الحرب الأهلية تدفع جميع مناطق البلاد إلى حافة المجاعة
50 ألف طفل يواجهون الموت جوعاً في جنوب السودان بحلول نهــــاية العام
لابد أن كثيرا من الآباء والأمهات في أستراليا شاهدوا صور الأطفال وهم يتضورون جوعا في دولة جنوب السودان. بالتأكيد فإن أي طفل من هؤلاء سيعطي كل شيء مقابل قطعة طعام صغيرة قد يرميها الأسترالي العادي في سلة النفايات من دون تفكير أو إحساس بالذنب. ولكن مع تكرار هذه المشاهد قد يتساءل البعض إن كان الأطفال في إفريقيا يهتمون بنوعية الطعام الذين يتناولونه. ولسوء الحظ فإن الحقيقة صادمة جداً، على الأقل بالنسبة للسيدة أوليفيا زنزان، المسؤولة في منظمة «أنقذوا الأطفال» فرع أستراليا، فقد أمضت أوليفيا شهر يونيو الماضي في جنوب السودان هذه الدولة الفتية التي لم تسطع الوقوف بعد.
استهداف عمال الإغاثة في أوائل أغسطس الجاري قتل ستة عمال إغاثة في المنطقة الشمالية من مابان، ليصل عدد عمال الإغاثة الذين قتلوا منذ بداية الأزمة في جنوب السودان في ديسمبر الماضي إلى 13. وأدت عمليات القتل هذه إلى تعليق مؤقت للمساعدات الإغاثة الحرجة في المنطقة، حيث لجأ أكثر من 127 ألف نازح. وقد ارتفع عدد النازحين داخل جنوب السودان خلال الشهر الماضي إلى 1.3 مليون نسمة. في حين فر نحو نصف مليون إلى البلدان المجاورة مثل إثيوبيا وكينيا وأوغندا. |
وتقول إنها عاينت إحدى أسوأ الأزمات الغذائية في العالم إذ تعرف البلاد ندرة خانقة في المواد الغذائية، وذلك بسبب الحرب الداخلية والجفاف. وتقول أوليفيا أن جنوب السودان يقترب من مجاعة عامة في غضون أشهر في حال لم تتحرك المجموعة الدولية للضغط على المجموعات المتناحرة وتقديم المساعدات الضرورية ضمن برنامج أممي متوازن.
وتقول أوليفيا، التي تعمل في المجال الإنساني منذ سنوات، إن «الأطفال لا يرغبون في الأكل عندما يتعرضون لسوء التغذية بشكل شديد». ويعود ذلك إلى أن أجسامهم باتت ترفض أي شيء يبقيهم على قيد الحياة. عندما يكون الأطفال جوعى ولم يبلغوا حد الجوع الشديد فإن بوسعهم تناول ما يقدم من طعام. وتقوم أمهات يائسات في منطقة أكوبو، على الحدود مع إثيوبيا، بجمع الحشيش وأوراق الشجر لطبخها من أجل إطعام أطفالهن الجائعين. وفي أحسن الأحوال يتناول الأطفال وجبات من «السورغوم» وهي حبوب تعطى في الغالب للدواجن. ولا تدخل الفواكه والخضروات أو الحليب واللحم ضمن قائمة الطعام في كل الأحوال.
ويعكف عمال الإغاثة، منذ فترة، على تحديد الأطفال الأشد مرضاً من بين مليوني طفل جائع في المنطقة ومن ثم يتم نقلهم إلى مراكز طبية لعلاجهم ويقدم لهم معجون الفول السوداني الغني بالمعادن والبروتين. والمفارقة القاسية التي يواجهها بعد ذلك، أن الأطفال الذين يتعافون من أعراض الجوع القاتلة يقبلون على الطعام لكن الواقع خارج المراكز الطبية لا يشجع على التعافي لأن الطعام غير متوفر.
وتقول أوليفيا، «بحلول نهاية العام قد يلقى 50 ألف طفل حتفه إذا لم تتحرك المجموعة الدولية». وبينما كانت العاملة في المجال الإغاثي تروي لنا قصص صادمة عن ضحايا المجاعة في جنوب السودان، كانت طاولة الطعام التي تجمعنا حولها تعج بأصناف الطعام التي لم نصل إلى بعضها بعد. وخلال العام الماضي عملت كعامل نظافة مع عمال المجلس البلدي في سيدني، وكانت صدمتي كبيرة عندما شاهدت الكميات الهائلة من الطعام التي يتم رميها.
حذرت منظمات مثل البنك الدولي من الاضطرابات والتقلبات في الإنتاج الغذائي بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري، في غضون العقد المقبل على الأرجح. حان الوقت بالنسبة للأستراليين لإعادة التفكير في الافتراضات تجاه الغذاء والنفايات واستدامة ما نضع في أفواهنا.
وفي هذا الصدد، يمكن أن تكون وجهة النظر بناءة.
كلنا نسمع قصص المشاهير، وأطفال «إنستجرام» الأثرياء، ونهز رؤوسنا منبهرين بالثروات التي ينفقها البعض على الملابس والسيارات الفارهة وحفلات الزفاف أو مقاعد المراحيض المطلية بالذهب. بالنسبة لأسرة تعاني من الجوع في جنوب السودان فإن الأمر يختلف، ومع ذلك، أنا وأنت نعتبر أثرياء بشكل خرافي بالنسبة لهم، فيمكننا شراء كل الطعام الذي نريد، كلما نريد، ثم نرميه بكل بساطة. في عالمهم، يمكن لجرة من زبدة الفول السوداني إنقاذ حياة الطفل.
نزح أكثر من 90 ألف شخص في منطقة «مينغكمان» بحثا عن مأوى، ومع ذلك فان هذا يعتبر جزءاً صغيراً من الأزمة الإنسانية التي تجتاح جنوب السودان. لقد نزح واحد من كل سبعة من سكان البلاد قبل الحرب الأهلية التي دفعت أنحاء البلاد إلى حافة المجاعة. ثلاث مقاطعات في جنوب السودان لديها مساحات واسعة تعيش مستوى «الطوارئ» فيما يخص انعدام الأمن الغذائي، وهو المستوى الذي يسبق المجاعة. ويخشى مسؤولو المساعدات من أن أزمة الغذاء يمكن أن تتطور إلى مجاعة شاملة في الشهور المقبلة. ويقول بيتر بيار دينغ، وهو عامل إغاثة في جنوب السودان، «إن التحدي الأكبر هو سوء التغذية» موضحاً «إنه أمر شائع جدا هنا».
تقول شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة، وهي هيئة استشارية أنشئت من قبل حكومة الولايات المتحدة، إن التوقعات للعام المقبل «مصدر قلق كبير» بسبب النزوح والنزاعات ونقص البذور، وهي الأمور التي منعت العديد من المزارعين من زراعة المحاصيل. وما زاد الوضع تعقيدا، موسم الأمطار الغزير هذا العام، إذ أصبحت معظم الطرق في البلاد غير سالكة مما يعرقل كثيراً من جهود توزيع الغذاء. وبعض التجمعات تعتمد على كميات الطعام التي يتم رميها من الطائرات، وتكلف العملية سبعة أو ثمانية أضعاف المبلغ اللازم لنقل المساعدات عبر النهر أو شحنه براً. وتقول الهيئة الاستشارية «نظرا لتسارع استنفاد الموارد حاليا من قبل كثير من الأسر، فإن قدرة التعامل مع المجاعة ستنخفض كثيراً». كما أعاقت الهجمات على العاملين في المجال الإنساني جهود الإغاثة، فقد تم إطلاق النار، الأسبوع الماضي، على طائرة هليكوبتر تابعة للأمم المتحدة خلال تقديم المساعدات في بلدة شمال بلدة بانتيو، وقتل ثلاثة من أفراد الطاقم الروسي وجرح آخر. وفي هذا السياق قال منسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في جنوب السودان، توبي لانزر «تعاملنا مع الحادث على أنه عمل عدائي ضد الأمم المتحدة». فقد توقفت الرحلات الجوية إلى بانتيو بعد الحادث، الأمر الذي أثر سلبا على عملية حفظ السلام والعمليات الإنسانية في المنطقة الأكثر تضرراً في البلاد.
سام دي بريتو محلل سياسي وكاتب عمود أسترالي
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news