تهريب المخدرات يزعزع الأمن في الساحل الإفريقي
قبل سنتين ونصف السنة، أعلنت فرنسا استجابتها لطلب الحكومة في مالي، ووافقت على التدخل العسكري، وذلك بعد أن سيطرت جماعات متشددة على شمال البلاد، مهددة بالوصول إلى العاصمة باماكو. ومع تدخل الفرنسيين تم إخراج المجموعات المتشددة من المدن، إلا أن شمال مالي لايزال منطقة صعبة المراقبة، في الوقت الذي راجت فيه عمليات تهريب الأسلحة والمخدرات. وأصبحت بلدة «تابانكورت» الواقعة على الطريق الذي يربط بين مدينة «غاو»، كبرى مدن شمال مالي، والجزائر المجاورة، أصبحت من أهم المحطات في طريق مهربي المخدرات إلى أوروبا.
وتعمد عصابات التهريب الكولومبية والفنزويلية إلى تفريغ بضاعتها على سواحل بلدان غرب إفريقيا، ومن ثم نقلها عبر الصحارى إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط. وتقول مصادر أمنية إن ما بين 40 و80 طناً من الكوكايين تصل إلى أوروبا عبر الساحل الإفريقي كل عام. إلا أن الخبير في شؤون الساحل الإفريقي، ماتيو بيلران، يقول إن «غموضاً تاماً يخيم على الكميات التي تمر بالقارة السمراء، والأكيد أن التقديرات أقل بكثير من الواقع، لأننا لا نعرف جميع عصابات التهريب التي تنشط هناك»، ويدفع المهربون أموالاً طائلة للمسؤولين في البلدان التي تمر بها بضاعتهم، من أجل السماح لهم بالمرور.
يتعاون أغلب المهربين مع الجماعات المسلحة التي تنشط في شمال مالي، وذلك لحاجتهم إلى حماية بضاعتهم في حال حدوث أي مواجهة مع قوات الأمن. في المقابل يؤكد عارفون بمنطقة الساحل أن ظاهرة التهريب عبر الحدود بين مالي والجزائر، ليست بالجديدة، لكنها استفحلت مع تدهور الأمن في مالي. ويرجع هؤلاء ذلك إلى غياب البدائل وفرص العمل، والظروف المعيشية القاسية، العوامل التي أسهمت في تفاقم الظاهرة، فلا وجود للمصانع وحتى المدارس في تلك المناطق، وأطفال الحدود يتعلمون رعي الماشية والتهريب، ويرون فيه امرأ عادياً. ويأتي ذلك في الوقت الذي تقوم السلطات فقط بتعزيز الإجراءات الأمنية التي تزيد من حدة الظاهرة، عوضاً عن البحث عن البدائل. ويمتلك المهربون محال، أو يزاولون نشاطاً تجارياً حتى لا ينكشف أمرهم، وجميعهم يتعاملون مع الجماعات المسلحة بشكل أو بآخر.
يعد تهريب المخدرات من العقبات الرئيسة أمام عودة السلام إلى شمال مالي، وفقاً لمراقبين غربيين ومحليين، ومما زاد الطين بلة، تأثير هؤلاء على الحياة السياسية في مالي، من خلال إغداق الأموال على الأحزاب. ويقول الأستاذ في جامعة إيست أنغليا البريطانية، إيفان غيشاوا، إن هناك تنافساً كبيراً على النفوذ بين قبائل الطوارق والبدو الرحل، والقبائل العربية في المنطقة. ويوضح الخبير في شؤون الساحل الإفريقي أن هناك دوافع مختلفة، من بينها «الإبقاء على طرق التهريب تحت السيطرة، خصوصاً التي تستخدمها عصابات الكوكايين».
وتتيح العائدات الضخمة من هذه التجارة كسب رجال الجمارك والعسكريين وقادة الميليشيات، من خلال الهدايا السخية، ناهيك عن بعض الساسة من ذوي النفوذ. ويذكر أن الرئيس السابق، أمادو توماني توري، الذي أطيح به في انقلاب مارس 2012، سمح أيضاً للمليشيات بالاستعانة بأموال المخدرات لمحاربة المتمردين الطوارق. في بداية يناير 2013، تمكنت عملية «سيرفال» العسكرية الفرنسية من شل حركة المهربين لأشهر، إلا أن نشاطهم استأنف في يوليو من العام ذاته. وتشهد مناطق شمال مالي عمليات إنزال جوي لشحنات الكوكايين منذ سنوات، ويقول مسؤولون محليون إن السكان لاحظوا طائرات ترمي بمواد غير معروفة، قبل أسابيع.