مع استمرار القتال وتأجيل حوار «غدامس 2» للسلام

المجتمع الدولي مطالب بخطــة جدية لإبعاد ليبيا عن شفير الهاوية

صورة

تأجيل حوار الأطراف الليبية المتصارعة، لما يسمى بحوار «غدامس 2» للسلام، لا يبشر أبداً بالخير، على الرغم من إشادة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بالتزام مختلف الأطراف الليبية بالحوار. ويبدو أن الأطراف الليبية المتحاربة المدعومة من قبل أنصار خارجيين، تفضل الحل العسكري بدلاً عن محادثات السلام، ما يجعل الأزمة على نحو متزايد غير قابلة للمعالجة. وإذا استمر الفراغ السياسي والفوضى في البلاد على هذا المنوال، فإن البيئة الناتجة عن ذلك من شأنها أن تستقطب مزيداً من الإرهابيين المتسللين عبر الحدود لتصبح البلاد ملاذاً آمناً للمنظمات الإرهابية، وهو الوضع الذي قد يضطر المجتمع الدولي فيه إلى التدخل عنوة. وفي الوقت نفسه، يتحمل المدنيون الأبرياء الجزء الأكبر من تبعات هذا النزاع، حيث سينجم عن ذلك مئات الآلاف من المشردين داخلياً، وأعداد هائلة من الذين قد تتقطع بهم السبل في الدول المجاورة، ويفقدون الأمل أكثر من أي وقت مضى في العودة إلى ديارهم.

مخاوف إقليمية من امتداد الصراع الليبي

نظراً إلى سهولة اختراق حدود الدول المجاورة لليبيا، فليس من المستغرب أن تخشى هذه الدول الآثار غير المباشرة للصراع في ليبيا، ولهذا بدأت هذه الدول البحث عن حل للصراع في هذا البلد. وتحاول الجزائر والاتحاد الإفريقي تعزيز المفاوضات، وعلى المجتمع الدولي أن يشجع مثل هذه المحادثات بالتنسيق مع الأمم المتحدة. فإذا كانت قوات اللواء خليفة حفتر، بكل ما أوتيت من دعم دولي وإقليمي، تريد بعد أربع سنوات من ذلك أن تدحر قوى مصراتة وحلفاءها من الإسلاميين، فإن ليبيا سوف تسقط في أزمة سياسية، ومرة أخرى سوف يكون هناك جزء كبير من سكانها مستبعدين من عملية الوحدة الوطنية.

ولهذا فقد حان الوقت لإعداد خطة قوية لتجميع الأطراف للتفاوض، إذا أراد المجتمع الدولي مساعدة ليبيا في الخروج من هذا المأزق، والعودة إلى المسار الصحيح من أجل وطن تعددي ومستقر، وعليه ينبغي على المجتمع الدولي التدخل من خلال فرض عقوبات محددة، بموجب قرار مجلس الأمن الدولي 2174، ضد الأفراد والكيانات التي لاتزال تمارس العدوان المسلح.

وللأسف، لايزال العمل العسكري هو السائد في ليبيا. ويؤيد البرلمان وحكومته المنتخبة والمعترف بها دولياً، التي تمارس مهامها من طبرق، بالكامل «عملية الكرامة»، بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر، التي هيأت الميليشيات لتصبح جزءاً من الجيش الوطني الليبي. وهناك اشتباكات أخرى تستمر في بنغازي، حيث تحاول قوات حفتر طرد الميليشيات الإسلامية المسلحة، لا سيما جماعة «أنصار الشريعة». وتدور اشتباكات أخرى في أجزاء مختلفة من المحافظات الشرقية، حيث تنتشر الجماعات الإسلامية المتطرفة. وفي درنة، على وجه الخصوص، أصبحت هذه الجماعات أكثر رسوخاً، وأعلن بعضها الولاء لتنظم «داعش»، ما يخلق رابطاً خطراً بين الحركات الإسلامية المحلية ومنظمة إرهابية دولية. وعلى الرغم من الدعم الذي تجده من بعض الدول، يبدو أن قوات حفتر لم تستطع تحقيق أهدافها بأسرع مما كان يفترض، ولهذا تستمر حرب الاستنزاف.

وتدور في غرب البلاد معارك عنيفة بين «ألوية الزنتان» الموالية لطبرق وميليشيات من مصراتة وطرابلس، وغيرها من المدن الجبلية التي تشكل ما يسمى بعملية «فجر ليبيا». وتسيطر هذه الأخير بقوة على أجزاء كبيرة من الساحل الغربي، ولكنها تجد نفسها متورطة في اشتباكات مع أقلية التبو العرقية في الجنوب الموالية للبرلمان المنتخب في طبرق ومع القبائل الأخرى المتحالفة مع الزنتان. ومما يضيف الوضع تعقيداً، شنت ميليشيات مصراتة أخيراً هجوماً في شرق البلاد من أجل الاستيلاء على حقول النفط التي تسيطر عليها حتى الآن ميليشيات ابراهيم الجضران المتحالف اسمياً مع طبرق.

هذه الحالة من الفوضى واستمرار العداء ليست صناعة ليبية خالصة، إذ إن مختلف الفصائل الليبية يتم تسليحها ودعمها وتعزيزها من جهات فاعلة. ويتلقى البرلمان في طبرق دعماً قوياً من بعض الدول العربية، وحتى وقت قريب، ظلت أطراف عربية أخرى وإقليمية تدعم الميليشيات الاسلامية في طرابلس. هذه التطورات حولت الحرب الأهلية الليبية إلى صراع بالوكالة، الأمر الذي يؤجج الصراعات المسلحة ويضع عقبات صعبة أمام جهود الوساطة التي تقودها الأمم المتحدة. ويبدو أن التدخل الخارجي شجع كل الفصائل على مواصلة الأعمال العدائية على الرغم من التزامها المزعوم بالحوار. وهذا من شأنه أن يقوض في نهاية المطاف جهود الممثل الخاص للأمم المتحدة، برناردينو ليون، للضغط من أجل التوصل إلى حل عن طريق التفاوض.

أيضاً جهود الأعضاء الآخرين في المجتمع الدولي، والرامية إلى التمسك بمبدأ عدم التدخل، لم تكن هي الأخرى فعالة. فقد أكدت الدول الغربية على خصوصاً أخيراً دعمها الكامل لمجلس النواب وحكومة رئيس الوزراء، عبدالله الثني. ومع استثناء للأمم المتحدة، وربما إيطاليا، يبدو أن الكل يتجاهل أو يتظاهر بتجاهله لقرار المحكمة العليا أخيراً، القاضي، على غرار بعض التفسيرات القانونية، بإلغاء العملية التي نتج عنها انتخابات البرلمان في طبرق. وإذا تم تجاهل القرار، فإن هذا من شأنه أن يقوض شرعية نظام المحكمة الليبية. ومع اتخاذهم موقفاً علنياً مؤيداً لطبرق، فإن موقف الشركاء الخارجيين هذا يتعارض مع المحادثات التي ترعاها الأمم المتحدة، التي تهدف إلى إشراك جميع الأطراف الفاعلة. ويمكن أن يمهد قرار المحكمة الملعب للحكومتين المتنافستين من خلال توفير غطاء كافٍ للمجتمع الدولي لاستقطاب طرابلس إلى طاولة المفاوضات، من دون تخفيض أو سحب الشرعية بالضرورة عن حكومة طبرق. ولكن تم اهدار هذه الفرصة.

هناك فرضية تسود في الدوائر السياسية في الوقت الراهن مفادها أن صناع القرار يعتقدون بشكل متزايد أن أفضل طريق لحل المشكلة هو إشراك الحكومة المنتخبة في طبرق فقط على حساب المنافسين لها في طرابلس ومصراتة. ومن الناحية العملية، فإن ذلك يمكن أن يُشكل خطأ مشابهاً لذلك الذي تم ارتكابه في بداية الانتفاضة عام 2011، عندما لم يستطع المجتمع الدولي أن يدرك أن الثورة كانت في الواقع حرباً أهلية، وأن البلاد في حاجة إلى مصالحة وطنية في أعقاب الإطاحة بـ(الرئيس الليبي الراحل معمر) القذافي.

وفي نهاية المطاف، ينبغي أن يتعلم الشركاء الدوليون من أخطائهم. وهذا يعني الوقوف بصلابة وراء جهود الأمم المتحدة، والاستعداد لمزيد من المشاركة التي قد تشمل جهوداً دبلوماسية أكثر شراسة، وعقوبات لدفع ليبيا بعيداً عن الهاوية.

 

تويتر