هجمات تونس حوادث إرهابية منعزلة لعرقلة تحولها الديمقراطي
توضح الهجمات المتفرقة الأخيرة، التي وقعت في تونس، أن هناك من يحاول إخراج هذا البلد العربي عن قضبان مساره نحو التحول الديمقراطي ومحاولات ترسيخه، وتؤكد مدى حاجة المجتمع الدولي لإعطاء الأولوية القصوى للتنمية الاقتصادية. ومنذ فترة ليست بالقصيرة والمجتمع الدولي منهمك في مجريات الأحداث في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث تستمر المعركة مع تنظيم «داعش»، الذي يتخذ من مناطق في سورية والعراق تمركزاً له. ولاتزال العديد من دول المنطقة تشهد عملية تأسيس بطيئة للتحول الديمقراطي، على الرغم من بدء ما يسمى بـ«الربيع العربي» في 2011.
وعلى الرغم من نجاح تونس في تطبيق نموذج التحول الديمقراطي الخاص بها، إلا ان الهجمات على متحف باردو وفندق مرحبا، تظهر أن تونس ليست محصنة ضد أعمال الإرهاب التي تجتاح دول المنطقة. ومع أن الهجمات تسببت في موجات من الصدمة والذهول في شرق البلاد وغربها، إلا ان كثيراً من التونسيين يعتقدون أن تلك الهجمات، لم تكن مؤشرات متفرقة على تزايد عدم الاستقرار في تونس، وإنما حوادث معزولة تماماً، وبلا ذيول او توابع. وبعد سلسلة مقابلات صحافية وتلفزيونية مع مختلف كبار المسؤولين التونسيين خلال 2014، فإن العبارة التي كان يرددها الجميع «نحن ــ التونسيين ــ لسنا ليبيا أو مصر أو الجزائر». وكان الوضع الداخلي خلال شهر مايو الماضي، الذي كنت موجوداً خلاله في تونس، مستقراً إلى حد كبير، وكانت قطاعات التجارة والصناعة والاستيراد والتصدير تشهد حركة نشاط ملموسة.
وثمة درس مهم يمكن للمجتمع الدولي أن يستخلصه من أحداث ما بعد الهجوم على متحف باردو، هو أهمية استمرار اعترافه بأن التغيير السياسي في تونس، هو تغيير حقيقي، وأن التونسيين يتمسكون بمؤسساتهم الديمقراطية، التي أسسوها عقب الإطاحة بزين العابدين بن علي ونظامه.
وتعزز المكانة التي تعيشها تونس جذور الاستقرار وأهمية تحرك المجتمع الدولي لترقية تلك المكانة، وتعزيز احترام المؤسسات السياسية والديمقراطية في تونس، كما ان الاستمرار في تعزيز المكانة السياسية والديمقراطية في تونس، فيه تقوية للعقلية التي تعتقد ان المبادئ الديمقراطية التي بدأت في الدخول إلى الدول العربية، قد تستخدم كعنصر تفسير لسبب رؤية تونس مستقرة ومتضامنة مع نفسها، بعد شهرين من الهجوم على متحف باردو.
وعلى أي حال فإن الحركة الاقتصادية والاستقرار الثابت لا يمكن استخدامهما لتشخيص وفرز كل عنصر أو مكون، من عناصر ومكونات المجتمع التونسي المعاصر. ولا يغيب عن البال ان «ثورة الياسمين» بدأت في تونس 2010، سسبب معاناة الأغلبية العظمى من إحباط كبير ومتراكم من الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتردية، وتفشي ثقافة الفساد والتمييز وعدم تكافؤ الفرص. وبعد اندلاع الثورة قفزت أسعارالمواد الغذائية عالياً، واعتقد أغلب التونسيين ان الوضع الاقتصادي في تونس ازداد في الواقع تردياً وسوءاً.
وفي 2014، وفي تقرير لها من تونس، قالت صحيفة واشنطن بوست الأميركية، إن تونس تسهم منذ فترة بشكل كبير في إمداد تنظيم «داعش» بأكبر عدد من المقاتلين، وذلك بسبب زيادة الفقر، وغياب الآمال والأحلام لدى الشباب التونسي. كما انه يمكن للمجتمع الدولي الخروج مما يجري في تونس بدرس آخر، هو إدراك أهمية تعزيز التنمية الاقتصادية واستمرارها في مواجهة التشدد والإرهاب. ويعود دعم المجتمع الدولي، وخصوصاً الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب، إلى ما قبل اندلاع «ثورة الياسمين»، ويجب على الجميع عدم تجاهل آثار الهجوم على متحف باردو، واعتباره حادثاً معزولاً محدود الأثر. وقد يكون ذلك الهجوم حالة شاذة، حيث إن الإرهابيين تمكنوا من التسلل إلى البلاد ونجحوا في قتل السياح، لكن ينبغي النظر إلى الهزات الارتدادية التي تؤثر في النمو الاقتصادي، على انها أمر خطير له أبعاده.
وعلى الأرجح فإن لدى تونس من القوة والتماسك، لتحمل مسؤولية أمنها الوطني، ولكن ستكون لذلك آثاره في التنمية الاقتصادية وظروفها، كما يجب علينا التسليم بأن الإرهاب مازال يمكنه إيجاد الطريق للدخول إلى تونس، على الرغم من كل ما يتم اتخاذه من إجراءات وتدابير. وتحقق تونس منافع عدة وكبيرة من امتلاكها اقتصاداً متنوعاً، قابلاً للنمو والازدهار وقادراً على المنافسة، ولكن 17% من هذا الاقتصاد يمثله قطاع السياحة وصناعتها، وما يتصل به من مشروعات. ولا يعتبر التونسيون السياحة مجرد قطاع ثمين من مكونات اقتصادهم، بل مؤسسة مهمة، كما ان الالتحاق بالمدارس والمعاهد خيار مفتوح وحي بالنسبة للتونسيين، الذين يسعون إلى زيادة تعليمهم وتوسيع مداركهم، استناداً إلى فلسفة العقل المفتوح على الآخر، الذي يؤمن بمحاربة ثقافة التعصب والكراهية، وهكذا فإن السياحة، قطاعاً ومؤسسات، تعد وعاء للاسهام في تعزيز الثقافة العالمية، في ما يتعلق بالتفاهم والفهم المتبادل والانفتاح، وهذا سبب آخر لمعرفة اسباب النظر إلى قطاع السياحة على انه عنصر مؤثر في مواجهة الإرهاب، خصوصاً في الدول التي تمر بمرحلة انتقالية من التغيير السياسي.
والوقت وحده سيوضح لنا أن آثار الهجمات الأخيرة في تونس ستسهم في إزالة المخاوف الأمنية وتعزيز نجاح الخطط الأمنية واستمرار الحركة الاقتصادية، وانه كلما زادت تلك المخاوف اتجه التونسيون إلى نحو الكساد الاقتصادي. ولمواجهة الإرهاب وتأمين الجبهة الداخلية وتحصينها في الدول العربية، التي تمر بمرحلة انتقالية من التغيير السياسي، فإن المجتمع الدولي يحتاج للتأكد من اعطاء التنمية الاقتصادية، الأولوية القصوى دون التفريط او التهاون في الوقت ذاته بشأن بواعث الأمن الوطني.
بقلم كريستي لين دوبس : باحثة وطالبة دكتوراه في شؤون السياسة العالمية في جامعة لويولا في شيكاغو، ومتخصصة في عمليات التغيير والتحول الديمقراطي والسياسة الخارجية في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وعاشت في تونس في صيف 2014.. والمقال منشور في موقع «فورن بوليسي جورنال»