جريمة إحراق عائلة دوابشة هزت إسرائيل
بالنسبة للإسرائيليين، فإن الصراع بين المستوطنين اليهود والفلسطينيين هو جزء من الحياة اليومية، وعادة ما ينطوي على قطع أشجار الزيتون ورشق بالحجارة، مع عدم وجود خسائر في الأرواح، ولكن إحراق أسرة فلسطينية في قرية دوما بالضفة الغربية، الأسبوع الماضي، الذي أسفر عن استشهاد رضيع وإصابة شقيقه ووالديه بجروح بليغة (توفي والده أمس)، هز إسرائيل لتدرك واقعاً غير مريح.
«العناصر الإرهابية» ليست فقط في الخارج، يطلقون الصواريخ أو يخططون لهجمات انتحارية، مثل الشباب المهمش الذي تم تجنيده في التنظيمات المتطرفة في العراق والشام، يلجأ فصيل متطرف آخر من الشباب المتدينين في إسرائيل إلى العنف، بشكل متزايد، باسم الدين.
تدابير إسرائيلية خجولة ضد المتطرفين شدد أصحاب القرار في تل أبيب على ضرورة القبض على المتسببين في العمل الإجرامي الذي استهدف عائلة دوابشة في قرية دوما بالضفة الغربية المحتلة، ومحاسبتهم قضائياً، لكن منظمة «يش دين» الإسرائيلية غير الحكومية ذكرت أن ما لا يقل عن 80% من القضايا المتعلقة بالهجمات التي يرتكبها المستوطنون ضد الفلسطينيين قضايا خاسرة سرعان ما تغلق ملفاتها. ويعود العجز عن إثبات التهم في العادة ضد هؤلاء المستوطنين إلى كونهم لا ينتمون إلى منظمة معينة. فهم مجموعات متطرفة وخلايا تتخذ من العنصرية شعاراً لها ينفذون جرائمهم في غاية الحذر والسرية. وسارعت إسرائيل إلى اعتقال المتطرف مائير إيتنغر للاشتباه بتورطه في أنشطة إجرامية. ويقول الصحافي الفرنسي، نيسيم بيهار، إن «هؤلاء المتطرفين لم يكتفوا بإرهاب كل ما هو غير يهودي، بل إنهم صوبوا نيران اتهاماتهم بالخيانة لرئيس إسرائيل ورئيس حكومتها بعد اتخاذهما تدابير غير مسبوقة ضد المجموعات اليهودية المتطرفة». أما الكاتب والروائي الإسرائيلي، ديفيد غروسمان، فيرى أن استشهاد الرضيع الفلسطيني علي دوابشة حرقاً، هو «أحد أعراض مرض إسرائيل». ويقول إن «ذكرى هذا الرضيع، تلاحقني. صورة تلك اليد التي تفتح شباكاً في منتصف الليل لتلقي قنبلة على غرفة ينام فيها والدان مع أطفالهما». ويضيف أن «هذه الصور وهذه الهواجس تدمي القلب»، ويشير إلى أن «انسداد الأفق والتعصب باتا في صلب الواقع الإسرائيلي بعد أن أصبح الحكم رهينة المستوطنين»، ويضيف «هذا الواقع أخطر على مصير إسرائيل من الاتفاق النووي الإيراني».
إسرائيل اعتقلت المتطرف مائير إيتنغر لتورطه في أنشطة إجرامية. رويترز
|
لقد ترك قتلة علي سعد دوابشة، (18 شهراً)، كتابات بالعبرية على جدران منزل عائلته تدعو إلى الثأر جنباً إلى جنب مع نجمة داود. وجاء الحادث بعد يوم من هجوم رجل من المتطرفين اليهود على تظاهرة في القدس، طعن فتاة في الـ16 من العمر، حتى الموت.
ويقول مراقبون إن الموجة الحديثة من التطرف اليهودي تنبع من المستوطنات، التي يسكنها متشددون يعتقدون أنهم ينفذون «أوامر الرب». وفي ذلك يرى الأستاذ في الجامعة العبرية في القدس، شلومو فيشر، أن المتطرفين هم مجموعة مهمشة جداً، تبني عناصرها نمط حياة مضاداً للثقافة السائدة. ويقول «لقد تشبعوا بما درسوه على أيدي الحاخامات المتطرفين الذين يقولون إن الحكومة الإسرائيلية غير صالحة لأنها لا تتبع الأفكار الدينية».
ويضيف أن هذه المجموعات المهمشة تعيش بمعتقد «هذه الأرض لنا وليس لأحد غيرنا»، ويستخدمون الدين لتبرير العنف ضد الآخرين. ويرى المتطرفون اليهود أن المجتمع الإسرائيلي خارج عن التعاليم الدينية، وفقاً للخبير، وأن الحكومة ضعيفة وأعطت تنازلات كبيرة لجهات أجنبية.
وتدخل جريمة الاعتداء على العائلة الفلسطينية في قرية دوما وحرقها ضمن موجة الاعتداءات العنصرية ضد المسلمين والمسيحيين في الضفة الغربية وغيرها. ووفقاً للتقارير الواردة من إسرائيل، فإن أغلب الجرائم التي ترتكب ضد الممتلكات تكون مصحوبة بشعارات عنصرية كرد ضد «الإساءة المزعومة». وعلى سبيل المثال، استهدف متطرفون يهود كنائس كبيرة، في نوفمبر الماضي، بحجة أنهم «لا يقبلون الوثنية على أرض إسرائيل».
لقد كانت تل أبيب مترددة في تسمية الهجمات بأنها أعمال إرهابية، إلا أن وزارة الخارجية الأميركية ضمت هجمات المتشددين اليهود، في تقرير 2014، إلى قائمة الهجمات الإرهابية. وأشار التقرير إلى أن التحقيقات الإسرائيلية في التهم الموجهة إلى «المتطرفين العنيفين» المسؤولين عن الهجمات، لم تنتهِ بملاحقات قضائية في معظم الحالات. وذكرت منظمة «يش دين» الإسرائيلية غير الحكومية، التي تساعد الفلسطينيين، أنه تم تسجيل 1000 شكوى، في مايو، عن أحداث عنف ارتكبها مستوطنون بين عامي 2005 و2014؛ أدين فيها 7% فقط.
ويقول الأستاذ في جامعة «إيموري» في ولاية أتلانتا الأميركية، دون سيمان، إن المتشددين اليهود المسؤولين عن الهجمات عبارة عن مجموعة غير مترابطة وليست منظمة لها هيكل خاص. ويوضح «أنهم يردون على ما يرونه إهانة لهم، إهانة تسببت في أذى لأحد منهم أو ربما يثأرون لمقتل مستوطن أو ضياع أرض منهم». ويضيف سيمان أنه «يرون إهانتهم أمراً غير مقبول تماماً». ووفقاً لسيمان فإن الحاخامات لا يأمرونهم بتدمير ممتلكات الغير أو مهاجمتهم، «ولكن الأمر يتعلق أحياناً بجو تم خلقه هناك، وأن استخدام القوة يتم من أجل تقديس الرب ولا يهم كيف تستخدم هذه القوة». ويرى مراقبون أن المتطرف، مائير كاهانا، (الذي اغتيل في 1990) كان له الفضل في إطلاق موجة الكراهية والعنف ضد الفلسطينيين.
في المقابل، يؤكد مدير معهد الدراسات الإسرائيلية في جامعة تكساس في أوستن، آمي بيدازور، أن «الإرهاب الإسرائيلي طفا على السطح من حين إلى آخر عبر التاريخ»، ويستطرد: «إلا أنه في الآونة الأخيرة بات هناك توجه مزعج نحو الهجمات الوحشية على المدنيين». ويعتقد بيدازور أن وتيرة الإرهاب في إسرائيل تتصاعد، وأن «كل جيل يجب أن يقوم بشيء يسبب صدمة أكبر من أجل جذب الانتباه». ومع ذلك لا يرى الباحث أن المتطرفين اليهود يشكلون خطراً رئيساً. ويقول «بالطبع هذا مروع ولكن في ما يخص الأمن القومي فهم ليسوا خطراً مثل ما كان أسلافهم، إلا إذا قاموا بأشياء أكبر يمكنها أن تصعد الأمور مع الفلسطينيين وبقية العالم».
ويرى محللون أن تأجيج المشاعر المعادية للعرب يمكن أن ينظر إليه على أنه إرث مائير كاهانا، الذي تم حظر حزبه «كاخ» في 1988 بسبب عنصريته وتعارضه مع الديمقراطية، واغتيل كاهانا في نيويورك بعد عامين من حظر الحزب، وكان يقول بأن العرب «كلاب» ولا مكان لهم في إسرائيل. وقال الزعيم المتطرف «أنا لا أريد قتل العرب، ولكن أريدهم فقط أن يعيشوا بسعادة في أماكن أخرى».