المسؤولون الأميركيون يصمـتون إزاء تعذيب إسرائيل للأطفال الفلـسطينيين

بعد ستة أسابيع على اختطافها، وهي في طريقها من المدرسة إلى المنزل في الضفة الغربية المحتلة، تم إطلاق سراح الطفلة الفلسطينية ملاك الخطيب (14 عاماً)، الجمعة قبل الماضية، من السجن، حيث تم حبسها هناك من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلية. وتعتبر ملاك، وهي أصغر طفلة فلسطينية يتم حبسها، واحدة من مئات الأطفال الذين تتم إدانتهم عبر نظام المحكمة العسكرية الإسرائيلية سنوياً. وبحلول ديسمبر 2014 كان هناك 156 طفلاً سجيناً فلسطينياً منهم 17 أعمارهم أقل من 16 عاماً، استناداً إلى منظمة الضمير لدعم السجين، وجمعية حقوق الإنسان.

تعذيب لانتزاع الاعتراف

كشفت مجموعة حقوق الإنسان المعروفة باسم «الدفاع عن أطفال فلسطين الدولية»، عن أن الأطفال الفلسطينيين الذين تم احتجازهم من قبل القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، العام الماضي، كانوا ضحية لنوع من إساءة المعاملة مصمم لدفعهم إلى الاعتراف بالقوة. وتحدثت المجموعة عن قيام المحتلين الإسرائيليين بإصدار أوامر الحبس الانفرادي والحرمان من النوم والتعذيب ضد الأطفال. وكتبت المجموعة «حصانة الانتهاكات كانت عقبة كبيرة في عام 2014، حيث رفعت مجموعة الدفاع عن أطفال فلسطين تسع شكاوى ضد السلطات الإسرائيلية تتعلق بإساءة معاملة وتعذيب خمسة أطفال عندما كانوا محتجزين لدى الجيش الإسرائيلي، ولم يتم إصدار أي إدانة ضد مرتكبي الانتهاكات». وذكرت مجموعة أخرى تعنى بحقوق الإنسان احتجاز 240 طفلاً في القدس خلال عام واحد عانوا تحرشاً جنسياً من قبل السلطات الإسرائيلية.

وعلى الرغم من كل ذلك فإن الأمر الوحيد الذي اعتبرته حكومة الولايات المتحدة «بربرياً» هو أسر جندي اسرائيلي بالغ من قبل المقاومة الفلسطينية في عملية عسكرية حاسمة. ويعتبر المسؤولون الأميركيون حياة الفلسطينيين، حتى الأطفال منهم، غير ذات أهمية. وعندما يقتل أطفال إسرائيليون يعرب أوباما والمسؤولون الأميركيون عن أسفهم وتعازيهم، ويدينون «الإرهاب ضد الأبرياء»، ولكن هذا لا ينطبق على مقتل الأطفال الفلسطينيين، الذين قتلوا من قبل الإسرائيليين، والذين يعادلون 15 ضعفاً لما قتل من الأطفال الإسرائيليين على يد الفلسطينيين. وقتل 2060 طفلاً فلسطينياً منذ سبتمبر عام 2000 مقارنة بـ133 طفلاً إسرائيلياً.

وباعتبار أن الولايات المتحدة هي الداعم للاحتلال الإسرائيلي غير الشرعي، فإنها تعتبر شريكة الإدانات الإسرائيلية المخجلة والتعذيب الذي يعانيه الأطفال الفلسطينيون. وعلى الرغم من أن المسؤولين الأميركيين يحجمون عن توجيه الانتقادات للتعذيب الذي يتعرض له الأطفال، إلا أنهم مجبرون على استنكار أي مقاومة لعنف الاحتلال الإسرائيلي المسؤول عن انتهاكات لا تُحصى لحقوق الإنسان ضد الأطفال.

وخلال الاعتداء الإسرائيلي الأخير على غزة، الذي أطلقت عليه اسم «الجرف الصامد» في شهر أغسطس الماضي، أعربت إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، عن سخطها على الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين خلال وجود أوباما في السلطة الذي كان قد بلغ ست سنوات. وبعد أن اتضح أن المقاومة الفلسطينية أسرت الجندي الإسرائيلي، هادار غولدين، قال المسؤولون الأميركيون إن هذا العمل كان «بربرياً» ووصفوه بـ«الشائن».

وفي ذلك الصباح تم الإعلان عن وقف إطلاق النار سيبدأ مفعوله بعد نحو أسبوعين من القتال الذي نجم عنه مقتل المئات من المدنيين الفلسطينيين. وقبل بضع ساعات من حدوث وقف إطلاق النار واصل جنود الاحتلال الإسرائيلي عمليات تدمير الأنفاق داخل قطاع غزة، التي كان يتم استخدامها لتهريب الأطعمة والبضائع التي مُنع الفلسطينيون من الحصول عليها جزءاً من حصار فرضته إسرائيل على غزة، منتهكة به القانون الدولي. وعند وصول القوات الإسرائيلية إلى أحد الأنفاق واجهتها مقاومة قوية، وقتل العديد من الجنود، في حين تم أسر الجندي غولدين، واقتيد إلى داخل النفق. ولكن إسرائيل فضلت قتله على أن تدعه أسيراً حياً بأيدي الفلسطينيين. ويرى المسؤولون أن هذا الموقف «بربري» من قبل الفلسطينيين وليس الإسرائيليين.

وبعد مرور شهر على الحادثة، وعندما وافقت إسرائيل على وقف إطلاق النار، كانت قواتها قد قتلت نحو 2100 فلسطيني، بمن فيهم 578 طفلاً. وكان من بين هؤلاء الأطفال الذين أزهقت أرواحهم إسرائيل الطفل ساهر أبوناموس، البالغ عمره أربع سنوات، الذي أصيب بشظية أدت إلى تهشيم رأسه، والطفل فارس جمعة المحموم، البالغ عمره خمسة أشهر، الذي تعرضت أمه و18 آخرون للإصابات نتيجة القصف. إضافة إلى الطفلة شيماء شيخ خليل ذات الأيام الخمسة، والتي ولدت قبل موعدها، بعد مقتل أمها نتيجة غارة جوية إسرائيلية، إضافة إلى أربعة أطفال آخرين من عائلة باكير، هم إسماعيل محمود (تسع سنوات)، وعهد عاطف (10 سنوات)، وزكريا عهد (10 سنوات)، ومحمد رامز (11 سنة)، الذين كانوا يلعبون الكرة على شاطئ البحر. وكان أحد هؤلاء الأطفال لم يقتل من القذيفة الأولى التي أطلقتها البارجة الإسرائيلية التي أمام غزة، فتم إطلاق قذيفة أخرى لتجهز عليه.

وفي أقوى لهجة استخدمها الرئيس أوباما ضد العملية الإسرائيلية ضد غزة، قال لرئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، إنه شعر «بقلق عميق» من مزيد من التصعيد، لكنه لم يصف أياً من الأعمال الإسرائيلية التي اعتبرتها مجموعات حقوق الإنسان جرائم حرب يجب رفعها أمام محكمة الجرائم الدولية، على أنها «بربرية» أو «شائنة»، وعلى ما يبدو فإنه لم يكن قلقاً بما يكفي لوقف تزويد إسرائيل بالأسلحة التي استخدمتها لارتكاب مزيد من المجازر بحق الأطفال الفلسطينيين.

ولم تعارض حكومة الولايات المتحدة تعذيب إسرائيل طفلاً أميركياً. فقبل أسابيع عدة من حمام الدم في غزة تعرض الطفل طارق أبوخضير (15 عاماً)، وهو فلسطيني من قرية تامبا، يحمل الجنسية الأميركية، للضرب الوحشي. وكان هذا الطفل في زيارة للقدس مع عائلته بعد فترة قصيرة من اختطاف أحد أبناء عمومته، الذي تم سكب البنزين عليه وحرقه حياً من قبل المستوطنين الإسرائيليين. وقال طارق وعائلته إنه تعرض للاعتداء عندما كان في بستان العائلة. وبعد الهجوم الذي تعرض له من قبل الشرطة الإسرائيلية، الذي أدى إلى إصابته بجروح في رأسه، تم حبسه في السجن. واعتبرت الإدارة الأميركية هذا الأمر «مقلقاً على نحو كبير»، ولكن ليس «بربرياً» ولا «مشيناً»، وأما بالنسبة للأطفال الذين لا يحملون الجنسية الأميركية، فإن إساءة معاملتهم من قبل الاحتلال الممول أصلاً من الولايات المتحدة لا يضير المسؤولين الأميركيين. وكما ذكرت مواقع الانتفاضة الإلكترونية فإن الفلسطينيين في القدس الشرقية طالبوا، أخيراً، بأن تتوقف القوات الإسرائيلية عن مضايقة تلاميذ المدارس والتحريض على المواجهات معهم. وادعت مجموعات حقوق الإنسان أن الأطفال الفلسطينيين متهمون عادة بإلقاء الحجارة، وهي قضية ملاك الخطيب التي كانت متهمة أيضاً بحيازة سكين، الأمر الذي لا يعتبر مشكلة إذا كانت جنسيتها مستوطنة إسرائيلية، حيث يقوم العديد منهم بحمل البنادق واستخدامها وهم يتمتعون بالحصانة. وتمت إدانة ملاك بعد اعتراف مزعوم تم انتزاعه، بعد ساعات من التحقيق معها، من قبل الجنود الإسرائيليين. وكما هي الحال لدى العديد من الأطفال الفلسطينيين الذين يتم التحقيق معهم من قبل السلطات الإسرائيلية، فقد كانت ملاك لا يرافقها أي شخص بالغ. ورفض والدها صحة اعترافها المزعوم، وقال لصحيفة هآرتس الإسرائيلية: «كيف تقومون بالتحقيق معها دون وجود والديها، ودون حضور محامٍ؟ التحقيق مع طفلة مثلها سيجعلها تشعر بالرعب وتعترف بأنها تمتلك بندقية ام 16 أيضاً»، ولكن ملاك أكدت براءتها وقال إنها لم تكن تلقي الحجارة ولا تحمل سكيناً. وفي عام 1987 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً يشرع حق مقاومة الاحتلال، حيث عمدت إلى التمييز بصورة جلية بين الإرهاب والكفاح من أجل التحرر الوطني. ويستغل الاحتلال الإسرائيلي حالات إلقاء الحجارة لمعاقبة وإساءة معاملة أطفال مثل ملاك التي احتلوا أرضها منذ 74 عاماً.

الأكثر مشاركة