تركيا تدخل الحرب ضد «داعش» بعد تعرّض أمنها للخطر
يشكّل دخول تركيا في الحرب ضد تنظيم «داعش»، الأسبوع الماضي، تحولاً تاريخياً في الشرق الأوسط، إذ هاجمت الطائرات الحربية التركية مواقع التنظيم المتطرف في سورية، بعد أن وافقت الحكومة في أنقرة على استخدام الولايات المتحدة قواعد تركية لتأدية مهامها ضد التنظيم. وأطلقت قوات الأمن التركية حملة أمنية واسعة، واعتقلت عشرات الأشخاص المشتبه في أنهم عملاء للتنظيم أو أنهم مقاتلون أكراد، ورافق ذلك تحركات عسكرية مكثفة على الحدود مع سورية والعراق.
نتيجة معقدة
اتفاق استراتيجي الاتفاق الذي تم بين واشنطن وأنقرة، أخيراً، لم يتم الكشف عن تفاصيله، ولم تتسرب معلومات حول إن كان هذا الاتفاق الاستراتيجي شمل إنشاء منطقة أمنية. وفي هذا السياق، أكدت المتحدثة باسم وزارة الدفاع، لورا سيل، أن الولايات المتحدة وتركيا قررتا تكثيف «التعاون ضد تنظيم داعش». وفي حين رفض الأميركيون التحدث عن تفاصيل الاتفاقيات، قال مسؤولون في البيت الأبيض إنهم يفضلون أن يتحدث الأتراك عن هذا الموضوع. وبمجرد عقد هذا الاتفاق وقعت اشتباكات على الحدود التركية السورية. وتم استهداف جنود أتراك على يد مجموعة من المسلحين لتبدأ مرحلة جديدة في مواجهة تنظيم داعش. |
وإذا ما استمرت تركيا في هذا الاتجاه الجديد، سيتم تعزيز الحملة الجوية ضد «داعش»، وسيتقلص تدفق المقاتلين الأجانب والأموال والأسلحة إلى سورية عبر تركيا. لكن الطريقة التي يتم بها استهداف مقاتلي التنظيم وعناصر حزب العمال الكردستاني، على حد سواء، توحي بأن النتيجة قد تكون أكثر تعقيداً وخطورة على الأرض، في تركيا نفسها.
المشكلة هي أن أنقرة حاولت الإبقاء على العداوة بين التنظيم والحزب الكردي. وعلى الرغم من إجراء مفاوضات مع حزب العمال الكردستاني - الحركة الانفصالية الكردية العريقة والكبيرة في تركيا - ومع زعيمه المسجون عبدالله أوجلان، فقد تم أيضاً اللجوء إلى طريقة أخرى، ربما تساعد في القضاء على أعداء أنقرة، إذ إن التنظيم المتطرف نجح في التغلب على مقاتلي حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي) في شمال سورية، والذي يعتبر شقيق حزب العمال الكردستاني.
هذه السياسة المتناقضة - حيث لا تعلم اليد اليسرى ما تقوم به اليد اليمنى - كانت ستؤول إلى الفشل في مرحلة ما. وأخيراً، قررت الحكومة التركية التدخل، لأنها تخشى اندلاع قتال بين حزب العمال الكردستاني والتنظيم على أراضيها، وذلك بعد عملية انتحارية قبل أيام، والتي اتهم «داعش» بالوقوف وراءها، وأسفرت عن مقتل 32 شخصاً في بلدة بالقرب من الحدود السورية. وأعقب ذلك هجمات قام بها حزب العمال الكردستاني على الشرطة التركية، بسبب فشلها في حماية الأكراد الأتراك.
ظلت الصحافة المعارضة تهاجم الحكومة، منذ البداية، وتتهمها بالفشل في اتخاذ موقف صارم ضد التنظيم المتطرف. ويبدو مؤكداً أن الحرب التي أرادت أنقرة أن تبقيها بعيدة عنها، تهدد بعبور الحدود. ويعود ذلك الى حد كبير إلى سياسة التلاعب بعدوّين في آن واحد، إذ كانت محفوفة بالمخاطر ومغلفة بالازدواجية. لقد كانت تركيا عضواً غير مستقر للتحالف ضد «داعش»، لأسباب عدة، أهمها شعورها بخيبة أمل لعدم تحقيق طموحاتها في قيادة الجهود ضد «التنظيم»، وتشكيل المنطقة وفقاً لمصالحها الاستراتيجية، إضافة إلى التكهنات حول كيفية تأثير الصراع على الحركة الانفصالية الكردية على أراضيها.
المفتاح الرئيس
في الواقع، المفتاح الرئيس للموقف الغامض للحكومة التركية إزاء محاربة التنظيم منذ البداية، كان الخوف من أن الأكراد قد يصبحون في نهاية المطاف هم الفائزين في كل من العراق وسورية، الأمر الذي سيشجع أكراد تركيا على المطالبة بحكم ذاتي، من شأنه أن يهدد الدولة المركزية. بالنسبة لأنقرة، سيكون مثالياً بعد القضاء على «داعش» أن تعود كل من سورية والعراق كما كانتا في السابق: دولتين قويتين تفرضان سلطتهما على كل التراب الوطني، والأهم من ذلك، أن تتمكن الحكومتان من السيطرة على الأقليات الكردية وإرضائها، ومن ثم ترك الحرية لتركيا للتوصل إلى تسوية مع أكرادها، وربما تضطر حينها لتقديم تنازلات محدودة فقط، تتعلق برغبتهم في الحكم الذاتي.
حاولت تركيا التوسط لإيجاد تسوية في سورية لكنها فشلت، ثم انقلبت ضد نظام بشار الأسد، ودعمت بعض الجماعات الثائرة هناك، مع تجنب الالتزامات التي قد تساعد الأكراد السوريين. إلا أن تطورات الأسبوع الماضي قد تجر أنقرة إلى التحالف ضد التنظيم المسلح بشكل كامل؛ ولكن ينبغي أيضاً إنعاش محادثات السلام مع حزب العمال الكردستاني، بدلاً من اتخاذ إجراء غير عادل وغير حكيم، من خلال وضع الحركة الكردية والمتشددين في خانة واحدة.
تصاعدت الانتقادات التي تقول إن سعي أنقرة لإقامة منطقة عازلة شمال سورية، يهدف بشكل أساسي لإضعاف منطقة الحكم الذاتي الكردية المتنامية. وقالت مصادر عسكرية في أنقرة إن الطائرات التركية لن تستهدف الحزب الديمقراطي الكردي في سورية، ولجان الحماية الشعبية، إلا إذا شكلت هذه الفصائل تهديداً مباشراً للحدود التركية، أو حاولت تغيير «التركيبة الديموغرافية للمنطقة». وقال الحزب الديمقراطي إن المنطقة العازلة تهدف إلى إضعاف المعارضة السورية، ومن شأنها أن تؤثر سلباً في المحادثات مع أكراد تركيا، كما انتقد متحدث باسم الحزب الغارات التركية، قائلاً إن الحكومة في أنقرة تحاول «غسل يديها بعد أن فشلت سياساتها في سورية».
وباعتبارها معنية في المقام الأول بالصراع السوري، خصوصاً مع عدم قدرتها على السيطرة على حدودها مع هذا البلد المضطرب، والبالغ طولها 900 كيلومتر، بقيت تركيا تخشى المواجهة مع هذا التنظيم الراديكالي، مفضلة التفاوض معه، ما مكّنها أواخر العام الماضي من الإفراج عن الرهائن في القنصلية التركية في الموصل، مقابل إطلاق سراح الكثير من المسلحين المعتقلين في السجون التركية. وظل الوضع على حاله لمدة 10 أشهر، لرؤية الموقف التركي يتغير وبشكل كبير قبل أيام. هذا التحول يأتي في الوقت الذي عززت فيه الحكومة في الأشهر الأخيرة الوجود العسكري على حدودها، مع منع عبور «المقاتلين المحتملين» الذين كانوا يحاولون دخول سورية للانضمام إلى هذا التنظيم.
بعد الانتقادات الموجهة للحكومة في أنقرة، من قبل حلفائها الغربيين، بسبب هذا الموقف المتردد في مواجهة تنظيم «داعش»، اشترط الرئيس رجب طيب أردوغان للمشاركة بفاعلية أكبر في التحالف ضد المتطرفين، أن تكون الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد من بين أهداف التحالف، مع إنشاء منطقة حظر جوي في شمال سورية.
اتهامات
وتتهم المعارضة التركية حكومة رئيس الوزراء، داود أوغلو، بالتقصير في مواجهة الإرهاب، كما تتهم حزب العدالة والتنمية الإسلامي بتأييده الأعمى للمعارضة المسلحة في سورية باسم التضامن، مع هاجس إسقاط نظام دمشق. ويرى مراقبون أنه من الآن فصاعداً أصبحت الحرب ضد تنظيم «داعش» حرباً شاملة. ففي أواسط يوليو، نشرت مجلة القسطنطينية التابعة لتنظيم «داعش»، وتصدر باللغة التركية، الدعوة إلى استهداف تركيا، مع ذكر فتوى صادرة حول منتجات قادمة من تركيا باعتبارها غير صالحة للاستهلاك. في هذه الأثناء ينتشر الآلاف من رجال الشرطة في جميع أنحاء تركيا، في عملية واسعة لمكافحة «الإرهاب» ضد التنظيم المتطرف وضد المسلحين الأكراد من حزب العمال المحظور في تركيا. وقد ألقي القبض على العديد من المشتبه فيهم.