الفلوجة بين حصار الجيش العراقي وقمع «داعش»
تقع مدينة الفلوجة على بعد مسير ساعة في السيارة عن بغداد، والمدينة تحت سيطرة تنظيم «داعش» منذ شهر فبراير الماضي. ولكن الغريب في الأمر أن أحداً على ما يبدو لم يحاول معرفة ما يجري في داخل المدينة. وفي بداية الشهر الماضي، نشرت وكالات الأنباء قصة حظيت بشعبية كبيرة وتحمل العنوان التالي «مراسلو الحرب يرثون المناطق التي تعيش تحت سيطرة داعش»، وكانت الفلوجة المدينة الأولى التي يجري ذكرها. وبالنظر إلى أنه حتى مراسلو الحروب الذين اعتادوا مآسي الحروب لم يجرؤوا على الدخول إلى المناطق التي أصبحت تحت سيطرة «داعش». وذكر التقرير الإخباري أن أحد المراسلين الصحافيين الذي وصف ما يجري بأنه «حرب بلا شهود» في عالم مشبع بالتغطية الاخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي، أكد أن النقص الصارخ في المعلومات من مدينة كبيرة مثل الفلوجة، وسط صراع جيوسياسي كبير، يعتبر أمراً غريباً ومربكاً.
وخلال الأسابيع القليلة الماضية، تمكن مراسل «نيويورك ماغازين» من الاتصال مع شابة تدعى زينب، التي يعتقد بأنها تعيش الآن في الفلوجة، وتواصل معها، بعد أن قام ببعض الاتصالات على الانترنت بحثاً عن سكان في المدينة يمكن أن يكونوا مستعدين لمناقشة الوضع في الداخل. وحفاظاً على سلامتها طلبت زينب أن لا يتم نشر اسمها، إذ كان يملك ما يؤكد أنها تعيش داخل الفلوجة. وأرسلت صوراً من داخل المدينة، قالت إن بعضها التقطته بهاتفها النقال. وكان وصفها للمدينة متطابقاً مع المعلومات القليلة المعروفة حول ما يحدث هناك.
وكتبت زينب على «تويتر» في بداية مراسلات طويلة، تصف حياتها بلغة انجليزية مكسرة «نعم سأخبركم بكل ما يحدث هنا». وقالت زينب إنها في العشرينات من عمرها، وإنها تأمل أن تصبح معلمة ذات يوم. ولكن هذا الهدف يبدو بعيداً، لأن الجامعات التي تريد أن تحصل على شهادتها منها كانت مغلقة جميعها، وكانت معظم أنشطة المدينة على الأرض متوقفة. وأصبح الأطباء خائفين من العمل، كما قالت زينب، بعد أن هرب العديد منهم خوفاً من «داعش». وكان والداها يعملان في مهن الطبقات المتوسطة، وان اثنين من اخوانها الستة هربا من البلد، أحدهما إلى الولايات المتحدة، والثاني إلى الأردن.
وكان الاتصال مع زينب صعباً، وكانت الكهرباء تصل إلى منزلها لفترة قصيرة من النهار، لأن الحكومة المركزية في بغداد تقطعها عن الفلوجة. ولم يجرِ إمداد المدينة بالكهرباء المناسبة منذ ثلاثة أشهر (ويقال على نطاق واسع إن بغداد تقطع الكهرباء عن المناطق التي يحتلها «داعش» لتأليب السكان ضده). وتقول زينب إن الجيش يحيط بالمدينة، كما انه يعمل على إيقاف وصول إمدادات الطعام إليها. وارتفعت أسعار المواد الغذائية الأساسية بصورة خيالية. ونظراً إلى قلة الغاز يعمد السكان إلى حرق الأخشاب لاستخدامها وقوداً. ويشعر الجميع بالقلق من قدوم الشتاء، وفق ما قالت زينب.
وبصورة عامة فإن الحكومة العراقية، وليس «داعش»، هي سبب المأساة الحقيقية لسكان المدينة. وهي تعتقد أن الجيش العراقي منتشر «لقتلنا وإهانتنا». وأرسلت زينب صوراً لسحب الدخان المرتفعة في السماء، قالت إنها ناجمة عن البراميل المتفجرة التي أسقطتها بغداد على السوق المحلية الشهر الماضي. وأضافت «أريد أن يعرف الجميع أن القصف يؤذي المدنيين هنا ولا يؤثر في (داعش)». ويبدو أن معظم المعلومات التي ترسلها زينب من الصفحات المحلية لمواقع التواصل الاجتماعي. ولكن زينب تقول إن الواقع الحالي يبقى أفضل مما كانت عليه الحياة في ظل الاحتلال الأميركي، ففي تلك الفترة كانت تتوقع أن يقتحم آخرون البيت ويدخلون عليها في أي وقت. وأوضحت أنها وعائلتها سيبقون في المدينة طالما أن الجيش لم يدخلها، لكنها أضافت أن «مستقبلنا مجهول»