روحاني يستغل نجاح «النووي» سياسياً
ظل الرئيس الإيراني، حسن روحاني، مبتسماً لفترة طويلة في التلفزيون الحكومي، عندما كان يتحدث للشعب الإيراني في الثاني من هذا الشهر عن الاتفاق النووي، وهو الظهور الذي وصفه المراقبون بأنه الأكبر في سلسلة من الظهور الممنهج في وسائل الإعلام، والذي تنظمه الحكومة لإكساب الرئيس مزيداً من الشعبية. وأكد روحاني أن «إنجازات اليوم هي أكبر مما كان يتصوره البعض بالأمس القريب، وما حققناه اليوم أكثر مما كنا نظن أننا سنحققه قبل عامين».
كانت الرسالة واضحة للشعب الإيراني: الاتفاق النووي صفقة جيدة، ودعونا نحصل عليه. في إشارة واضحة إلى أنه كسب معركته الداخلية، وأن الأصوات المعارضة تضمحل رويداً. كان ظهور ليلة الأحد مختلفاً كثيراً جداً عن ظهوره في الثالث عشر من يونيو الماضي، خلال مؤتمر صحافي عقده في طهران في هذا الشأن، عندما كانت نتائج المحادثات لاتزال يخيم عليها الشك، ويبدو عليه عدم الثقة بما يحدث، وكان ينظر إلى أحد مستشاريه في كثير من الأحيان، كما لو أنه لا يدري ماذا يقول.
وبمجرد أن أمسك بالاتفاق النووي في يده كان لروحاني أكثر من مبرر، ليكون على ثقة بأن الرياح السياسية تجري كما يشتهي، ويبدو أن مغامرته مع الدبلوماسية النووية قد آتت أكلها لصالحه، واستقرت الأمور في يده بعد أن استقبل الشعب الإيراني الاتفاق يوم 14 يوليو الماضي بالاحتفالات في طهران، والتغني في الشارع باسم وزير الخارجية، جواد ظريف، وليس باسم خامنئي أو روحاني.
وعلى عكس الخطاب الذي ألقاه المرشد الأعلى، علي خامنئي، بعد أربعة أيام من الاتفاق، والذي احتشد فيه عدد ضخم في طهران وهتفوا «الموت لأميركا»، لم يعرب الإيرانيون هذه المرة عن أي سوء نية تجاه الولايات المتحدة في ليلة الرابع عشر من يوليو، بل أعربوا عن امتنانهم لوزير الخارجية الأميركي، جون كيري لإنجاحه الاتفاق. ومن المؤكد أن أي فشل في المحادثات، من ناحية أخرى، كان سينهى الحياة السياسية لروحاني، وإن لم يكن على الفور، فربما في عام 2017، في صناديق الانتخابات.
ويبدو الآن أن نجمَيْ روحاني وظريف في صعود مستمر، فقد استفاد ظريف من الاتفاق، بعد أن ظل منبوذاً لسنوات خلال فترة الرئيس السابق، أحمدي نجاد، ليصبح الآن بطل الساعة. ويبدو أيضاً أن المتشددين يكرهون فكرة أن روحاني استطاع استقطاب حب الجماهير، لأن الاتفاق يضخم أيضاً إخفاقات هؤلاء المتشددين في الماضي. إلا أن خامنئي ينظر إلى الاتفاق بشكل مختلف: «سواء تمت المصادقة على هذا الاتفاق أم لا فإنهم يستحقون مكافأة». يقصد بالتأكيد روحاني وظريف وغيرهما ممن أسهموا في الاتفاق.
الكثير من أنصار روحاني يشجعونه على المضي قدماً بجرأة في الوقت الذي لايزال فيه الاقتصاد يعاني العقوبات، ويظل الرئيس بالنسبة لأفراد الشعب العاديين والنخبة تحت الاختبار، ويريدون منه أن يتفاعل بسرعة في فترة ما بعد الاتفاق لمحو عقد أسود من تاريخ الأمة. ويقول أحد المحللين الايرانيين بشأن الخطوة التالية لروحاني: «همشت حكومة أحمدي نجاد شعبنا، وتأمل الطبقة الوسطى أن يعيدها روحاني مرة أخرى إلى موقعها».
انطلقت معركة سياسية إيرانية أخرى بالفعل، وهي الانتخابات البرلمانية في فبراير المقبل، التحدي الذي يواجه روحاني هذه المرة يتمثل في تسخير زخم الاتفاق النووي ليسمح لحلفائه المعتدلين بإزالة المقربين في عهد أحمدي نجاد من الطريق، الذين عارضوا جهود الإصلاح التي يقودها في العامين الماضيين.