قوات أميركا في العراق تتـقاســم قاعدة عسكرية مــــع «الحشـــد الشعبــــــي»
يتقاسم كل من الجيش الأميركي في العراق والميليشيات الشيعية المدعومة من إيران حيزاً جغرافياً واحداً، حيث يشترك الاثنان في التمركز في قاعدة عسكرية واحدة، في الوقت الذي تستخدم فيه إيران تلك الميليشيات لتوسيع نفوذها في العراق، ومن أجل القتال إلى جانب نظام الرئيس السوري، بشار الأسد.
وأكد اثنان من كبار المسؤولين بالإدارة الأميركية لـ«بلومبيرغ» أن الجنود الاميركيين والميليشيات الشيعية على حد سواء، تستخدمان قاعدة «التقدم» العسكرية في الأنبار، وهي القاعدة العراقية نفسها التي يهبط فيها الجنود الـ450 الإضافيين، الذين أمر الرئيس الأميركي، باراك أوباما بإرسالهم للمساعدة في تدريب القوات العراقية لقتال تنظيم «داعش». وفيما مضى قتل بعض أفراد هذه الميليشيات الشيعية المتواجدين الآن في القاعدة، جنودا أميركيين في العراق.
11 شهراً سعت حكومة الولايات المتحدة للحصول على تأكيدات رسمية من الحكومة العراقية، أن الميليشيات الشيعية بالقاعدة لن تتدخل في ما يخص العاملين بالجيش الأميركي. لكنّ هناك شكوكاً واسعة النطاق في أن الساسة في بغداد لا يمارسون أي سيطرة حقيقية على الميليشيات المتشددة. وخلال الـ11 شهراً منذ بدء عمليات القوات الأميركية الخاصة في العراق، لم تحدث أي احتكاكات بين هذه الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران والقوات الأميركية، أثناء قتالهم لعدوهم المشترك «داعش». تقديرات متباينة تختلف التقديرات بشأن عدد المقاتلين الشيعة العراقيين في قاعدة التقدم، حيث يقدر مسؤول أميركي كبير بالإدارة الأميركية بأنه لا يوجد هناك «سوى عدد قليل من ممثلي الميليشيات في القاعدة، للتنسيق مع قوات الأمن العراقية، في حين ينتشر الجزء الأكبر من قوات الدعم الشعبي في الميدان حول مدينة الرمادي، التي يحتلها «داعش». ويقول مسؤول كبير آخر أيضاً بالإدارة، إن «هناك مئات من مقاتلي الميليشيات الشيعية وصلوا للقاعدة أخيراً، وإنها تذهب وتأتي للقاعدة حسب حاجة العمليات القتالية في المنطقة». |
ويخشى بعض المسؤولين في إدارة أوباما، أن يعرض هذا التقاسم في القاعدة الجنود الاميركيين للخطر. وذكرت أجهزة الاستخبارات الأميركية أن ممثلي بعض الميليشيات الأكثر تطرفاً، يتجسسون على العمليات العسكرية في قاعدة «التقدم»، كما يؤكد مسؤول كبير في الإدارة الأميركية، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى وقوع كارثة، إذا انقطعت العلاقة الهشة بين الجيش الأميركي والميليشيات الشيعية، وقررت الأخيرة استهداف الولايات المتحدة مجدداً.
ويصف المنتقدون لخطوة التعاون الأميركي مع هذه الميليشيات، بأنها «خيانة» للجنود الأميركيين، الذين حاربوا ضد الميليشيات المدعومة من إيران خلال الاحتلال الأميركي للعراق.
ويقول رئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، جون ماكين أن «هذه إهانة لأسر الجنود الأميركيين الذي أصيبوا أو قتلوا في المعارك، التي كانت تؤججها الميليشيات الشيعية»، ويضيف قائلاً: «إننا نوفر لهم الآن الأسلحة وندعمهم، ومن الصعب جداً على تلك الأسر فهم هذا الموقف».
ولا تقدم القوات الاميركية مباشرة التدريب للوحدات الشيعية، أو ما يعرف بقوات الحشد الشعبي، التي تضم عشرات الآلاف من العراقيين الذين تطوعوا للقتال ضد «داعش»، فضلاً عن آلاف المسلحين المتشددين، الذين يتلقون اوامرهم مباشرة من قادة ميليشيا موالية لطهران. ولكن تقدم الولايات المتحدة مهام دعم جوي لتلك القوات.
وتوفر الولايات المتحدة الأسلحة مباشرة للحكومة العراقية، وقوات الأمن العراقية، وليس لهذه الميليشيات، إلا أن الخطوط بين الولايات المتحدة وهذه الميليشيات تبدو ضبابية، وكثيراً ما تقع الأسلحة الأميركية في أيدي الميليشيات الشيعية، مثل حزب الله العراقي. وفي بعض الأحيان يصبح التعاون العسكري أكثر وضوحاً، حيث إن بعض قادة الميليشيات المتشددة، يستفيدون من إحاطات القوات الأميركية بشأن العمليات العسكرية المطلوب تنفيذها، من قبل القوات التي تسيطر عليها الحكومة العراقية، كما يقول أحد المسؤولين الأميركيين.
ويقول مسؤول أميركي آخر، إن هذا التعاون مع جماعات إرهابية أودت بحياة أميركيين، أمر لا مفر منه خلال الحملة الاميركية ضد «داعش»، ولكن يمكن أن ينعكس سلبا على مصالح الولايات المتحدة، على المدى الطويل.
وتضم هذه الميليشيات أغلبية من المتطوعين الشيعة، ويقودها زعيم حزب الله العراقي، أبومهدي المهندس، الذي فرضت عليه الخزانة الأميركية عقوبات عام 2009 لزعزعته استقرار العراق. والمهندس هو أحد المقربين من قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، الذي التقط ذات مرة صورة «سيلفي» مع زعيم الميليشيا خلال معارك رئيسية.
الميليشيات الأخرى، التي شاركت في القتال ضد «داعش» تشمل «عصائب أهل الحق»، التي شنت عام 2007 عملية مميتة وحشية على جانب الطريق قضت على خمسة جنود أميركيين قرب كربلاء. وتفتخر هذه المجموعة حتى هذا اليوم بقتلها للجنود الأميركيين، ففي مقابلة أجريت معه في فبراير الماضي، دافع متحدث باسم ميليشيا عمليات القتل تلك عن ممارساتها، وقال إن «الميليشيا التابعة له، قتلت العديد من الجنود الأميركيين».
كما تقوم إيران بنشر أفراد من هذه الجماعات، للدفاع عن نظام الأسد في سورية المجاورة.
ويؤكد مدير الاستخبارات الوطنية، جيمس كلابر، في خطاب بتاريخ 3 يونيو لسبعة من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين، أن «إيران وحزب الله يرسلان جماعات ارهابية عراقية، لتتلقى التدريب في إيران، ثم ارسالها للمشاركة في العمليات الموالية للأسد».
وحدد معهد واشنطن عام 2013 ثلاثة أنواع من الميليشيات هي: «عصائب أهل الحق»، و«حزب الله العراقي»، و«كتائب سيد الشهداء»، حيث ترسل هذه الميليشيات مقاتلين من النخبة إلى سورية للقتال بجانب الأسد. وتساعد المجموعات الثلاث في قيادة لجان التعبئة الشعبية التي تحارب «داعش».
هذه الميليشيات أيضاً متهمة بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وفظائع في المعارك التي خاضتها بالمناطق السنية. وانتقدت وزارة الخارجية الأميركية في تقريرها السنوي حول الإرهاب في جميع أنحاء العالم، الذي صدر أواخر الأسبوع الماضي بشدة، الدعم الإيراني للميليشيات العراقية، والسلوك الذي تنتهجه تلك الميليشيات.
ويقول بيان وزارة الخارجية: «على الرغم من تعهدها بدعم الاستقرار في العراق، زادت ايران من وتيرة تدريبها وتمويلها للميليشيات الشيعية العراقية، لمواجهة تقدم (داعش) داخل العراق، وتسبب الكثير من هذه المجموعات، مثل (حزب الله العراقي)، في تفاقم التوترات العرقية في العراق، وساعدت في ارتكاب الكثير من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ضد المدنيين السنة في المقام الأول». «ويمضي بيان الخارجية قائلاً: «مثلهم مثل حزب الله، استخدم الكثير من هؤلاء المسلحين الشيعة المدربين مهاراتهم القتالية، من أجل دعم نظام الأسد في سورية أو ضد (داعش) في العراق».
وتختلف التقديرات بشأن عدد من المقاتلين الشيعة العراقيين في قاعدة التقدم، حيث يقدر مسؤول أميركي كبير بالإدارة الاميركية بأنه لا يوجد هناك «سوى عدد قليل من ممثلي الميليشيات في القاعدة، للتنسيق مع قوات الأمن العراقية»، في حين ينتشر الجزء الأكبر من قوات الدعم الشعبي في الميدان حول مدينة الرمادي، التي يحتلها «داعش». ويقول مسؤول كبير آخر أيضا بالإدارة، إن «هناك مئات من مقاتلي الميليشيات الشيعية وصلوا للقاعدة مؤخرا، وأنها تذهب وتأتي للقاعدة حسب حاجة العمليات القتالية في المنطقة»
وسعت حكومة الولايات المتحدة للحصول على تأكيدات رسمية من الحكومة العراقية، بان الميليشيات الشيعية بالقاعدة لن تتدخل فيما يخص العاملين بالجيش الأميركي. ولكن هناك شكوكاً واسعة النطاق، أن الساسة في بغداد لا يمارسون أي سيطرة حقيقية على الميليشيات المتشددة. وخلال الـ11 شهراً منذ بدء عمليات القوات الأميركية الخاصة في العراق، لم تحدث اي احتكاكات بين هذه المليشيات الشيعية المدعومة من ايران والقوات الاميركية، اثناء قتالهم لعدوهم المشترك «داعش».
ويقول مسؤول بالادارة الاميركية: «ليس هناك أي قيادة وسيطرة حقيقية من الحكومة المركزية على هذه الميليشيات»، ويضيف: «حتى ولو لم يهاجمنا هؤلاء الرجال، فهناك حقيقة، هي أن إيران ادخلت عنصرا جديدا في العراق، هو (حزب الله العراقي)، وسنكون بهذه الطريقة قد ساعدناه ودعمناه».
ومع اقتراب الموعد النهائي للتوصل إلى اتفاق نووي مع إيران، الذي من شأنه أن يضع ما يصل إلى 150 مليار دولار في أيدي إيران، تعترف اميركا الآن علنا في تقريرها السنوي حول الإرهاب الدولي، بأن إيران تدعم فيلق أجنبي، يضم أفغان وعراقيين ومقاتلين لبنانيين، للدفاع عن المصالح الإيرانية في جميع أنحاء الشرق الأوسط. ويبدو التناقض جليا في تعاطي الولايات المتحدة مع هذا الوضع، ففي العراق تقاتل أميركا جنباً إلى جنب مع الميليشيات المدعومة من إيران، وفي سورية، تقاتل القوات المدعومة من قبل الولايات المتحدة ضد هذه الميليشيات نفسها. المأساة الحقيقية لهذه السياسة هي أن «داعش» استطاع أن يحتل اراضي شاسعة، ويستمر في التوسع في العراق وسورية، في حين تمكنت إيران من تشديد قبضتها على بغداد.