الأمم المتحدة.. إخفاقات أكثر من النجاحات
يتفق الكثير من شعوب العالم على أن الأمم المتحدة استطاعت خلال 70 عاماً أن تحسن الحياة الإنسانية، إلا أنها لاتزال بحاجة إلى إصلاح جذري. وعلى الرغم من انقسام المؤرخين حول الدور الذي تلعبه الأمم المتحدة في حماية البشرية من كوارث نووية، إلا أن هذه المؤسسة الأممية ساعدت منذ تأسيسها في عام 1945 في إنقاذ الملايين من أنواع أخرى من الكوارث، مثل الفقر، ووفيات الأطفال، والأمراض الفتاكة، والمجاعات، والتشرد الذي يتعرض له الإنسان بسبب الحروب.
ولعل أصدق تعبير عن نشاط هذه المنظمة ما عبر عنه الأمين العام الثالث لهذه المنظمة، داغ همرشولد، عندما قال إنها أنشئت لا لترشد البشرية الى الجنة، وإنما لتنقذهم من الجحيم، وليس من الصعب أن نتخيل نوع الجحيم الذي كان يدور في خلد همرشولد في أعقاب الحرب العالمية، وظلال القنبلة الذرية المنتشر في جميع أنحاء العالم.
وبعد بلوغها عامها الـ70 لاتزال الأمم المتحدة تمثل أملاً عظيماً للبشرية، لكنها في الوقت ذاته تمثل وكراً للديكتاتوريات، وتوصف ببيروقراطيتها القاتلة، وتستّرها المؤسسي على الفساد، والسياسات غير الديمقراطية التي تتبناها. وتذهب إلى الحرب باسم السلام، ولكنها تقف موقف المتفرج من الإبادة الجماعية. وأنفقت أكثر من نصف تريليون دولار أميركي في 70 عاماً. واخفقت في حل المشكلة السورية، وفشلت في وقف انتشار فيروس إيبولا.
ويتساءل البعض عما اذا كانت هذه المؤسسة لاتزال مناسبة للدور الذي تطّلع به أم أنها تحتاج الى إصلاح. ويعتقد منسق الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة، ديفيد شيرر، أن الكثيرين يقولون «إنه إن لم يكن لديك أمم متحدة فأنت مضطر لتأسيس واحدة»، لكنه يستدرك «بالطبع فهي تعاني الكثير من النواقص، والجميع يعلم ذلك». تلك النواقص وكيفية معالجتها أشعلت، أخيراً، جدلاً مستفيضاً. ويأتي في الصدارة في هذا الجدل التوترات بين الحكومات الغربية، التي تعتبر الأمم المتحدة جسماً مترهلاً غير كفوء للقيام بمسؤولياته من ناحية، وبين البلدان النامية، التي تعتبر هذه المؤسسة غير ديمقراطية، ويهيمن عليها الأغنياء من ناحية أخرى.
رئيسة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، هيلين كلارك، والمرأة الأكثر نفوذاً في الأمم المتحدة، كانت قد تعاملت مع المنظمة كرئيسة لوزراء نيوزيلندا، وأكدت في ذلك الوقت أنها تقدر مساعدة المنظمة في تصريف المساعدات المقدمة من بلادها عبر الأمم المتحدة، إلا أنها عندما بدأت العمل في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، قبل ست سنوات، اكتشفت أن المنظمة متخلفة كثيراً في مجال الادارة الحديثة، وأن التخطيط الاستراتيجي الحديث أتى متأخراً جداً للمنظمة.
ومن ناحية، يؤكد شيرر قوة هذه المنظمة التي تكمن في احترامها من قبل الدول، وأن «الحكومات تستطيع أن تتجاهل المنظمات غير الحكومية، ولكن لا يمكنها تجاهل الأمم المتحدة، وذلك نظراً لقدراتها اللوجستية الضخمة، مثل عمليات النقل الجوي التابعة لبرنامج الأغذية العالمي».
ويقول الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي- مون، إن منظمته تشهد تغيراً سريعاً، ويعتقد أن «الأمم المتحدة اليوم تختلف اختلافاً كبيراً عن الأمم المتحدة قبل 70 عاماً مضت، ولذلك من المهم جداً أن تتغير الأمم المتحدة، وتكيّف نفسها وفقاً للظروف المتغيرة».
إلا أن آخرين، من بينهم المدير التنفيذي لتقرير الإصلاح، عدنان أمين، الخبير الاقتصادي في التنمية ورئيس مجلس «الرؤساء التنفيذيين» المعني بالتنسيق، الذي يمثل جميع برامج الأمم المتحدة، فضلاً عن منظمات تابعة مثل البنك الدولي، يعتقد أن التغييرات المقترحة في التقرير تشكل «أساساً جيداً»، ولكنها لن تعكس الأثر المرجو»، ويضيف «أعتقد أن هناك تقدماً تدريجياً، ولكن لا يمكننا القول إن هناك تغييراً أساسياً في الطريقة التي تتعاطى بها الأمم المتحدة مع القضايا». ويعتقد أمين أن الأمم المتحدة وضعت المزيد من الأهداف، لكنها فشلت في الاستجابة لتحذير التقارير التي ترى بعدم
التوصل الى نتائج.
ويضيف أمين «ما لدينا الآن هو مزيد من الأهداف والغايات التي هي في الاصل نتاج لتقييم شامل غير عادي لما هو مطلوب منا انجازه، ولكن لا يوجد وضوح بشأن العمليات الخاصة بها، ومن الذي يقوم بذلك؟ ومن الذي سيشرف عليها؟ ومن المسؤول عنها». ويقول إن هناك نحو 1200 مكتب تابع للأمم المتحدة في مختلف الدول حول العالم. وهناك 100 دولة في كل واحدة منها أكثر من 10 مكاتب للأمم المتحدة، وهناك مكاتب قطرية للأمم المتحدة تبلغ ميزانياتها ما بين ثمانية وتسعة ملايين دولار، مع طاقم من خمسة أشخاص، ويذهب نصف هذه الأموال لتغطية النفقات التشغيلية للمكتب، ولا يتبقى سوى قدر ضئيل للبرامج والأنشطة الرئيسة.
وتأتي دعوات إصلاح الأمم المتحدة من جهات مختلفة، وتقاومها بعض وكالات الأمم المتحدة، إلا أن العقبة الكبيرة أمام تلك الإصلاحات تتمثل في الدول الأعضاء نفسها. فاليري آموس، التي أصبحت مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، تقول: «لا أعتقد أن الحكومات تعطي وزناً كافياً لحقيقة أن الأمم المتحدة عبارة عن هيئة تتكون من 193 دولة عضواً، وهناك دول أعضاء تقترح في جدول أعمال الإصلاح وجهات نظر مختلفة جداً. على سبيل المثال، كون أن الأمم المتحدة القائمة عبارة عن كيان مستقر في بلد معين ــ أميركا ــ فإن تلك الدولة لن تسمح بإخراج أي من الموارد من أراضيها في سبيل إصلاح هذا الكيان».