الانقسام السياسي والفقــــر يعيقان مسيرة الديمقراطية في تــــــونس

لاتزال مدينة سيدي بوزيد، بعد ثلاث سنوات من بداية الثورة التونسية وسقوط نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي، تعيش ظروفاً اقتصادية واجتماعية صعبة. وتعتبر أشجار الزيتون مصدر الرزق الرئيس لسكان المنطقة المحرومة، التي انطلقت منها شرارة الثورة. ولا يوجد في عاصمة الولاية سوى فندق صغير وبنك وعدد من المطاعم المتواضعة، ويقضي أغلبية الشباب أوقاتهم يتسكعون في الشوارع من دون عمل.

وبالكاد ينتبه الزائر للمدينة إلى أن سيدي بوزيد كانت مهد «الربيع العربي»، لولا صورة محمد البوعزيزي، التي علقت على مدخل مركز البريد بالقرب من مجسم حجري للعربة التي كان يستخدمها البوعزيزي في بيع الخضر والفواكه، قبل أن يضرم النار في نفسه نهاية 2010. وأعقب ذلك احتجاجات أدت في النهاية إلى سقوط النظام التونسي الذي حكم البلاد منذ الاستقلال في العام 1956.

اليوم ينظر الكثيرون إلى تونس على أنها الأمل في تجسيد الديمقراطية في منطقة اندلعت فيها حروب داخلية وفوضى عارمة. وجرت الانتخابات التشريعية الثانية منذ سقوط بن علي، قبل أيام، في جو من الشفافية والنزاهة، وشهدت صعود حزب «نداء تونس» إلى الواجهة وتراجع حزب «النهضة»، الذي قاد الائتلاف الحاكم نحو ثلاث سنوات. ولكن مع تغير موازين القوى أصبحت تونس تعاني مشكلة حقيقية في ما يخص نمط الحكم السياسي.

«ثورة الياسمين»

شاركت الناشطة جميلة بينوس في ثورة يناير، فقد بقيت في الخيام مع المعتصمين مدة أسبوعين إلى أن سقط النظام في نهاية المطاف. وتتذكر الناشطة ذلك بالقول «لقد كانت فترة قلق كبير تلتها ما يشبه النشوة، لقد كان حلماً فقد حدث شيء لا يمكن تصوره».

ومنذ ذلك الحين، عاشت بينوس فترة طويلة من خيبة الأمل، على الرغم من أنها تأمل أن انتخابات الأحد الماضي ستقلب الأمور رأساً على عقب.

ويقول نصرالدين عيوني، وهو خريج جامعي عاطل عن العمل، «لا توجد هناك وظائف، وهذا هو سبب اندلاع الثورة في سيدي بوزيد، فالكثير من الشباب عاطلون عن العمل، وليس لديهم المال». ولم يتغير الحال في هذه المنطقة كثيراً منذ الثورة، إذ ظلت نسبة البطالة 34%. وعمل عيوني (28 عاماً)، مراقباً خلال الانتخابات الأخيرة لمصلحة مجموعة «مراقبين» لأيام. ويؤكد الشاب التونسي، أن بلاده عرفت الكثير من المشكلات منذ الثورة، ويشير إلى ظهور الإرهاب وانتقال أصحاب الأعمال إلى أوروبا، والعقبات التي تواجه النخب السياسية لترسيخ الديمقراطية، ويقول «أتمنى أن يتغير كل شيء- إن شاء الله - كما نقول، لا أرى أن ذلك مستحيل، ولكنه صعب».

ويعتقد صديق نصرالدين، ويدعى شاكرعيادي (36 عاماً)، وهو أيضاً خريج جامعي عاطل عن العمل، أن الأمور لن تتغير إلى الأفضل في المستقبل القريب. ويقول «إنها مهمة مستحيلة لتحقيق الاستقرار هنا (في سيدي بوزيد).. السياسيون عبارة عن لصوص، والتاريخ يعيد نفسه»، ويضيف أن «الجميع يسعى وراء السلطة والمال». ومن الواضح أن المسار الذي أعقب الثورة كان صعباً للغاية، والتونسيون ينحون باللائمة على السياسيين المنقسمين بسبب خلفياتهم الأيديولوجية. فقد فاز «النهضة» بالانتخابات التي جرت بعد الثورة مباشرة وقاد العلمانيون حركة احتجاجية ضده على خلفية اغتيال عضوين في البرلمان، العام الماضي. وفي انتخابات 26 أكتوبر الماضي دفع الإسلاميون ثمن سنوات حكمهم المضطرب، وفي الوقت الذي بدت فيه المشاركة الانتخابية عالية (نحو 60%)، يشير مراقبون إلى أن عزوف الشباب كان واضحاً. ومن هؤلاء المراقبين مدير المعهد الجمهوري الدولي، مارك غرين، الذي كان برفقة مراقبين للانتخابات في تونس.

يقول غرين، إن«ما سيحدث خلال الأسابيع والأشهر المقبلة سيحدد مستقبل الديمقراطية في تونس، خصوصاً إذا ظلت روح (ثورة) 2011»، ويوضح أن البلاد «تحتاج إلى انضمام مزيد من الشباب في العملية الديمقراطية». لكن الشباب الذين قاموا أو شاركوا في الثورة لم تتحسن أوضاعهم. ويذكر أن بعض المدونين دعوا إلى مقاطعة الانتخابات الأخيرة، وكثير منهم ناشطون في المجتمع المدني، ويبدو أن هناك عدم الثقة في النظام السياسي.

وفي ذلك تقول الناشطة في مجال حقوق الإنسان، سهير بلحسن، «الأمر مقرف بعض الشيء بالنسبة لهؤلاء الناشطين»، وتضيف الناشطة التي تترأس الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان في باريس، أن «الأمر يرجع الآن للسياسيين فليحاولوا إقناعهم». والقلق بشأن شباب تونس لا يتوقف عند خلق فرص العمل وتحقيق الأمن، ولكن أيضاً التأكد من عدم اختياره هؤلاء لمسارات وتوجهات أخرى. ووفقاً للحكومة التونسية، فإن نحو 2400 تونسي سافروا إلى سورية والعراق للانضمام إلى المجموعات المسلحة، لتصبح تونس «مصدراً» للمسلحين أكثر من أي بلد آخر. ومعظم المغادرين من الشباب، في حين منعت السلطات آلاف الأشخاص من مغادرة البلاد للاشتباه في أنهم كانوا ينوون الانضمام لتلك المجموعات. ويقول المحلل التونسي في «انترناشيونل كرايسيس جروب»، ميخائيل بشيرعياري، ان تنظيم «داعش» بات «تنظيماً مثالياً بديلاً يدافع عن المهمشين»، ويضيف عياري الذي عاد إلى تونس في 2011، أنه «من المهم الآن أن تحافظ تونس على الهدوء، كي لا تنتقل العدوى من وراء الحدود (ليبيا)، حيث يتقاتل الخصوم السياسيون. ويجب أن يتبع هذه الانتخابات عمل ميداني». ويشارك عياري الرأي كثير من المثقفين والناس العاديين في تونس، إذ يأمل الجميع أن يسود الهدوء والأمن في المرحلة المقبلة من أجل فتح المجال للسلطة الجديدة لتحقيق وعودها الانتخابية. وتقول المؤرخة جميلة بينوس، إنه «منذ الثورة لم نشهد وضعاً سيئاً مثل الأشهر القليلة الماضية، فبعد مقتل سائح فرنسي (في الجزائر) أحجم السياح عن المجيء إلى هنا». ويذكر أن سائحاً فرنسياً قتل في شمال الجزائر، بينما كان يقوم برحلة استكشافية في الجبال.

وألغى سياح فرنسيون خططهم بقضاء إجازاتهم بما في ذلك عطلة نهاية السنة في تونس بعد ما حدث، وكانت السياحة تعاني عموماً عدم الاستقرار منذ قيام الثورة.

سيلفيا تومسون - منتجة برامج في شبكة «سي بي سي» وشاركت في مراقبة الانتخابات التونسية الأخيرة

الأكثر مشاركة