مصريون يطلقون حملة «بلاها لحمة» لمواجهة الأسعار الجنونية قبـل «الأضحى»
تشهد مصر حملة شعبية واسعة للاستغناء عن اللحوم واستبدالها بالطيور والأسماك، ومقاطعة الجزارين، بعد أن وصلت اللحوم إلى أسعار فلكية مقارنة بدخول عموم المواطنين المصريين. وبالرغم من أن الحملة نجحت في إحداث هامش من التراجع الجزئي للأسعار في بعض المناطق، إلا أن مواطنين ومسؤولين وجزارين قالوا إن الأزمة الحالية لن يتم وضع حل لها إلا بتدخل حكومي واضح ضد «مافيا اللحوم» المتنفذة في مصر، أو بتنفيذ مشروعات استراتيجية من نوع «مشروع تربية البتلو» المطروح من التسعينات، مع التوسع في استيراد اللحوم السودانية.
وكانت أسعار اللحوم وصلت إلى 85 جنيهاً مصرياً في المناطق الشعبية و100إلى 120 جنيهاً في الأحياء الراقية، وتواكب ارتفاع أسعارها مع موجة غلاء، وإن كانت لا تقارن ببقية السلع الغذائية.
عرض وطلب قال الجزار علي عطية، المقيم بمنطقة شبرا الخيمة لـ«الإمارات اليوم» إن «أسعار اللحوم عرض وطلب، ولا دخل للجزارين بارتفاع أو انخفاض الأسعار كثيراً، والحكومة لو أرادت خفض الأسعار عليها العودة إلى مشروع البتلو الذي كان موجوداً في مطلع التسعينات، والتوسع في استيراد اللحوم من السودان، ووقف تصدير الماشية إلى خارج مصر». |
وقال مؤسس الحملة في أسوان، محمد جاد، على صفحته على «فيس بوك» إن انطلاق «بلاها لحمة» جاء في أسوان، بعد أن تم رصد ارتفاع أسعار اللحوم أربع مرات متتالية منذ انتهاء شهر رمضان الكريم، لتصل إلى 90 جنيهاً للكيلوغرام، فولدت الحملة على يد مجموعة من الشباب، ودشنوا صفحة خاصة على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» ثم انتشرت وتشعبت منها إلى القاهرة وبقية المحافظات.
وأضاف جاد أن «الحملة تستهدف التصدي لسلوكيات الجشع والطمع والغش التجاري لدى بعض الجزارين، إلى جانب التطرق إلى الأزمات التي تواجه منظومة اللحوم بأكملها والتي تتضمن حلقات متعددة تشمل التاجر الوسيط وصغار المُربين، فضلاً عن أسعار الأعلاف واحتكار عمليات استيراد اللحوم الحية والمذبوحة لمصلحة بعض الشركات ورجال الأعمال، بهدف كشف منظومة الفساد التي تلقي بظلالها السلبية على أسعار اللحوم».
الطريف أن حملة «بلاها لحمة» لدى نشوئها في أسوان، استوفت كامل مستوجبات الهيكل التنظيمي الشبيه بالتنظيم السياسي، حيث عينت الحملة في أسوان ناطقاً رسمياً، وأميناً عاماً، ومنسقاً عاماً، ومسؤولاً للشباب وآخر للمرأة، ومسؤولاً للمجتمع المدني، ومسؤولاً للمصريين بالخارج، ومستشاراً قانونياً.
على صعيد مصر، وفي بيان تأسيسي أعلنه الناطق الرسمي باسم الحملة على مستوى الجمهورية، شريف الصيرفي، في وسائل الإعلام، قالت الحملة: إن «(بلاها لحمة) همها الأول وجوب الانحياز إلى الفقراء. ولأن سلعة اللحمة ليست رفاهية ويجب توافرها للجميع الفقير منهم والغني، قررنا اختيار منتج اللحمة كرمز لوجود طبقة في غاية الفقر، ووصل بهم الحال إلى اتخاذ المقابر مأوى لهم، وأخرى تسكن أرقى الأماكن بما ينذر باتساع الفجوة ما بين الأغنياء والفقراء، وهو ما ينذر بانتشار الجهل والفقر اللذين يتغذى عليهما الإرهاب، لذا قررنا مقاطعة اللحمة إلى حين أن يتمكن جميع المصريين من شرائها».
وأضاف البيان أن الحملة «ترفض محاولات تسييسها، وهي حركة بناءة وليست هدامة تستهدف محاربة الغلاء وليس الجزارين».
وقال عضو الحملة، أحمد منسي: «نعمل من اجل المصلحة العامة ومصلحة الطبقة الفقيرة ومحدودي الدخل، وهي ترفض ما يحدث الآن من محاولة القفز عليها من قبل بعض النصابين والسياسيين الفاشلين».
من ناحيتها، قالت رئيسة جمعية حماية المستهلك، سعاد الديب، لـ«الإمارات اليوم» إن «ميزة هذه الحملة أن الناس تجاوبت معها بوضوح، فهناك حملات أطلقناها من قبل، لكن لم تلقَ دعماً جماهيرياً، وإن هناك تحدياً يقابلنا، إذ إن الإقبال الحقيقي على اللحوم يكون عادة قبيل وفي عيد الأضحى، لكن هذه المرة الناس قللت استهلاكها، وأنا اعتبر أن مجرد اقتناعنا أننا نستطيع أن نوقف المغالاة غير المبررة في الأسعار فإن هذا مكسب كبير لنا، وقد لعب جشع الجزارين دوراً أساسياً في نجاح الحملة، حيث عمدوا في الفترة الأخيرة إلى رفع أسعار اللحوم خمسة جنيهات إضافية كل أسبوع تقريباً، وكان هذا استعداداً منهم إلى توصيلها الى مبلغ معين قبيل عيد الأضحى». وأضافت الديب «على الجانب الآخر نجحت الحملة في تنبيه الدولة إلى خطورة الموقف، خصوصاً على الفئات المحدودة الدخل، وبالتالي عليها أن تطرح كميات إضافية ليتوازن السوق».
ودعت الديب إلى «استراتيجية طويلة المدى لتنمية الثروة الحيوانية بكل أنواعها في مصر لحل الأزمة».
وقالت الديب إن «الدولة المصرية تملك طبقاً لقانون المنافسة ومحاربة الاحتكار آلية التسعير الإجباري كحل أخير مثل ما حصل في الأسمنت مثلاً، وهي من الممكن أن تجري دراسة دقيقة لأسعار كلفة اللحوم، وتضع هامش ربح معقولاً للجزارين وتعلنه، ولا أرى في هذا أي مشكلة، إضافة إلى عرضها، هي كحكومة، لكميات أكبر من اللحوم بأسعار معقولة، بحيث يعمل نوعاً من المنافسة، وتتوسع في المنافذ بشرط مراعاة ظروفها الصحية، وعدم اللجوء إلى فكرة الشوادر التي ثبت تعرضها غالباً للتلوث».
وقال رئيس جمعية «مواطنون ضد الغلاء»، محمود العسقلاني، إن «حملة (بلاها لحمة) لمقاطعة اللحوم، بعد ارتفاع أسعارها بشكل جنوني، المدشنة في عدد من المحافظات بدعم من وسائل الإعلام بدأت تؤتي ثمارها في خفض أسعار اللحوم». وقال العسقلاني إن أسعار اللحوم تراجعت جزئياً بشكل واضح بعد الحملة، وإن في منافذ المشروع القومي لمكافحة الغلاء، الذي تشرف عليه جمعية «مواطنون ضد الغلاء»، يتم طرح اللحوم البلدية من وزارتي الزراعة والتموين والتجارة الداخلية بسعر 55 جنيهاً للكيلوغرام، وعليها إقبال شديد من المواطنين.
على الطرف المقابل، رفض جزارون استطلعت «الإمارات اليوم» آراءهم الاعتراف، سواء بجدوى الحملة، أو بتسبب الجزارين في رفع أسعار اللحوم.
وقال الجزار علي عطية، المقيم بمنطقة شبرا الخيمة لـ«الإمارات اليوم» إن «أسعار اللحوم عرض وطلب، ولا دخل للجزارين بارتفاع أو انخفاض الأسعار كثيراً، والحكومة لو أرادت خفض الأسعار عليها العودة إلى مشروع البتلو الذي كان موجوداً في مطلع التسعينات، والتوسع في استيراد اللحوم من السودان، ووقف تصدير الماشية إلى خارج مصر».
وقال عطية إن «كلفة سعر كيلو اللحم القائم للجزار تصل إلى 60 جنيهاً، فإذا أضفت لها كلفة محل وعمال ومياه وكهرباء وإيجار محل، حسب كل منطقة وظروفها في القاهرة، وضرائب، وغير ذلك، فستقفز الكلفة إلى 70 جنيهاً، وهذا ما لا يعرفه المستهلك».
في الإطار ذاته، قال نائب رئيس شعبة الجزارين، هيثم عبدالباسط، في تعليق له على الحملة في قناة «الحياة»، إنه لا ذنب للجزارين في ارتفاع أسعار اللحوم، لأن 40% فقط من اللحوم بلدي، و60% مستورد. وأكد أن الارتفاع في أسعار الأعلاف يتحملها الجزار، وأن الدولة لا تقدم أي دعم لهم، مشيراً إلى أن القوة الشرائية ضعيفة، مطالباً الدولة بدعم الثروة الحيوانية، واستيراد العجول الحية.