العالم الإسلامي مازال يفضّــــل نظرية المؤامرة لتبرير فشله
هل تعرفون أن أبوبكر البغدادي، زعيم تنظيم «داعش»، كان يتدرب لدى المخابرات الإسرائيلية «الموساد» ووكالة الاستخبارات الأميركية المركزية «سي آي إيه»؟ هل تعلمون أن اسمه الحقيقي ليس إبراهيم عواد إبراهيم علي البدري السامرائي، وإنما سايمون إليوت؟ هل تعرفون أنه ممثل يهودي تم تجنيده من قبل الإسرائيليين ليلعب دور الإرهابي المطلوب الأول في العالم؟
نظرية المؤامرة بدأ استخدام مصطلح «نظرية المؤامرة» في منتصف الستينات من القرن الماضي، بعد اغتيال الرئيس الأميركي السابق جون كينيدي. وأصبح المصطلح يتضمن نزعة مريضة لرؤية نفوذ بعض المنظمات السرية. وغالباً ما يستخدم المصطلح أيضاً لرفض الادعاءات التي يعتبرها الناقد سخيفة أو لا يصدقها العقل، أو لا يمكن حدوثها، أو أنها غير عقلانية. «فبركة» مذكرات كلينتون لا يتعلق الأمر بالجهل والأمية، لأن كثيراً من المصابين بجنون الاعتقاد بنظرية المؤامرة في المجتمع المسلم من الذين يحملون درجات علمية عالية، كما أنهم مدربون جيداً، سواء كانوا حكاماً أو محكومين. وكانت آخر نظريات المؤامرة تلوم الولايات المتحدة على ظهور تنظيم «داعش»، استناداً إلى مقتطفات «مفبركة» من مذكرات وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون، إذ أعلن وزيران عربيان مصادقتهما علناً على هذه النظرية.
مذكرات كلينتون تعرّضت للفبركة لاتهام واشنطن بالوقوف وراء ظهور «داعش». رويترز |
هذا ما يصل إلى بريدي الإلكتروني، وموقعي على «تويتر» و«فيس بوك». وأعتقد أن الكثير من المسلمين ليسوا مستعدين فقط لتصديق هذه الترهات، وإنما هم مستعدون لمشاركة أصدقائهم بها. وكان الادعاء الغريب بأن الوثائق التي نشرها العميل الأميركي في وكالة الأمن القومي إدوارد سنودن «تثبت» أن إسرائيل والولايات المتحدة هما وراء البغدادي، قد انتشر كالنار في الهشيم على شبكة الإنترنت.
ولكن ثمة مشكلة واحدة تتمثل في أن الصحافي الاستقصائي الذي ساعد على نشر قصة وكالة الأمن القومي، غلين غرينوالد، كان قد أخبرني بأن «سنودن لم يقل شيئاً كهذا، وليس هناك وثائق من وكالة الأمن القومي تشير إلى ذلك». واعتبر محامي سنودن، بن ويزنر هذه القصة بأنها خدعة.
لكن ملايين المسلمين عبر الكرة الارضية يصدقون هذه الخدع بسهولة، وتعد نظريات المؤامرة رائجة تماماً في الدول التي يقطنها غالبية مسلمة، وفي المجتمعات الإسلامية هنا في الدول الغربية. وكانت أحداث 11 سبتمبر وما تلاها من «الحرب على الإرهاب» قد أفرزت الكثير من المخادعين والنصابين الخياليين من برمنغهام إلى بيروت.
وفي زيارة قمت بها إلى العراق عام 2002، التقيت بأحد كبار رجال الدين الإسلاميين الذي قال لي إن اليهود وليس العرب هم المسؤولون عن الهجوم على برج التجارة العالمي، و(وزارة الدفاع الأميركية) البنتاغون. وكرر القصة الأكثر شهرة وتداولاً في الشرق الأوسط عن نظرية المؤامرة التي تفيد بأن 4000 من اليهود لم يأتوا للعمل في 11 سبتمبر عام 2001، لأنه تم تحذيرهم قبل الهجمات، وبالطبع ليس هناك دليل على هذا الادعاء الغريب والمهين. والحقيقة أن أكثر من 200 يهودي بمن فيهم مواطنون إسرائيليون قتلوا في الهجمات على البرجين، وأعتقد أنه «لم يصلهم تحذير الموساد»، ومع ذلك فإن الإنكار يستمر. وفي استطلاع «بيو» للرأي تم عام 2011، أي بعد عقد من الزمن على أحداث 11 سبتمبر، كشف أن معظم الذين شملهم الاستطلاع في دول مثل مصر والأردن ولبنان رفضوا تصديق أن الهجمات تمت على يد أفراد تنظيم القاعدة من العرب. وأشار استطلاع «بيو» إلى أنه «لا يوجد إجماع عربي على ذلك، لدرجة أن 30% من العرب فقط يصدقون أن العرب هم الذين نفذوا الهجمات».
وهذا التعامي لا ينحصر على العالم العربي فحسب، أو الشرق الأوسط، ولنأخذ باكستان التي تعد موطن أغرب نظريات المؤامرة في العالم وأكثرها سخافة، حيث يقول بعض الباكستانيين إن طالبة المدرسة ملالا يوسف زاي هي عميلة لـ«سي آي إيه»، ويعتقد آخرون أن الطوفان الكبير الذي ضرب باكستان وقتل نحو 2000 باكستاني ناجم عن تقنية عسكرية أميركية سرية، ويعتقد ثلثا الباكستانيين فقط أن (زعيم تنظيم القاعدة السابق) أسامة بن لادن قتل على يد «وحدة زيل» التابعة للبحرية الأميركية على الأراضي الباكستانية في الثاني من مايو عام 2011.
ولنأخذ نيجيريا، التي انتشر بها فيروس شلل الأطفال بعد أن قاطع السكان المحليون اللقاح المضاد للشلل، لاقتناعهم بأنه مؤامرة غربية لنقل مرض «الإيدز» للمسلمين. وهناك إندونيسيا، أكبر دولة إسلامية من حيث تعداد السكان، حيث يلقي كبار السياسيين والصحافيين بالمسؤولية عن تفجيرات بالي على عملاء أميركيين.
والسؤال المطروح دائماً: لماذا يسارع المسلمون إلى تصديق كل شيء يتعلق بنظرية المؤامرة؟ كيف تم تراكم مثل هذه التأثيرات في المجتمع الإسلامي؟
أولاً: علينا أن نكون منصفين، إذ إنه من الجدير بالذكر أن الدول التي تقطنها غالبية مسلمة تعرضت لمؤامرات حقيقية متنوعة، وتآمرت كل من فرنسا وبريطانيا لتقسيم الشرق الأوسط بينهما في اتفاقات «سايكس بيكو» عام 1916، وتآمروا للهجوم على مصر، بمساعدة إسرائيل، وعملوا على التحريض لأزمة السويس عام 1956، واتضح أنه لم يكن هناك أسلحة دمار شامل في العراق عام 2003 على الرغم من أن ذلك كان السبب الرئيس لغزو العراق.
وسألت ذات يوم السياسي الباكستاني عمران خان: لماذا كان المواطنون الباكستانيون يهتمون كثيراً بنظريات المؤامرة فأجاب «إنه يتم إخبارهم بالأكاذيب دائماً من قبل قادتهم، وإذا كان المجتمع معتاداً على سماع الأكاذيب في كل الأوقات فإن كل شيء يصبح مؤامرة».
وفي الواقع فإن حجة «أننا نسمع الأكاذيب» مستمرة حتى الآن، وربما يكون التشكك دليل على العقل السليم والمستقل، لكن فكرة المؤامرة عبارة عن فيروس يمكن أن يتكاثر ويزدهر بانعدام الاستقرار والمرارة. وكما اعترف الدبلوماسي الباكستاني السابق حسين حقاني بأن «الاهتمام الحالي للمسلمين بنظرية المؤامرة يعد وسيلة ملائمة لتوضيح ضعف المجتمع الذي كان ذات يوم قائد العالم على الصعيد الاقتصادي والعلمي والسياسي والعسكري».
لكن أين ستنتهي؟ متى سيتوقف المسلمون عن الاتكاء على عكاز المؤامرة؟ نحن نلقي باللوم على قوى خارجية شريرة لوقوع كل المشكلات التي نعانيها، سواء التطرف، والمحاباة، والفساد، وأشياء أخرى، ونقدم صورة لأنفسنا بأننا ضحايا لاحول لهم ولا قوة، بدلاً من أن نكون أفراداً مؤثرين في المجتمع. وفي نهاية المطاف لابد من القول: لماذا نتحمل المسؤولية إذا كان من السهل إلقاء اللوم والإشارة بأصابع الاتهام إلى «الموساد» أو الـ«سي آي إيه»، أو الهنود؟
وكان المفكر المصري عبدالمنعم سعيد قال ذات مرة «إن أكبر مشكلة في نظرية المؤامرة تكمن في أنها لا تبعدنا عن الحقيقة فحسب، وإنما تبعدنا أيضاً عن مواجهة أخطائنا، ومشكلاتنا»، وهي تجعلنا نبدو مثل السذج.
مهدي حسن صحافي بريطاني