انعدام الثقة بين حكومــة العبادي وسكان الأنبار عطّل تسليح المتطوعين
لاتزال مسألة تسليح العشائر في غرب العراق تثير الجدل في بغداد، في الوقت الذي تتعرض فيه المنطقة لهجمات متزايدة من قبل تنظيم «داعش». وفي غضون ذلك يحاول الأهالي في محافظة الأنبار فعل ما بوسعهم للتصدي لهذا التنظيم، ويحضّر خالد معاذ العيساوي، بندقيته القديمة للقتال، وهو يرتدي زياً عسكرياً. ويقول المواطن العراقي بفخر «هذه بندقية جدي»، وهو يشير إلى تاريخ صنعها (1944)، مضيفاً «هكذا نحارب (داعش)».
اتفاق جماعي على دخول «الحشد» إلى الأنبار تسببت مشاركة المجموعات المدعومة من إيران، والتي تعارض بشدة أي تدخل أميركي، في معضلة بالنسبة للولايات المتحدة، ونظراً لقلقها من التورط في صراع طائفي، على نحو متزايد، علقت واشنطن الضربات الجوية ضد مواقع تنظيم «داعش» في تكريت، حتى تنسحب الميليشيات الشيعية. ويقول زعماء في العشائر والمحافظات إنهم ناقشوا مسألة إشراك المقاتلين الشيعة تحت مظلة الحشد الشعبي، مع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، واشترطوا أن تكون جميع الفئات تحت قيادة الحكومة العراقية في بغداد. كما تم الاتفاق على أن يكون إقحام القوى الشيعية في الأنبار، على نطاق واسع، بإشراف الحكومة العراقية وقادة الميليشيات وقادة عسكريين أميركيين ومسؤولين في محافظة الأنبار.
قوات الحشد الشعبي. أرشيفية |
المباني الإسمنتية خلفه، وهي جزء من وزارة التصنيع العسكري في عهد الرئيس السابق صدام حسين، تحولت إلى قاعدة للتدريب على مشارف عامرية الفلوجة، وهي بلدة على بعد 12 ميلاً من مدينة الفلوجة، التي يسيطر عليها تنظيم «داعش».
البلدة هي من آخر ما تبقى من المعاقل التي تسيطر عليها الحكومة في محافظة الأنبار، غرب العراق. ومن الأسباب التي دفعت إلى تدريب قوة سنّية، أمل المسؤولين في بغداد أن ذلك سيساعد على تحرير أكبر المحافظات العراقية.
يهتف الشبان «يحيا العراق»، وهم يتدربون على استخدام السلاح، وقد قرر قادة القبائل المحلية محاربة «داعش». وتشمل القوة الجديدة العاطلين عن العمل والعمال والمزارعين وعدداً قليلاً من موظفي الحكومة، وأطلق على القوة اسم «الكتيبة الثانية»، إلا أن الأخيرة تشكو قلة الأسلحة، في حين لا يتقاضى المجندون من أبناء عامرية الفلوجة أي راتب.
زاد عدد المقاتلين المتدربين هنا إلى 1500 مقاتل بعد ستة اشهر من التدريب، تعلموا خلالها حمل السلاح ومهارات القتال، فضلاً عن الاطلاع على تكتيكات حرب المدن. هؤلاء المقاتلون مصيرهم مجهول رسمياً، بمعنى ليس من الواضح أن يكونوا هم نواة «الحرس الوطني» الجديد، لأن هذا المشروع يراوح مكانه في البرلمان العراقي. ويتمتع المقاتلون هنا بالطعام والزي العسكري الواصل إليهم من الحكومة المحلية، ومن رجال القبائل فقط.
يقول محمد حسين العيساوي، وهو عقيد متقاعد يشرف على تدريب المقاتلين «أصبح الخطر الآن أكبر من ذي قبل، لأننا نفتقر إلى السلاح، فضلاً عن أن المقاتلين (المجندين) لديهم معرفة قليلة بالأمور العسكرية، لذلك نحن بحاجة إلى تطوير مهاراتهم العسكرية لإلحاق الهزيمة بالعدو»، موضحاً «ليست التدريبات على مستوى عالٍ، فنحن الآن بنسبة 50% من الاستعداد، ونتطلع إلى أن تكتمل الجاهزية تماماً».
ويرى العقيد العيساوي أنه من دون قيادة مركزية موحدة تجمع بين مقاتلي القبائل والحكومة ودعم أميركي، فإن المقاتلين لن يكونوا قادرين على استعادة السيطرة على المحافظة، حتى لو كانوا متدربين بشكل جيد. ومع الدعم الحكومي البطيء وغياب المساعدات الأميركية المباشرة، زاد اليأس لدى أهالي الأنبار وشيوخ القبائل، فدفعهم الحال على نحو متزايد إلى التحالف مع الجماعات المسلحة الشيعية المدعومة من إيران لقتال المسلحين. وتعتبر «صحوة الأنبار» واحدة من البرامج الأمنية الناجحة في المحافظة في 2006. وكانت جهودها تنصب على محاربة تنظيم «القاعدة»، وتمكنت من ذلك عبر اتفاق بين القبائل هناك والقوات الأميركية بدعم من الأخيرة بالسلاح والمال.
وعمل أكثر من 100 ألف مقاتل قبلي مع القوات الأميركية بشكل مباشر، وكانوا قادرين على طرد تنظيم «القاعدة» من الأنبار نهائياً، لكن بعد عدم الإيفاء بوعود دمجهم في قوات الأمن العراقية أو منحهم وظائف مدنية بعد تسليم السيادة العراقية إلى العراقيين وخروج القوات الأميركية تأزم الوضع بشكل أكبر، بسبب رفض الحكومة السابقة الالتزام بتلك الوعود.
هناك جهود لتدريب عدد كبير من المقاتلين من العشائر السنّية لمحاربة مسلحي التنظيم، وتبدو الجهود قريبة إلى حد ما من فكرة الصحوات التي أنشئت في الماضي. ففي عامرية الفلوجة تم تسجيل 1750 مقاتلاً ضمن قوات الحرس الوطني يتلقون دفعات مالية إما من وزارة الداخلية أو من الحشد الشعبي، وفقاً لمسؤولين محليين. وهناك أيضاً 350 مقاتلاً يتدربون في قاعدة «الحبانية» في محافظة الأنبار، ويجري تدريب 1200 فرد آخر من العشائر السنّية من قبل خبراء أميركيين في قاعدة «عين الأسد» الجوية. كما يتم تدريب مئات المتطوعين في ثلاث قواعد في المناطق الكردية الشمالية، مع التركيز على استعادة السيطرة على مدينة الموصل.
ويبدو أن التهديد الذي يشكله «داعش» قد غيّر وجهات نظر سكان الأنبار، فرجال القبائل اليوم يؤيدون العمل مع القوات الأميركية لطرد المسلحين من الأنبار بالتحالف معها، إلا أن غياب وحدات أميركية على الأرض، وتنسيق القوات العراقية مع القادة الإيرانيين، حدّا من الدور الأميركي، وفقاً لتصريحات أدلى بها مسؤولون عسكريون أميركيون. ويقول قائد في شرطة الأنبار وزعيم صحوة سابق، فيصل الزوبعي، «نشعر بالضياع بين الأميركيين والحكومة».
وتتحفظ واشنطن، منذ وصول حيدر العبادي إلى رئاسة الوزراء في العراق، على دعم مقاتلي العشائر السنّية، وتشدد على أن يكون الدعم عبر نافذة الحكومة. وعلى الرغم من قبول العبادي فكرة دعم العشائر السنية في محاربة الإرهاب، يخشى كثير من المسؤولين العراقيين الشيعة هذا التسليح أن ينقلب في يوم ما ضدهم، أو ضد الحكومة أو قد يصل إلى تنظيم «داعش»، وفقاً لوجهة نظرهم.
وفي هذا السياق، يقول المسؤول الإعلامي في وزارة الداخلية العراقية، إبراهيم العبادي، «إخواننا في الأنبار جيدون في استخدام وسائل الإعلام، والمطالبة بما يريدون بصوت عال، لكن القلق مازال قائماً»، مضيفاً، «الحكومة السابقة سلمت العشائر هناك نحو 10 آلاف قطعة سلاح من نوع بي كي سي، واكتشفت لاحقاً أنها بيعت لجهات مجهولة».
أما الخبير الأمني، هشام الهاشمي، فيرى أن الحكومة لا تثق بالعشائر، وهي تؤكد دائماً أنها لا تملك العدد الكافي من السلاح. ووفقاً لمسؤولين في المحافظة فإن أي اتفاق بين الحشد الشعبي والعشائر للتنسيق الميداني يجب ان يتم بعلم مسبق من الحكومة. ويقول محافظ الأنبار، صهيب الراوي، «ليست هناك خطوط حمراء من قبل أهل الأنبار تجاه الحشد الشعبي، لكن ستكون هناك خطوط حمراء في حال عملت فصائل مسلحة خارج القانون في الأنبار».
ومع تقدم «داعش» في المناطق السنية، وتخلي الحكومة والأميركيين عن الأنبار، أصبحت فكرة تعاون العشائر مع إيران مقبولة لديهم على نحو متزايد. ويقول مراقبون إن هذه الإخفاقات الأمنية يتحملها نوري المالكي، بسبب نهجه «المؤجج للطائفية».