العراق يعتمد سياسة «العصا الســحرية» لوقف «داعش» بالرغم من عدم جدواها
على الرغم من التحذيرات، فقد اشترت حكومة بغداد معدات بمبلغ 85 مليون دولار بهدف كشف المتفجرات. واليوم، وبعد عامين على دخول النصّاب البريطاني الذي باعها المعدات إلى السجن، لايزال رجال الشرطة العراقيون يستخدمون هذه المعدات المزيفة للكشف عن المتفجرات.
تكريت شاهد على الفشل الأمني كتب الصحافي العراقي، زيد العلي، عن أداء الجيش العراقي في تكريت، باعتباره شاهداً على احتلال المدينة من قبل «داعش»، فقال: «في وحدة تتألف من 30 جندياً في سبع عربات تمكنت من السيطرة على المدينة خلال فترة وجيزة. وقد انهارت تماماً قوات الأمن العراقية التي أنفق عليها نحو 100 مليار دولار من أموال العراق في الفترة ما بين 2006 و2014. والان وبعد مرور شهر على هزيمة (داعش)، فإن العديد من السكان المحليين الذين غادروا تكريت لا يجرؤون على العودة اليها. ومنذ تحرير المدينة ثمة مئات من المجرمين يعيثون فساداً في المدينة بحرية كاملة، حيث ينهبون ويدمرون الممتلكات. ففي احدى المناطق تم تدمير نحو ربع المنازل بعد تحريرها، ولاتزال التقارير التي تتحدث عن تدمير الممتلكات تصل تباعاً. ولم يتمكن مجلس المدينة وحاكمها الذين تم انتخابهم من العودة إلى المدينة. ولم يتم حتى الان استرجاع الخدمات التي تقدمها البلدية، في حين أن قلة من المتاجر بدأت أعمالها حتى الآن. ويشعر العديد من سكان تكريت بالغضب للفشل الذريع للجيش وقوات الأمن في استعادة الأمن والنظام، ورفض الحكومة الاعتراف بوجود المشكلة». |
وفي الصيف الماضي، وبعد أن بدأ تنظيم «داعش» هجومه على العراق، كان الكثيرون يعتقدون أن بغداد ستسقط قريباً. وأدت السيارات المفخخة إلى مقتل العشرات داخل العاصمة بصورة متكررة، وكان رجال الشرطة والجيش يحرسون نقاط التفتيش في شتى أنحاء المدينة، وكانوا خط الدفاع عن مدينة بغداد ورموز سلطة الدولة في وجه الهجوم. ولحماية العاصمة لايزال هؤلاء الأفراد من الشرطة والجيش مسلحين بهذه العصي السحرية.
ويحمل رجال الشرطة والجيش في شتى أنحاء العراق «عصي سحرية»، عبارة عن أجهزة من المفروض أن تكتشف وجود المتفجرات. وهي بحجم أجهزة اللاسلكي ومنتشرة في كل مكان في بغداد، بيد أنها قطع بلاستيكية ليس لها أي فائدة، وقامت بشرائها الحكومة العراقية من تاجر بريطاني بملايين الدولارات، ولاتزال تستخدمها حتى الان، حيث يتم تقريبها نحو السيارة للبحث عن المتفجرات، على الرغم من أن التاجر البريطاني الذي باعها يقبع في السجن.
ويستخدم الشرطي العراقي سليم زهرة (33 عاماً)، هذا الجهاز العديم الفائدة خلال وجوده في نقطة التفتيش في بغداد منذ ديسمبر الماضي. وعندما سئل زهرة عن كيفية استخدام الجهاز، قال: «إنه عديم الفائدة، بدليل أن الانفجارات لاتزال تحدث هنا باستمرار». وأضاف أنه على الرغم من أن هذه العصا بلا فائدة إلا أنه يتعين عليه ان يوجهها نحو السيارة ويتظاهر بأنه يقوم بالتفتيش عن المتفجرات. لأنه اذا لم يستخدمها على الرغم من أنه وزملاءه في العمل يدركون عدم فائدتها، فإنه سيتعرض للعقوبة. وقال: «ما الذي يمكن فعله؟ فأنا أتقيد بالأوامر، واستخدمها».
وفي نقطة تفتيش أخرى كان الجندي علي أحمد حسين (29 عاماً)، يحمل هذه العصا السحرية التي واصل استخدامها عند مرور كل سيارة من نقطته. وقال إنه عرف بأن التاجر البريطاني الذي باعها للحكومة العراقية دخل السجن. وأضاف متسائلاً «ماذا حل بالمسؤولين الحكوميين الذين عقدوا هذه الصفقة معه؟ متى سيأتي دورهم؟». والآن، فإنه ليس جميع هذه العصي قيد الاستخدام، وانما يتم الاتجار فيها في بالسوق السوداء، حسب ما ذكره المحلل القانوني العراقي، زياد العلي، اذ يتم بيع الواحدة منها بمبلغ 50 ألف دولار، على الرغم من حقيقة ان الجميع يدرك بانها عديمة الفائدة.
ولكن هذه العصي تقدم رمزاً واضحاً على الفساد المتفشي في العراق، فقد تم بيع هذه المعدات على الرغم من التحذيرات بانها لا تعمل، ولاتزال قيد الاستخدام بعد اثبات أنها بلا فائدة. وفي عام 2010 انتهى التحقيق بموضوع شراء هذه المعدات قبل أن يبدأ، دون توجيه التهمة لأي مسؤول عراقي، بعد أن استخدم وزير الداخلية العراقي مادة من القانون العراقي تمنح كبار المسؤولين السلطة على تحديد ما اذا كان ينبغي مقاضاة مرؤوسيهم بتهمة الفساد.
وتظهر هذه المعدات أن الفساد يعوق الحرب العراقية ضد «داعش»، الذي يبدو أنه يعوض عن خسارته في أي مكان من العراق عن طريق اكتساب مناطق أخرى.
وتم بيع هذه المعدات إلى عدد من دول العالم من قبل تاجر بريطاني اسمه جيمس ماكورميك، وكان العراق قد اشترى أكبر عدد من هذه الاجهزة. وكان ماكورميك قد أخذ جهازاً مصمماً للعثور على كرات الغولف وأعاد تصميمه بصورة أخرى تحت مسمى «إيه دي إي651»، وأكد للزبائن أن الجهاز قادر على كشف كل شيء بدءاً من المتفجرات إلى المخدرات والأموال، وحتى عبر الجدران.
وفي عام 2007 بدأت الحكومة العراقية انفاق نحو 800 دولار لشراء هذه الآلة التي يتم حملها باليد. وبحلول عام 2009 اشترت وزارة الداخلية العراقية كمية من هذه الآلة بمبلغ 85 مليون دولار. وخلال هذه الفترة قتل أكثر من 1000 عراقي وجرح الكثيرون نتيجة التفجيرات. وفي عام 2010 تم اعتقال ماكورميك لاشتباه الحكومة البريطانية في أنه يقوم بعمليات خداع. وحكم عليه بالسجن لمدة 10 سنوات في عام 2013 من قبل قاضٍ بريطاني أطلق على تجارته بأنها «خداع لا يرحم».
وفي هذه الأيام ينبغي أن يكون جلياً بالنسبة لبغداد وواشنطن أن الفساد الحكومي يشكل إعاقة خطرة للحرب على «داعش». وفي ديسمبر 2014، تم تصنيف العراق بالمرتبة السادسة لأكثر دول العالم فساداً في العالم في المؤشر السنوي للفساد الذي أصدرته منظمة المانية تعنى بموضوع الشفافية الدولية. وعلى الرغم من أن رئيس الحكومة الجديد تعهد بمحاربة الفساد إلا أنه لا يوجد الكثير من الأدلة على وجود اصلاح في النظام الحكومي. وقال الدكتور عباس حكيم، وهو خبير في السياسة الخارجية في جامعة جون هوبكنز: «خلال فترة رئيس الحكومة السابقة نوري المالكي كانت الحكومة قوية ولكن فاسدة، ولكن الآن الحكومة فاسدة وضعيفة».
وقال الصحافي سجاد جياد الذي يراقب الفساد في بغداد «إن الفساد هناك منظم جداً ومترسخ جداً، حتى أن أعلى المسؤولين يتحركون بيقظة وانتباه»، وروى جياد حكاية من خلال رحلته إلى العراق في بداية العام الجاري عن ضابط عسكري في التجنيد حاول سرقة عشرات الملايين من الدولارات كانت مخصصة لشراء الواقيات من الرصاص للقوات الخاصة، في حينه أنه كان يجني المزيد من الأرباح عن طريق بيع واقيات مزورة للجنود كانت موجودة أصلاً لدى الجيش.
وتقوم الولايات المتحدة حالياً بتدريب الجيش العراقي كما فعلت خلال العقد الماضي تقريباً، بينما كانت الولايات المتحدة تحتل العراق. ومع ذلك، وعلى الرغم من السنوات الماضية من التدريب وانفاق نحو 25 مليار دولار على هذه الجهود، إلا أن الجيش العراقي ينهار تماماً في مواجهة هجوم «داعش» خلال العام الماضي. ولاتزال هناك معركة كبيرة يجب خوضها بهدف تحرير مدينة الموصل، معقل «داعش» في العراق، وهي أكبر من تكريت بـ10 مرات.