أوضاع إنسانية مزرية لنحو 20 ألف مدني بينهم 3500 طفل

مخيم اليرموك بين الموت قصــــــفاً أو حصاراً

صورة

عبدالله الخطيب، شاب في الـ25 من العمر، من مخيم اليرموك، كان يدرس علم الاجتماع في جامعة دمشق، أما الآن فهو متفرغ لتوثيق يوميات الحصار القاتل الذي يخضع له أهالي المخيم من اللاجئين الفلسطينيين الذين استقر بهم الحال في ذلك المخيم عقب تعرضهم لنكبة 1948، فهو يحصي الذين ماتوا جوعاً والذين سقطوا برصاص القناصة في مخيم اليرموك، ويوثق ما يجري في المخيم من نقص في الممرضين والأطباء والأدوية والمعدات، وغير ذلك من التفاصيل المتصلة بالحياة اليومية لأهالي المخيم.

مخيم اليرموك يحتضر بسبب استمرار الحصار القاتل

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2015/07/342625.jpg

الأمم المتحدة توزع السلال الغذائية في مخيم اليرموك.

نتيجة للحصار الخانق الذي يتعرض له مخيم اليرموك، قضى نحو 200 شخص جوعاً أو بسبب عدم توافر الدواء، حيث تقصفه القوات النظامية السورية منذ 637 يوماً، ويشهد انقطاعاً للتيار الكهربائي منذ أكثر من 717 يوماً، ويستخدم الناس المولدات الكهربائية كبديل، كما يستمر انقطاع المياه عن المخيم لليوم الـ207 على التوالي. وحاولت منظمات دولية مثل الصليب الأحمر الدولي، ووكالة «إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (أونروا)، وعدد من المنظمات غير الحكومية إدخال أغذية وأدوية للمخيم، لكن القوات النظامية السورية تصدت لها، بينما حذرت هذه المنظمات في بيانات سابقة لها من كارثة إنسانية في المخيم المحاصر.

وبلغ عدد ضحايا مخيم اليرموك الموثّقين منذ بدء الأحداث في سورية حتى اليوم 1063 ضحية، منهم من قضوا نتيجة الحصار والجوع ونقص الرعاية الطبية، بينما كشفت «مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية» أواخر مارس الماضي عن 32 ضحية فلسطينياً ماتوا في سجون النظام، منهم 18 ضحية نتيجة التعذيب.

وكان التقرير الذي أعده كريم شاهين لصحيفة «الغارديان» بعنوان «يوميات قلب يتعلم أن يقسو.. الحياة تحت حصار الأسد واحتلال تنظيم داعش»، ثرياً جداً بتفاصيل ممارسات قوات الرئيس السوري بشار الأسد ومسلحي «داعش» ضد السكان من غير تمييز للنساء والأطفال والمرضى.

وبشكل أو بآخر يروي عبدالله، من خلال التقرير، قصة المخيم الأسطورة الذي كان يقطنه مليون شخص بينهم 800 ألف سوري، والذي كان يومياً يعج بالحياة ويقدم قوافل الشهداء الفلسطينيين. ويقول إن «نظام الأسد أراد الزج بالمخيم في الصراع، فوزع الأسلحة بشكل عشوائي على فصائل فلسطينية متعددة وأوكل لها مهمة حمايته، فتصارعت في ما بينها، ليدخله تنظيم داعش وجبهة النصرة من قبله».

«وفر مسلحو الفصائل، وفرض الجيش السوري حصاراً قاتلاً على مخيم اليرموك واستهدفه بغارات جوية، في إطار ما سمي حرب البراميل»، حسب ما يروي عبدالله الذي يسرد الكثير من الحكايات الصغيرة عن كيفية تحول المخيم من بؤرة تعج بالحياة إلى بقايا منازل وأكوام ضخمة من الركام بعد قصفه بالبراميل المدمرة.

وأحصى عبدالله وزملاؤه من النشطاء 170 حالة وفاة جوعاً، وكتب عن رفاقه الذين سقطوا في القصف، فيقول إنه بكى ثلاثة أيام على الأول، ويومين على الثاني، وحين سقط الثالث بكاه يوماً واحداً، ثم بدأ يضحك ويتعاطى مع الموت في محاولة لتجريده من تراجيديته، «فالكل سيموت، وإن كان الترتيب الزمني سيختلف».

وتحت عنوان «قواعد الحصار الـ40»، يكتب عبدالله في يومياته على غرار «قواعد العشق الـ40»، لجلال الدين الرومي، والتي يقرؤها عبدالله بين موتين، إذ يقول: إن النظام «استخدم كل أسلحته من القصف إلى الغارات الجوية إلى الأسلحة الكيماوية إلى التجويع والتعذيب»، لكن عبدالله لم يستسلم، بل اختار أن يعمل على توثيق ما يجري.

ويتحدث عبدالله عن المجاعة، وعن ليالٍ مرت لم يكونوا يملكون فيها غير حساء «الماء بالبهارات»، كما يكتب عن «حلم الحصول على كوب شاي». ويضيف «عشرات الأعوام من القتل والتهجير، حتى أصبح قدر الفلسطيني أن يأتي إلى الدنيا وزخات الرصاص تطارده، حتى تلك البطاقة التي تعطيه حق اللجوء لن تشفع له، هذا ما أضحى واقعاً يعايشه أهالي مخيم اليرموك المحاصر منذ بدء الصراع المسلح في سورية قبل أربعة أعوام».

وتندلع الاشتباكات المسلحة بين عناصر تنظيم «داعش» الذي يسيطر حالياً على نحو 90% من أراضي مخيم اليرموك وتنظيم «أكناف بيت المقدس» الذي يتولى حماية المخيم منذ عام 2013 بعد تكرار هجمات النظام السوري عليه، التي قتل على إثرها 13 شخصاً من ساكني المخيم منذ أكثر من أسبوعين.

جاء ذلك في البيان المشترك الذي أصدره كل من «المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان»، و«الشبكة السورية لحقوق الإنسان»، و«مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية»، والذين دانو فيه الأوضاع الإنسانية المتردية في المخيم، التي وصفوها بغير المسبوقة، ويشهدها نحو 20 ألف مدني بينهم 3500 طفل يتعرضون للقصف المتواصل والاشتباكات العنيفة.

وبحسب البيان فقد تعرض المخيم وعلى مدار أيام لقصف عنيف بصواريخ «أرض - أرض» والبراميل المتفجرة التي أطلقتها القوات النظامية السورية، وسقط منها حتى الآن 15 برميلاً على الأقل، كما اعتقل «داعش» عشرات الشباب الفلسطيني.

لم يكن دخول «داعش» إلى المخيم هو أول احتكاك حقيقي للفلسطينين في سورية بالصراع الدائر في البلاد، بل بدأ منذ بداية الثورة السورية في مارس 2011، حيث اتهمت مستشارة الرئيس السوري بثينة شعبان الفلسطينين في مخيم الرمل بتكسير المحال التجارية في مدينة اللاذقية، «وبدأوا بالفتنة»، على حد تعبيرها.

وفي يونيو 2011 وقعت مواجهات دامية في مخيم اليرموك بين مشيعين غاضبين وحراس أحد مقار «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة»، التابعة لأحمد جبريل الذي أيد النظام السوري، وقتل حينها نحو 14 فلسطينياً، ومنذ ذاك الحين استمرت المواجهات التي اشتبك فيها النظام السوري بشكل مباشر.

وبعد بدء المواجهات المسلحة بين النظام السوري والفصائل المعارضة في عام 2012، قصف النظام مخيم اليرموك الذي أيد بعض أبنائه الثورة السورية بثلاثة قذائف هاون، أدت إلى مقتل 20 فلسطينياً، الأمر الذي استنكرته الفصائل الفلسطينية، منها حركة «فتح»، وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي كانت تتخذ من دمشق مقراً لقيادتها، ودعت إلى تحييد الفلسطينين.

وفي يونيو 2014، تم تنفيذ بنود اتفاق تحييد المدنيين في مخيم اليرموك، الذي حضره أطراف الاتفاق مع ممثل وكالة «إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (أونروا)، ومن أهم بنوده وضع نقاط تمركز حول حدود المخيم، لضمان عدم دخول أي مسلح من خارج المخيم، وتشكيل لجنة عسكرية مشتركة متفق عليها، وقوة أمنية لحفظ الأمن داخل المخيم، ومنع دخول أي شخص متهم بالقتل حالياً، لحين إتمام المصالحة الأهلية، لكن الاتفاق لم يستمر طويلاً، حيث اغتال مسلحون القيادي بحركة «فتح» محمد طروية، وكذلك تم اغتيال القيادي في حركة «حماس» يحيى حوراني أواخر الشهر الماضي.

وأنشأ مخيم اليرموك عام 1957 على مساحة تقدر بـ2.11 كم مربع فقط، لكنه امتد إلى ثمانية كيلومترات مربعة جنوب دمشق لتوفير الإقامة والمسكن للاجئين الفلسطينين في سورية، وهو من حيث تصنيف «الأونروا» لا يعد مخيماً رسمياً، وهو أكبر تجمع للاجئين الفلسطينيين في سورية، حيث كان يسكنه قبل الثورة في عام 2011 نحو 160 ألف لاجئ، وبقي حالياً نحو 20 ألفاً فقط.

وفي سورية يوجد ما يزيد على 13 مخيماً للاجئين الفلسطينيين، بعضها رسمي والآخر غير رسمي، ويقدر عدد الفلسطينيين فيها بنحو نصف مليون نسمة، ويقع عدد منها حول دمشق، إضافة إلى مخيمات أخرى في حمص وحماة ودرعا وحلب.

تويتر