الجماعات اليهودية المتطرفة تمارس العنف بحماية الشرطة
إسرائيل تخرس أصوات المعارضـــــــــة المتعاطفة مع الفلسطينيين
في يوليو الماضي، وبعد أربعة أيام على بدء الحرب الأخيرة على غزة، تجمع المئات من الإسرائيليين في وسط تل أبيب، احتجاجاً على مقتل المدنيين من كلا الطرفين، ودعوا إلى وضع نهاية للحصار المفروض على غزة، والاحتلال الإسرائيلي على الضفة الغربية. وكانوا ينشدون قائلين «اليهود والعرب يرفضون الأعداء».
وحذرت (حركة المقاومة الإسلامية) «حماس» من أنها ستقوم بإطلاق وابل من الصواريخ على وسط إسرائيل بعد الساعة التاسعة مساء، وفعلت ذلك، لكن الإصابات التي وقعت في ذلك المساء في تل أبيب لم تكن ناجمة عن الصواريخ، وإنما من الجماعات اليهودية المتطرفة الذين كانوا ينشدون بصورة جماعية بالقول «الموت للعرب» و«الموت لليساريين»، وهاجموا المحتجين بالهراوات. وعلى الرغم من أن العديد من المتظاهرين تعرضوا للضرب واستلزم ذلك إسعافات طبية، إلا أن الشرطة الاسرائيلية لم تعمد إلى اعتقال أي شخص من المتورطين في ذلك.
ازدياد التعصب القومي يعتقد عالم السياسة والخبير في موضوع الفاشية، زيف شتيرنهيل، أن «التعصب القومي» و«تآكل قيم التنوير»، وصلت إلى ارتفاعات جديدة في إسرائيل. وقال لصحيفة «هآرتس» الإسرائيلية «أصبح الحزن على الموتى من الطرفين عملاً تخريبياً، أي خيانة». وكان شتيرنهيل جرب عنف التطرف اليهودي بصورة مباشرة، ففي عام 2008 قام أحد المستوطنين بزرع قنبلة في بيته، وانفجرت وأصابته بجروح. ويبدو أن إسرائيل غير مستعدة بصورة متزايدة للاستماع للانتقادات، حتى عندما يأتي من داخل عائلتها. وهي ليست فقط غير مستعدة للاستماع فحسب، وإنما تحاول إسكاته قبل أن يسمعه أحد. |
وحدث الأمر نفسه في احتجاجات أخرى ضد الحرب في حيفا بعد مرور أسبوع، لكن في هذه المرة كان أحد الضحايا نائب المحافظ سهيل أسد، وابنه. ولم يلق رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، أي تصريح يستنكر العنف، على الرغم من أنه قال في وقت سابق إن قلقه الرئيس يتمحور حول سلامة المواطنين الإسرائيليين. وتعتبر قضية «ذم القلة» من الإسرائيليين الذين لا يؤيدون وجهة نظر اليمينيين، قضية ليست جديدة، فقد وقعت أعمال اتهامات مشابهة قبل اغتيال رئيس الحكومة السابق اسحق رابين عام 1995، لكن الحالة هذه تضاعفت الآن، وأصبحت أكثر تصعيداً وانتشاراً.
وفي العاشر من يوليو الماضي، لم تظهر الممثلة الإسرائيلية المخضرمة جيلا الماغور للتمثيل في مسرح هابيما في تل أبيب، بعد أن تلقت تهديدات تفيد بأنه سيتم قتلها على خشبة المسرح، بعد أن أعربت في مقابلة مع صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية، قبل بضعة أيام من ذلك التهديد، عن أنها تشعر بالخجل من مقتل الطفل الفلسطينيين محمد أبوخضير (16عاماً)، الذي تم خطفه وحرقه حياً من قبل عدد من اليهود المتطرفين.
وخلال الحرب على غزة، قالت الكوميدية الشعبية الإسرائيلية، أورنا باناي، في مقابلة لها، إنها شعرت بالرعب جراء تعرض الأطفال والنساء الفلسطينيات للقتل، ولهذا السبب بالذات تم طردها من منصبها متحدثة باسم شركة سفن سياحية إسرائيلية. واستأجرت صحيفة «هآرتس» حراساً خاصين من أجل كاتبها اليساري جدعون ليفي، بعد أن كتب مقالة انتقد فيها طياري سلاح الجو الإسرائيلي.
ويعتبر الإسكات الحازم لأي شخص يعبر عن رفضه للسياسات الإسرائيلية أو تعاطفه مع الفلسطينيين هي آخر التعبيرات عن عقلية «نحن مقابل هم» التي تجيش لدى الإسرائيليين منذ عقود. وهي تستند إلى خطاب يفيد بأن الفلسطينيين هم أعداء يهددون السيادة اليهودية، وأنهم الوحيدون الذين يتحملون مسؤولية فشل عملية السلام. ولطالما كان معسكر السلام الإسرائيلي عاجزاً عن تحدي هذه العقلية. وبقي هذا المعسكر يركز بقلق شديد على وقف بناء المستوطنات ومتابعة حل الدولتين، متجاهلاً في الوقت نفسه فشل إسرائيل في فصل الدين عن الدولة، وضمان حقوق متساوية للمواطنين العرب.
وبقي المجتمع الإسرائيلي عاجزاً، وغير مستعد على التغلب على شوفينية دينية عرقية واقصائية، تميز المواطنين اليهود عن غيرهم، وهي ممثلة سياسياً من قبل حركة المستوطنين اليهودية، واليمين العلماني والمحافظ. وتظل القوى الليبرالية التقديمة في إسرائيل ضعيفة في وجه الاقتصاد النشط، الذي يستفيد من الاحتلال، في حين أن التراخي الدولي يعزز الوضع الراهن. وعندما يكون وضع الدولة على المحك بين أن تكون يهودية أو ديمقراطية، يختار معظم الإسرائيليين الأولى على حساب الثانية.
وعلى سبيل المثال، لم تعمد إسرائيل مطلقاً إلى المعالجة الحقيقية، لحقيقة أن العرب غير اليهود الذين يعرفون عادة بأنهم فلسطينيون يمثلون 20% من سكان إسرائيل (وهذا يستثني نحو ثلاثة ملايين فلسطيني يعيشون تحت الاحتلال الإسرائيلي في القدس الشرقية والضفة الغربية)، ولم تحدد إسرائيل حدودها، حيث تفضل إبقاءها غامضة، كما أنها لم تعرف ما يعني كون المرء «إسرائيلياً» في التمييز عن «اليهودي»، حيث تترك فراغاً يتم ملؤه بالتعصب القومي والديني والأيديولوجي.
وأدى ذلك إلى استنزاف عقلية الـ«نحن وهم» في داخل المجتمع الإسرائيلي اليهودي. ولم تعد «نحن» تشير إلى أي مواطن يهودي، و«هم» إلى أي مواطن فلسطيني. والآن فإن «نحن» تعني جميع من يدافعون عن الأمر الواقع للاحتلال وتوسع المستوطنات، بمن فيها العديد من الانجليين والجمهوريين في أميركا، و«هم» تعني أي شخص يحاول تحدي الأمر الواقع، سواء كان من رجال الدين اليهود أو جندياً إسرائيلياً معارضاً أو رئيس الولايات المتحدة.
وينبغي ألا يكون ذلك صدمة، إذ إن وجود إسرائيل بحد ذاته سمح لغالبية الإسرائيليين، باسم السيادة اليهودية والأمن، بانتهاك حقوق الإنسان الأساسية للفلسطينيين، بما فيها الوصول إلى الماء وحرية الحركة والتجمع. وقامت إسرائيل بقتل المشاركين في الاحتجاجات، على الرغم من أنهم عزل، ومن ثم رفضت إجراء أي تحقيق في مقتلهم. وسمحت للمستوطنين والجنود بالتصرف من دون حسيب أو رقيب، وبحصانة كاملة، كما أنها عملت على التمييز بصورة منهجية ضد المواطنين من غير اليهود. وبعد العديد من السنوات في قمع كل من يقف في طريق الدولة، فإنه بات من السهل عليها قمع أي شخص آخر من غير اليهود. وأصبح الآن قلة من اليهود يتحدثون بلغة حقوق الإنسان بالنسبة لمن هم يعتبرون أعداء.
ميراف زونسين كاتب إسرائيلي من أصل أميركي
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news