلين التابعين لتنظيم القاعدة للانضمام إلى «الدولة الإسلامية»، كما تؤكده المخابرات الأميركية. وعلاوة على ذلك، فإن قادة تنظيم القاعدة سيتعرضون لضغوط أكبر لتحويل ولاءاتهم من «القاعدة» إلى «الدولة الإسلامية».

 قوات من البشمركة الكردية تحرس سد الموصل شمال العراق بعد تحريره من قوات «الدولة الإسلامية» بدعم جوي أميركي. رويترز

قدرة وتنظيم عاليين

من وجهة النظر العسكرية، فإن استعداد «الدولة الإسلامية» لمحاربة العديد من المجموعات على العديد من الجبهات، أمر مثير للدهشة.

من ناحية، يعود الفضل للجرأة التي تتمتع بها قواتها إلى ضعف العديد من منافسيها، وساعدها على ذلك ايضاً الترسانة الهائلة من الأسلحة الفتاكة عالية الجودة التي اغتنمتها خلال استيلائها على أجزاء من العراق. أيضاً أظهرت ميليشيات «الدولة الإسلامية» قدرة مدهشة لإعادة التنظيم، وإعادة نشر القوات، مع تغيير الاحتياجات التشغيلية للمجموعة.

أصابت المفاجأة البيت الأبيض والعديد من المراقبين، جراء تقدم «الدولة الإسلامية» من دون عوائق نسبياً نحو أربيل. فقد كان يتوقع أكثر من مراقب أن المجموعة الجهادية ستركز جهودها في الاستيلاء على العاصمة العراقية بغداد، المقر التاريخي للخلافة العباسية، حيث يقيم العديد من السنّة، كما أن هؤلاء المراقبين يعتقدون أيضاً أن قوات البشمركة الكردية كانت قوية بما يكفي لردع هجوم «الدولة الإسلامية»، إلا أن كل ذلك تبين في ما بعد بأنه تكهنات خاطئة، وسوء تقدير جعل إدارة (الرئيس الأميركي باراك) أوباما تضطر إلى اتخاذ تدابير معينة، ولأن تحرك «الدولة الإسلامية» استفز الإدارة الأميركية فإن البعض لايزال يعتقد أن الإدارة كان ينبغي ألا تقدم على تلك الخطوة.

لهذا السبب، تبدو استراتيجية «الدولة الإسلامية» مثل المفاجأة، كما يبدو أنها منسجمة تماماً مع المسار الذي اتخذته المجموعة في وقت مبكر، والذي يميل نحو الجرأة والمخاطرة. وفي واقع الأمر فإن تحركات «الدولة الإسلامية» الأخيرة كانت مجرد استمرار لجهود سابقة لتوسيع سيطرتها على أراض وموارد طبيعية جديدة، (في المقام الأول حقول النفط وسدود المياه التي يمكن استخدامها للحصول على دخل ومعدات حربية)، وفرض أيديولوجيتها المتشددة، وفرض سيادتها داخل المعسكر الجهادي.

في الوقت الراهن، فمن المستحيل القول ما اذا كانت «الدولة الإسلامية» تهدف إلى استفزاز الولايات المتحدة للتدخل، أو جرها لارتكاب أخطاء. لكن من الصعب أن نصدق أن «الدولة الإسلامية» لا تفهم أن تهديد عاصمة كردستان العراق يعني التحدي المباشر لتحالف الولايات المتحدة مع الأكراد، وربما يؤدي ذلك الدخول في قتال مع ذلك التحالف، فمن المرجح أن «الدولة الإسلامية» تنظر إلى مثل هذا التحدي على أنه مكسب بالنسبة لها.

وعلى فرض أن الولايات المتحدة لم تستطع حماية حلفائها، فإن قوات «الدولة الإسلامية» ستتمكن من التقدم في عمق الأراضي الكردية، وسيفر كل من لا ينتمي إلى «الدولة الإسلامية» بصلة، وهذا من شأنه أن يمنح قوات «الدولة الإسلامية» دفعة قوية، في الوقت الذي تضع فيه أعينها نصب الأردن، وهو حليف آخر للولايات المتحدة في المنطقة يتطلع إلى دفاع واشنطن عنه.

وبطبيعة الحال، فإن دخول الولايات المتحدة في هذه المغامرة ينطوي على أضرار كبيرة قد تحيق بميليشيات «الدولة الإسلامية»، لأن هذه الميليشيات ليست لها قادرة على مواجهة القوة الجوية الأميركية، وأن الولايات المتحدة قادرة على إلحاق ضربات موجعة بها، ويمكن أيضاً أن تدعم أميركا القوات الكردية على الأرض، وبهذا تستطيع الولايات المتحدة إحباط أي تقدم لقوات «الدولة الإسلامية» في الشمال، إلا أن الحذر الذي يتخذه أوباما عندما يتعلق الأمر بالتدخلات الخارجية، ونفوره الواضح من التورط في العراق مرة أخرى، قد يخفف من المخاطر التي قد تواجهها «الدولة الإسلامية». وفي الواقع، فإن الولايات المتحدة عازمة على تنفيذ الحد الأدنى من التدخل لضرب أهداف محدودة جداً، لخلق نوع من الردع أكثر من كسر شوكة قوات «الدولة الإسلامية» على الأرض. وعلاوة على ذلك، فإن نفور أوباما من فعل أي شيء في سورية، يعني أن الأراضي التي تسيطر عليها «الدولة الإسلامية» هناك ستكون ملاذاً آمناً للمجموعة بغض النظر عما يحدث في العراق.

المشروع التوسعي لـ«الدولة الإسلامية» واضح لا لبس فيه، ويبدو أن إدارة أوباما قد استوعبت الآن تماماً هذه الحقيقة، على الرغم من أنها تريد أن تنأى بنفسها عن التورط في العراق، وعليه فإنها إن لم تتسلم زمام القيادة ــ ومن الأمام هذه المرة ــ فإن تهديد «الدولة الإسلامية» سيتنامى. ويتطلب الحل الدائم للمشكلة تغييرات جذرية في السياسية الأميركية الخاصة بالعراق، وبالقدر نفسه من الأهمية، السياسة الأميركية في سورية، التي تجاهلتها واشنطن إلى حد كبير. وليس من المرجح أن يتحقق هذان التغييران بسرعة كافية للرد على التهديد الراهن. وفي هذه الأثناء، فإن أي حملة جوية شاملة قد تضعف قدرات «الدولة الإسلامية» لحد كبير، لكن اي ضربات جوية على نطاق ضيق قد توفر هدوءاً لفترة وجيزة، ولكن بشكل غير كافٍ. وعلى الرغم من أن محاربة «الدولة الإسلامية» قد تولد حتماً بعض الاستياء ضد الولايات المتحدة، إلا أن الخطر الذي سيتمخض عن توسعها دون رادع هو أسوأ من ذلك بكثير. وما لم تكن الولايات المتحدة ترغب في الرحيل من منطقة الشرق الأوسط إلى الأبد، فإنها ستضطر إلى مواجهة «الدولة الإسلامية» وجهاً لوجه، وهذا سيكلفها أكثر كلما أرجأت الولايات المتحدة البت في ذلك.

باراك مندلسون أستاذ مشارك في العلوم السياسية في كلية هارفرد.

الأكثر مشاركة