الجيش العراقي عاجز عن القتـــــال

كان الشرطي العراقي حسين شهاب يدرك أن الأمور تتجه نحو الأسوأ عندما شاهد سيارات للشرطة العراقية. لقد كانوا يلوحون بأعلام تنظيم «داعش»، ويقودون الشاحنات متجهين مباشرة نحوه ونحو زملائه من قوات الأمن العراقية.

كان ذلك في التاسع من يونيو في مدينة الموصل الواقعة شمال العراق، وأدرك شهاب العنصر في الشرطة الاتحادية، التابعة للجيش، أن ضباط الشرطة الآخرين تخلوا عن سياراتهم وهربوا أمام مقاتلي «داعش» الذين كانوا على وشك الاستيلاء على ثاني أكبر مدينة في العراق، أي الموصل.

الهروب إلى بغداد

قال العنصر في الشرطة الاتحادية العراقية، عمار، إنه كان مسموحاً له بالذهاب إلى بيته في إجازة على الرغم من أن تنظيم «داعش» كان يتقدم نحوهم في بداية يونيو. وعلم من خلال الاتصالات عبر الهاتف النقال أن زملاءه من الشرطة وكذلك الجنود هربوا بعد اختفاء قادتهم. وقال عمار إنه لم يتلق أي أمر بالقتال من أحد، وبالتأكيد فإنه لم يتطوع للقيام بذلك. وبدلاً من ذلك جمع عائلته وغادر الموصل هارباً إلى بغداد. وقال إن «حماية عائلتي كانت قضية أكثر أهمية بالنسبة لي من القتال دفاعاً عن الجيش». وقال زميله شهاب، إنه هرب إلى بغداد بعد أن تخلص من بندقيته الروسية على الرغم من أن قوات الأكراد المعروفة بالبشمركة نعتوه بالجبان، وأخذوا منه مسدسه الحكومي، وشارة الشرطة الموجودة على صدره. وفي بغداد قال إنه كان خائفاً من أن يعتبره قادته هارباً من المعركة ويرسلوه إلى السجن، لكن بدلاً من ذلك عاد إلى عمله في الشرطة بعد أسبوع واحد من هروبه من موقعه في الموصل.

عناصر الجيش والشرطة العراقية خلعوا ملابسهم العسكرية وتخلصوا من أسلحتهم وهربوا من هجوم «داعش» للنجاة بأرواحهم. أ.ب

وفي آخر النهار، كانت الفرقة التي ينتمي إليها شهاب قد انهارت برمتها، وتفتتت فرقتان أخريان بعد أن خلع جنودهما ملابسهم العسكرية، وتخلصوا من أسلحتهم وهربوا للنجاة بأرواحهم. وقال شهاب (43 عاماً)، إن قادته تخصلوا من أسلحتهم ولاذوا بالفرار أيضاً. وأضاف «شعرنا بأننا جبناء، لكن قادتنا كانوا يرتعشون خوفاً من (داعش)، وكانوا في حالة من الخوف لا تسمح لهم بقيادتنا لمواجهة (داعش)».

ووصف شهاب وآخرون من كتيبته في الأمن العراقي، أن قيادتهم «سيئة» كما أن تسليحهم خفيف وقليل، إذ يشعر الجنود بالشك في قادتهم كما أنهم غير واثقين بأنهم سيحصلون على كفايتهم من الغذاء والماء والذخيرة إذا حمي وطيس المعركة. ولا يلتزم أحد بالانضباط، حيث يختفي الجنود أو يذهبون في إجازات بحسب رغبتهم، ويحسب القادة الكثير من «الجنود الأشباح» على جدول الرواتب كي يحصلوا على رواتبهم، حسبما ذكر البعض. وقال أحد ضباط قوى الأمن الاتحادي، الذي طلب تعريفه باسمه الأول فقط (عمار)، خوفاً من انتقام قادته «هذا الجيش ليس معداً للقتال، إذ لا أحد يثق بالآخر، حتى لو كان من طائفته».

وانهار الجيش في الموصل على الرغم من أن واشنطن أمضت ثماني سنوات في تدريبه وتسليحه وتجهيزه مع قوات الأمن بكلفة 25 مليار دولار. ونشرت الولايات المتحدة حتى الآن 1400 مستشار لإعادة بناء الجيش المشتت وتحويله إلى قوة يمكنها أن تواجه «داعش».

ويقول القادة الأميركيون إن الجيش العراقي لن يكون مستعداً لتنفيذ عمليات تهدف إلى استعادة المدن التي يسيطر عليها «داعش» مثل الموصل قبل مرور أشهر. وفي هذه الاثناء يتعين على الحكومة العراقية أن تستعين بالميليشيا الشيعية ورجال القبائل السنة، كي تمنع «داعش» من التقدم إلى بغداد واحتلال مطارها.

ولم يوضح الجيش الاميركي كيف يمكن لبضعة أشهر من «الاستشارة والمساعدة» أن تفضي إلى تشكيل جيش فعال بعد سنوات من التدريب كان نتيجتها فشلاً تاماً في الموصل ومنطقة الأنبار غرب بغداد. وترك الجنود وأفراد الشرطة الذين أرادوا النجاة بأرواحهم من الإعدام على يد «داعش» إذا تم أسرهم، وراءهم الكثير من الأسلحة، والذخائر، والسيارات، والمعدات الأميركية الأخرى التي يتم استخدامها حالياً من قبل التنظيم للهجوم على مزيد من المواقع الحكومية.

وشهد الجيش الأميركي نواقص وعيوب الجيش العراقي منذ عام 2003، خلال الغزو الذي قادته واشنطن في ذلك العام، إذ إن آلاف الجنود العراقيين، بمن فيهم قوات النخبة المعروفة بالحرس الجمهوري، خلعوا ملابسهم العسكرية، وتخلصوا من أسلحتهم وفرّوا، ومع ذلك فإن أكثر القوات بأساً وقوة الآن هي الميليشيات السنية التي تتشكل من جنود كانوا في الجيش العراقي خلال عهد الرئيس الراحل صدام حسين.

وعندما سئل المتحدث باسم القيادة المركزية في الجيش الأميركي الرائد كورتيس كيليوغ عن عديد قوات الأمن العراقية الجاهزة للقتال في هذه الأيام قال، إن القيادة لا تستطيع أن تعطي أية تقديرات. وأشار إلى أنه يفضل سؤال الجيش العراقي. ولدى سؤال الجيش العراقي عن جاهزيته القتالية قال العميد عبدالأمير كامل، إن معنويات وحداته تحسنت بعد أن انتقل من الدفاع إلى الهجوم. ويتم نشر نحو نصف الجيش العراقي حول بغداد وداخلها، حسبما ذكرته القيادات العسكرية. وثلثه في الأنبار، حيث يسيطر «داعش» على معظم الإقليم ذي الأغلبية السنية.

وألقى كامل باللوم في انهيار الجيش الحامي للموصل على خيانة بعض القيادات والجنود المرعوبين الذين فروا بعد أن أطلق مقاتلو «داعش» إعلاناً يقول «داعش قادم»، وانضم بعض الجنود إلى التنظيم المتطرف. وقال كامل «هذا لن يحدث في بغداد أبداً، لأن جنودنا هناك يتمتعون بروح معنوية عالية، كما يدعم بعضهم بعضاً». وأوضح أن القوات العراقية انهارت في الموصل لأن السنة الذين يكرهون قوات الأمن التي يسيطر عليها الشيعة، والحكومة المستبدة في بغداد، رحبوا بقدوم قوات «داعش».

ويعترف أفراد قوى الأمن بأن السنة والعديد من الاقليات يرون الجيش الذي يقوده الشيعة عبارة عن «قوة احتلال وحشية». وفي ظل حكم رئيس الحكومة السابق نوري المالكي كان يتم طرد الأفراد السنة من قوات الأمن ويحل مكانهم الشيعة. وقال اللواء المتقاعد بول ايتون الذي كان مسؤولاً عن تدريب الجيش العراقي في الفترة ما بين 2003 حتى 2004، إن الجيش «أصبح عبارة عن ميليشيا خاصة للمالكي».

وقال ضباط من الوحدات التي انهارت في الموصل، إن التدريبات الأميركية كانت مفيدة بالنسبة لهم، ولكن حالما غادر المدربون الأميركيون عاد الجنود والشرطة إلى أساليبهم القديمة. وقال شهاب وآخرون إن «داعش» اخترق قوات الأمن والجيش، وكان يعرف الخطط التي وضعوها، كما أن بعض القادة كانوا متعاطفين مع «داعش». وقال ايتون إن الولايات المتحدة شكلت جيشاً يعكس وبحذر التنوعات الطائفية في العراق، لكن المالكي مزق ذلك الجيش تماماً وشكل جيشاً 90% منه من الشيعة، والأسوأ من ذلك أن المالكي ضم الميليشيا المتهمة بتعذيب وقتل السنة إلى الجيش والشرطة.

وقال الفريق المتقاعد جميس دوبيك المسؤول عن تدريب الجيش العراقي في الفترة ما بين 2007 و2008، إن حكومة المالكي كانت تعمل على ترهيب واغتيال الضباط السنة في حين أن المالكي كان مسيطراً بصورة شخصية على قوات الامن. واتهمت مجموعات حقوق الإنسان قوات الأمن العراقية بأنها تحتجز وتقتل السنة. وقال دوبيك إن تقديراته تشير إلى أن ثمة 60% من الجيش ستكون جاهزيتهم القتالية جيدة إذا تهيأت لهم القيادة المناسبة وحصلوا على دعم من المستشارين الأميركيين والغارات الجوية، ولكنه غير متأكد من أن 1400 مستشار قادرون على إعادة تشكيل جيش مفكك في غضون بضعة أشهر.

الأكثر مشاركة