مستقبل ليبيا يبدو غامضاً في ظل الصراع الجاري

كما قلت سابقاً في العديد من الخطابات في حينه، كان من الواضح حتى في عام 2011، أنه من دون وجود أي عامل يؤدي إلى توحيد ليبيا، فإن الشرخ الواقع في مجتمع هذه البلاد يمكن أن يؤدي إلى تمزيق ليبيا ويشكل خطراً على الشعب الليبي، وجيرانه من الدول الأخرى، والسلم العالمي.

لكن نشوة الربيع العربي أثرت في الليبيين وغير الليبيين على السواء، ناهيك عن أن ليبيا عاشت فترة امتدت نحو 42 عاماً من الحكم الدكتاتوري، تم خلالها القضاء على المجتمع المدني. وفي حقيقة الأمر فقد سمعت تصريحات العديد من السياسيين، منها على سبيل المثال ما أكد أنه «لا يوجد انقسام طائفي في ليبيا، ولذلك من السهل الحصول على توحيد المجتمع فيها»، أو «لن يكون هناك انتشار كبير للسلاح، لأن الجيش الوطني والشرطة يحظيان بدعم دولي، كما أنهما بدآ بالتشكل»، وأيضاً «أثبتنا بما لا يرقى للشك، أنه اذا قدمت البيئة والوسائل للحرية والانتخابات النزيهة، فإن البقية ستتبعها بصورة طبيعية».

اعتقادات نمطية

الخروج من المأزق

ثمة أعداد متزايدة من الليبيين يعتقدون أنه ربما يكون هناك وسيلة ما للخروج من المأزق. وإذا تمكنا من النظر إلى ما تحت السطح فإننا سنرى أدلة متزايدة على وجود حركة شعبية في ليبيا تقدم طريقاً مختلفاً نحو الدولة الديمقراطية الفاعلة، ففي المدن الرئيسة في شتى أنحاء ليبيا بما فيها طرابلس وبنغازي يوجد تظاهرات ومؤتمرات ونقاشات لمصلحة استعادة الدستور الليبي الذي يعود إلى عام 1951، ويمكن ملاحظة ذلك في العديد من وسائل التواصل الاجتماعي الليبية، وتزداد وتيرة الحديث عن هذا الدستور، حيث يجري ذلك عبر مختلف القبائل والمناطق والمدن حتى بين الليبيين من مختلف الأعمار، وهي حقاً ظاهرة شعبية مستقلة بصورة شاملة عن اللاعبين السياسيين الحاليين. وكان دستور عام 1951 الذي تم تعديله عام 1963 قد وضعته الجمعية الوطنية الليبية، بمساعدة الأمم المتحدة.

وهذه الاعتقادات نمطية إلى حد كبير، وتقريباً موثوقة على نطاق دولي، لكن بعد مرور ثلاث سنوات ونصف، يبدو أن هذا التفاؤل المبكر قد اندثربصورة شاملة، ولا يرضيني أن يكون اعتقادي صائباً على حساب الليبيين، إذ إن الشعب الليبي يعاني على نحو مريع، ويكافح المجتمع الدولي من أجل تحديد سياسة متماسكة، مع وجود كلفة باهظة وواضحة للفشل، ودخول البلاد مرحلة الدولة الفاشلة.

ويشير الفهم المتأخر للوضع والتقييم الدولي إلى أن الفشل في ليبيا كان نتيجة عدم «وجود خطط لما بعد التدخل الغربي في ليبيا»، وهو الاستنتاج الذي صادف أنه مشترك لدى كثيرين في ما يتعلق بالتدخلات الأخرى مثل أفغانستان والعراق. وثمة تقييم آخر مفاده أن التدخل فشل، لأنه لم ينجح ليس إلا.

والهدف هناك ليس الحصول على نقاش فلسفي حول جدارة التدخل، وبغض النظر عن ماهية القضية وضد من، ففي عالم يتزايد فيه الأقطاب، فإن التدخل ربما كان من أجل البقاء هنا، وتالياً فإنه لا بد أن يتضمن التدخل العسكري. وفي حقيقة الأمر، في ليبيا على الرغم من معارضة بعض الدول مزيداً من التدخل العسكري، فإنه على الأقل، وحتى تشكيل حكومة وحدة وطنية، ظلت بعض الدول تواصل التدخل العسكري، كما ذكر تقرير للأمم المتحدة أخيراً. وبناء عليه دعوني أعد إلى السؤال الأول، هل يرجع الفشل في ليبيا إلى عدم التحضير لليوم الذي يتلو التدخل؟

 

نقص الاستعداد

أعتقد أن غالبية الشعب الليبي العادي يوافقون اليوم على أنه هو السبب الحقيقي. وتتركز وجهات النظر الأكثر شعبية خارج ليبيا في الإشارة إلى النواقص، والعيوب في التحضيرات المتعلقة بقوات الأمن الوطني، والجيش الوطني، وما شابهه. ولكن الليبيين يصلون وبصورة متسارعة إلى الفكرة التي مفادها أن قلة قليلة من الشعب الليبي كانت مستعدة للقضايا السياسية الأساسية، التي سيواجهها بعد انهيار دكتاتورية الراحل معمر القذافي، التي استمرت 42 عاماً، خصوصاً في القضايا المتعلقة بمسائل من قبيل: كيف سيؤمنون الوحدة في مجتمع قبلي يحمل في داخله أسبابه التاريخية للتشظي والانقسام والتشرذم؟ ماذا سيكون أساس الشرعية السياسية؟ هل ستنجح وتستمر؟ ما أفضل طريقة لضمان الاستقرار لوقت كاف يسمح بظهور المؤسسات المدنية؟

ولطالما كانت الأجوبة العملية على هذه الاسئلة الأساسية هي الشروط المسبقة من أجل كل نجاح سياسي شامل، وللكيان الناجح لكل مؤسسة وطنية، لكن هذه الأسئلة إما أنه لم يتم التطرق اليها بتاتاً، أو تم النظر إليها بصورة سطحية من منظور أيديولوجي أو سياسي.

وعندما تكون القبلية، إضافة إلى المناطقية، متجذرة في الدولة، يسهل استغلال التصدعات السياسية والمجتمعية، ولكن عندما تكون الدولة بلا تقاليد ديمقراطية، وحكومة تمثيلية كافية، وإجماع سياسي، ومن دون المؤسسات الأساسية للمجتمع المدني أو الدولة، يكون الاعتماد على التقاليد الديمقراطية الغربية والعمليات السياسية أشبه بمن يريد استخدام قياس واحد ليلبسه الجميع، وذلك لن يؤدي إلى منح نقطة بداية عملية وموثوقة عندما يسقط الدكتاتور.

 

دهشة

والمثير للدهشة بالنسبة لي وللعديد من الليبيين، أن أكثر اللاعبين السياسيين خبرة وتجربة، القادمين من المجتمع الدولي، استمروا في العمل دون النظر إلى هذه الخلفيات، حتى في ظل مواجهة أربع سنوات من وجود الأدلة القاطعة على ذلك، وعلى الرغم من وجود حكومة وحدة منذ عام 2011، فإنها في كل مرة تتهاوى، وأنا واثق بأن هناك الكثير من النوايا الحسنة من قبل جميع الاطراف، وتنطبق الحالة أيضاً على المناقشات الجارية حالياً في ما يتعلق بحكومة الوحدة الجديدة. ودعونا الآن نشعر بالأمل بأن العملية السياسية القائمة حالياً ستؤدي إلى حكومة وحدة جديدة. والأمر الجلي أن الغالبية العظمى من الليبيين غير راضين تماماً بما يجري حالياً. ويبدو أن أياً من الخيارات المتنوعة الناجمة عن العمليات السياسية لن تكون قادرة على جذب ما يكفي من دعم طيف عريض من الأطراف، لفترة كافية لإيجاد شيء مختلف عما حدث في السابق.

وكانت نسبة الناخبين منخفضة دائماً، إذ إن كل عملية انتخابية كانت تجذب عدداً من الناخبين أقل من سابقتها، وأعتقد أن آخر عملية انتخابية شارك فيها ما بين 15 إلى 20% من نسبة الناخبين، الأمر الذي يفيد بأن الغالبية العظمى من الليبيين تتجاهل العملية الانتخابية والخيارات المطروحة على الطاولة، وإضافة إلى ذلك فإن الفراغ السياسي والأمني شكلا مساحة لبعض القوى المتطرفة على الأرض، وهذه القوى الظلامية تزدهر في مناطق الفوضى وتعرف كيف تستغل ذلك لمصلحتها، وعلى الرغم من أن هذه القوى تشكل قضية خطيرة، إلا أنه ليس لهم قاعدة، أو أساس، أو مستقبل بعيد الأمد في ليبيا. وهم في الغالبية من الأجانب، وليس لديهم الدعم الشعبي، نظراً إلى أن ليبيا تتمتع منذ زمن بعيد بالتقاليد الصوفية المعتدلة، وهم سيبقون إذا لم تتمكن ليبيا من تحقيق الوحدة

أطرافاً عدة، وبناء عليه يوجد في ليبيا الآن العديد من الأطراف، وليس فيها مركز واحد موثوق.

دانييل كوانيزسكي - عضو البرلمان البريطاني عن حزب المحافظين

الأكثر مشاركة