بفضل غارات التحالف الدولي ودعمه الميداني لقوات البشمركة
الأكراد ينجحون في صد هجــــوم «داعش» شمال العراق
منذ استعادة السيطرة على بعض التلال الجرداء في شمال العراق من مسلحي تنظيم «داعش»، راحت قوات البشمركة الكردية تحفر الخنادق وتزرع الأسلاك الشائكة لحماية مواقعها الجديدة، وتنسق مع قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة لتحديد أهداف للغارات الجوية. وتوفر قمم تلك التلال مناظر واضحة للقرى التي يوجد بها المسلحون الذين يعدون الشاحنات المفخخة ويخططون للهجمات الانتحارية، إلا أن القوات الكردية ليس لديها خطط للمضي قدماً، لأن تلك الأراضي ليست تابعة لها حتى تقاتل من أجلها. ويقول القائد الميداني، العميد محمد خوشافي «حالياً مهمتنا الرئيسة هي الدفاع»، موضحاً «ندافع عن الشعب الكردي وهذا أبعد ما يمكن الذهاب إليه».
تنسيق مع «التحالف» كانت العلاقة الجيدة بين الأكراد وقوات التحالف واضحة على التلة التي يوجد عليها العميد محمد خوشافي، 40 ميلاً إلى الجنوب الشرقي من مدينة الموصل. وأشار القائد العسكري إلى الصعوبة التي واجهها ورجاله في تحديد مواقع عناصر التنظيم في قرية مجاورة، كانوا يمطرون البشمركة بالرصاص انطلاقاً منها، ما أسفر عن مقتل عدد من المقاتلين الأكراد. ومن خلال التنسيق مع الفريق الفرنسي التابع للتحالف الدولي، تمكن المقاتلون الأكراد من التقدم إلى قرية قريبة يسيطر عليها «داعش»، بوساطة عربة مصفحة، وبالتالي تمكن الفرنسيون من تحديد مصدر النيران. ويوضح خوشافي أنه بعد بضع دقائق تعرض مسلحو التنظيم لغارة جوية دمرت المبنى الذي كانوا يتحصنون بداخله»، وبغض النظر عن نجاحاتهم فإن رجاله كانوا مشغولين في حفر الخنادق وإقامة الحواجز للحماية من القناصين المعادين، وعندما سئل عما إذا كانت التطورات الجديدة ترسم معالم دولة كردية في المستقبل، أجاب القائد الميداني «بالطبع، هذه هي الحقيقة على أرض الواقع». |
لقد كانت قدرة القوات الكردية في شمال العراق على استعادة السيطرة والدفاع عن الأراضي قصة نجاح نادرة لسياسة إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في ما يخص التنسيق مع القوات البرية المحلية لمحاربة التنظيم المتشدد. ويأتي ذلك مع إعلان إدارة البيت الأبيض، الأسبوع الماضي، أنها تنظر في توسيع هذه الجهود من خلال شبكة قواعد تدريب جديدة في الريف العراقي.
وضع تقدم عناصر التنظيم المفاجئ في شمال العراق، في يونيو الماضي، العديد من المدن الكردية في وضع خطير للغاية. وقد استفادت قوات «البشمركة» من حملة التحالف الدولي الذي وجه الضربات الجوية ضد «داعش»، فضلاً عن التدريب والأسلحة والدعم الاستخباراتي من الولايات المتحدة وحلفائها. ولكن النجاحات التي حققتها القوات الكردية أيضا سلطت الضوء على الحدود السياسية والعسكرية التي تواجه الإدارة الأميركية في أي مكان آخر في العراق وسورية، حيث تفتقر الولايات المتحدة إلى علاقة متينة مع القوات على الأرض، وحيث لا توجد وحدة بين عناصر تلك القوات.
في الشهر الماضي، استسلمت قوات الأمن العراقية في مدينة الرمادي للمسلحين الذين لم يتجاوزوا بضع مئات، وفقاً لمسؤول عراقي رفيع. واشتكى زعماء العرب السنة المحليين من بطء إرسال الحكومة العراقية تعزيزات أو إمدادات للمساعدة في القتال.
ويعتقد القليل في المنطقة الكردية، ذات الحكم الذاتي، أن الحكومة التي يقودها الائتلاف الشيعي في بغداد ستقوم بإصلاح قواتها المسلحة قريباً، أو إقناع العرب السنة، الذين يعيشون في مناطق يسيطر عليها التنظيم، بالانقلاب عليه. ونظراً إلى استمرار الخلافات مع الحكومة المركزية حول قضايا الميزانية، فإن الكثير من الأكراد يشعرون بأنهم يواجهون المسلحين بمفردهم. لذا فقد تم التركيز على الداخل، ويسعى أكراد العراق جاهدين لتحسين مستوى أداء قواتهم وتأمين الحدود الطويلة والمتقلبة مع جيرانهم المسلحين. ويأمل كثيرون أن المعركة تقربهم من أهداف بعيدة المدى لتأسيس دولة كردية مستقلة.
وقد تطورت البشمركة بشكل كبير من قوة متذبذبة كادت تنهار أمام تنظيم «داعش»، قبل نحو عام، إلى قوة قادرة على كبح جماح المسلحين، وفقاً لقادة أكراد ودبلوماسيين غربيين ومسؤولين في التحالف. وكانت ضربات التحالف الجوية أساسية في تدمير مواقع «داعش» وتمهيد الطريق أمام التقدم الكردي. وعلى أرض الواقع ساهم خبراء المتفجرات الذين تدربوا حديثاً في تفكيك الآلاف من المتفجرات؛ كما استعان المقاتلون الأكراد بالصواريخ المضادة للدبابات، التي حصلوا عليها من الدول المشاركة في التحالف، لمواجهة خطر الشاحنات المفخخة. وقدم الأكراد معلومات استخباراتية مهمة ساعدت في تحديد أهداف الغارات الجوية. وفي المقابل أسهمت معلومات زودت بها طائرة استطلاع أميركية، في نصب كمين وقتل مسلحين كانوا يلغمون قرية في الخط الأمامي، حسب قائد ميداني كردي.
ويؤكد وزير شؤون البشمركة، مصطفى سيد قادر، أن العديد من المقاتلين تم تدريبهم على القتال في المناطق الحضرية، والخدمات اللوجستية في ساحة المعركة، والتعامل مع القنابل التقليدية. ويضيف المسؤول الكردي، الذي يشرف على قوة البشمركة، البالغ عدد أفرادها نحو 160 ألف مقاتل، أن هذه المهارات ساعدت في السيطرة على 95% من الأراضي التي يريدها الأكراد لإقامة دولة مستقلة في المستقبل، بما في ذلك مدينة كركوك الغنية بالنفط، التي تطالب بها بغداد أيضاً.
وقد مثلت هذه المسألة عقبة أخرى في طريق الاستراتيجية الأميركية ضد «داعش». وتضاءلت الآمال بقدرة الأكراد على استعادة الموصل، إلى الجنوب مباشرة من كردستان في محافظة نينوى، في الوقت الذي أصبحت البشمركة تركز على الدفاع، على الرغم من أن المسؤولين في كردستان العراق أبدوا استعدادهم للمشاركة في تحرير المدينة والمساهمة بقوة في أي هجوم محتمل.
وقال مسؤول رفيع في التحالف الدولي إن قدرات البشمركة تحسنت، لكن من غير المرجح أن تقاتل في أماكن أخرى في العراق. وأوضح المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن اسمه «رغبتهم في المضي قدماً محدودة جداً إلى حد الآن». وما تسبب في خسائر جسيمة للأكراد مهارة المتشددين في استخدام المتفجرات والسيارات المفخخة والعبوات الناسفة، التي قضت على معظم ضحايا الصراع من الأكراد البالغ عددهم 1200 ضحية، منذ العام الماضي. وقال سيروان بارزاني، وهو رجل أعمال، وقريب رئيس إقليم كردستان، إن رجاله أبطلوا مفعول آلاف القنابل في المناطق التي استعادوها من التنظيم. وأظهر برزاني الذي يقود وحدة عسكرية جنوب شرق الموصل، صوراً على هاتفه تبين العدد الكبير للعبوات الناسفة، وعرض كيف يقوم مسلحو التنظيم بإعداد وتفجير القنابل عن بعد.
ومثل بقية القادة الميدانيين، اشتكى بارزاني من قلة الأسلحة وأثنى على صواريخ «ميلان» المضادة للدروع التي حصلوا عليها من ألمانيا، والتي ساعدت البشمركة على قصف السيارات والشاحنات المفخخة قبل الوصول إلى أهدافها. ويضيف القائد الميداني، «لقد أنقذت (الصواريخ) مئات الأرواح من قواتنا»، وقال دبلوماسي غربي إن البشمركة كانوا بعيدين عن الاحترافية، وإن معظم التقدم الذي أحرزوه كان بفضل الضربات الجوية التي نفذها التحالف. ولم يتلقَّ العديد من المقاتلين رواتبهم منذ أشهر، ومازالت القوة منقسمة بين الأحزاب السياسية الكردية، ما يعيق التعاون. ويخشى العديد من القادة الميدانيين من أن منطقتهم لاتزال في خطر، وأن القوات الكردية لديها الكثير من المهام حالياً.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news