الاتحاد الأوروبي يشدّد الخناق على مهرّبي المهاجرين
بعد قلق وتردّد دامَ أشهراً، يبدو أعضاء الاتحاد الأوروبي قد حصلوا، أخيراً، على دعم أممي لمواجهة أزمة اللاجئين التي باتت تهدد استقراره، وذلك بعد أن أجاز مجلس الأمن الدولي للاتحاد استخدام القوة ضد مهربي المهاجرين. ويستهدف القرار السفن القادمة من ليبيا، والتي يكون على متنها مهاجرون غير شرعيين في طريقهم نحو السواحل الأوروبية. وذلك بموافقة مجلس الأمن على مراقبة السواحل الليبية، التي تعتبر المصدر الرئيس لتهريب المهاجرين القادمين من إفريقيا والشرق الأوسط. وفي هذه الأثناء، عبر مسؤولون أوروبيون عن قلقهم من احتمال ارتفاع وتيرة الهجرة مع زيادة القصف في سورية. وقد دق متحدث باسم الحكومة التركية ناقوس الخطر، موضحاً أن نحو 7000 لاجئ يصلون يومياً إلى تركيا، ما قد يؤدي إلى كارثة إنسانية حقيقية. ويضاف هذا الرقم إلى مئات الآلاف الذين عبروا إلى القارة الأوروبية وينتظرون الموافقة على طلبات اللجوء، منذ بداية العام الجاري.
أخطار كثيرة
دقت العديد من الحكومات ناقوس الخطر بسبب أعداد المهاجرين الهائلة، وقال وزير خارجية بريطانيا، فيليب هاموند، إن أوروبا «لا تستطيع حماية نفسها والحفاظ على مستوى المعيشة والنسيج الاجتماعي فيها إذا كان عليها استيعاب ملايين المهاجرين». وتقول إحدى الدراسات التي أجريت، أخيراً، إن اللاجئين الموجودين في ليبيا يدركون أن بقاءهم فيها ينطوي على أخطار كثيرة، إذ تحولت ليبيا إلى منطقة عبور للآلاف من المهاجرين إلى أوروبا. وتشير منظمات معنية بحقوق اللاجئين في أوروبا إلى أن البلد الوحيد المتبقي للاجئين الراغبين في العبور إلى أوروبا هو ليبيا، بعدما شددت تركيا الرقابة البحرية، وعمدت السلطات البلغارية إلى تسييج حدودها لمنع اللاجئين من العبور براً. وفي هذه الأثناء، شددت الحكومة الليبية على ضرورة الالتزام بالتصدي للمهربين في عرض البحر المتوسط بالقانون الدولي، وفي إطار مبدأ احترام سيادة جميع الدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، لافتة إلى أن ليبيا لا تعترض على نشر قوة بحرية أوروبية في المياه الدولية بالبحر المتوسط لإنقاذ المهاجرين الذين يتم تهريبهم أو استهداف قوارب المهربين عند الضرورة، لكنها حذرت من إساءة استغلال قرار مجلس الأمن الدولي. |
ويقول السفير البريطاني لدى الأمم المتحدة، ماتيو رايكروفت، إن القرار الأممي الأخير «ليس إلا جزءاً من الحل لمشكلة كبيرة للغاية». وقد تمت عرقلة القرار مرات عديدة بسبب معارضة الروس وأعضاء غير دائمين في مجلس الأمن، مثل تشاد ونيجيريا وأنغولا، وذلك بسبب خرق السيادة الوطنية لليبيا. وسيتيح استخدام القوة العسكرية ضد المهربين، الذين يعملون انطلاقاً من ليبيا، مصادرة سفنهم.
وقال مجلس الاتحاد في بيان إن «هذا الانتقال المهم سيسمح للعملية البحرية للاتحاد الأوروبي ضد المهربين في المتوسط اعتراض وتفتيش ومصادرة المراكب التي يشتبه بأنها تستخدم في الاتجار بالبشر في إطار القانون الدولي». وذكرت مصادر أوروبية أن السفن الحربية الأوروبية يمكنها القيام باعتقالات، شرط ألا تدخل المياه الإقليمية الليبية.
وقد تم تجاوز الخلافات في مجلس الأمن، بعد أن تلقى الأخير رسالة من الحكومة الليبية في طبرق، والتي تؤكد دعمها للجهود الدولية في أعالي البحار القريبة من سواحلها.
ويقول محللون إن القرار في حد ذاته ليس ضرورياً لتحرك السفن الحربية في اتجاه السواحل الليبية، ولكنه في المقابل يمثل دعماً سياسياً مهماً لعملية مكافحة تهريب اللاجئين. وستعتمد العملية الأوروبية على قوات خاصة في الوحدات المسلحة البحرية، لاعتراض سفن المهربين في استراتيجية تتبع في العمليات ضد مهربي المخدرات.
ويفترض أن يتم تدمير، في أقرب موقع من الحدود الليبية، المراكب التي يستخدمها المهربون، خصوصاً تلك السفن الكبيرة التي تقوم بإنزال الزوارق الهشة في عرض البحر.
وبإمكان السفن الحربية الفرنسية والإيطالية والألمانية وغيرها، الآن، مصادرة القوارب القادمة من ليبيا، التي تهرب المهاجرين، وبموجب القانون يمكن للقضاء في البلدان الأوروبية ملاحقة مهربي البشر. أما اللاجئون فيتم إنقاذهم ونقلهم بوسائل آمنة إلى السواحل الإيطالية، حيث تقدم لهم الرعاية الصحية، ومن ثم تدرس طلباتهم للجوء إلى أوروبا.
ويأتي ذلك في الوقت الذي يدعم فيه الاتحاد الأوروبي مشروع الوحدة في ليبيا وإنهاء الصراع هناك.
ويأمل مسؤولون في باريس ولندن وبرلين أن يتم التوصل إلى اتفاق قريب بين الفرقاء الليبيين، لأن ذلك سيدعم الجهود في محاربة ظاهرة التهريب. وقد استغل المهربون غياب سلطة مركزية وحكم القانون في ليبيا للاتجار في البشر. إلى ذلك، وعدت المجموعة الأوروبية بدعم مالي يقدر بنحو 100 مليون يورو للحكومة الجديدة في ليبيا.
ويبدو أعضاء الاتحاد منقسمين إزاء أزمة اللاجئين، وفي ذلك تقول وزيرة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فيديركا موغيرني، إن الانقسامات الراهنة بين الدول الأوروبية بشأن طريقة التعامل مع أزمة اللاجئين تضعف صدقية الاتحاد بشكل كبير. وتضيف المسؤولة، قائلة إن الانقسامات الداخلية تضعف أيضاً صدقية الكيان الأوروبي تجاه بقية العالم. كما حذرت موغيرني من أن الاتحاد الأوروبي سيخسر نفوذاً مهماً اذا لم يتمكن من تحمل مسؤولياته بشكل جماعي.
يذكر أن دول الاتحاد وافقت بغالبية ساحقة على توزيع 120 ألف لاجئ على البلدان الأعضاء؛ وذلك بالرغم من معارضة بعض دول شرق القارة للحصص التي اقترحتها بروكسل، والتي ترى فيه أكبر من طاقتها.
في غضون ذلك، يسعى المسؤولون الأوروبيون لتفعيل مبادرات بديلة من أجل التقليل من أعداد المهاجرين. وفي هذا السياق يدرس مبعوثون من الاتحاد الأوروبي مع نظرائهم الأتراك سبل التحكم في تدفق اللاجئين من سورية، من خلال دعم أنقرة بالوسائل الضرورية للتعامل مع تزايد أعداد النازحين. ويعمل الأوروبيون على ألا يُقدم اللاجئون الموجودون حالياً على الأراضي التركية (نحو 2.2 مليون شخص) على الهجرة إلى أوروبا. كما ينتظر كل من الأردن ولبنان المساعدات التي وعد بها الأوروبيون، أخيراً، لمساعدة البلدين في التعامل مع العدد الكبير من المهاجرين.
من جهة أخرى، يستخدم الاتحاد الأوروبي سياسة العصا والجزرة، من خلال محاولة إقناع العواصم الإفريقية المعنية بضرورة منع مواطنيها من عبور البحر المتوسط بطريقة غير شرعية مقابل مزايا اقتصادية. ومن المتوقع أن تعقد اجتماعات، الشهر المقبل، في مالطا بين الأطراف المعنية لدراسة سبل التعاون لمنع المزيد من المغادرين إلى أوروبا.
ويأتي ذلك بالتزامن مع جهود المسؤولين لحث دول البلقان على فعل المزيد لوقف تدفق اللاجئين في اتجاه غرب وشمال أوروبا. كما طالبوا هذه البلدان بالمزيد من المراقبة لحدودها لمنع تسلل المهاجرين، في الوقت الذي تكثف فيه القوات البحرية الأوروبية دورياتها بالقرب من السواحل اليونانية والأوروبية، التي تعتبر الخطوط الأمامية لمواجهة تدفق المهاجرين.
وتطالب أحزاب يمينية ويسارية في أوروبا بضرورة تبنّي سياسة واضحة تجاه المهاجرين، إذ تقول اللجنة المختصة بالهجرة في بروكسل إنه من بين 400 ألف أمر ترحيل يصدر سنوياً في الاتحاد الأوروبي، يتم تنفيذ 160 ألفاً فقط. في حين أوكل الاتحاد مهمة إعادة المهاجرين المرفوضة طلباتهم، إلى بلدانهم، لمنظمة «فرونتاكس» التي تسهر على سرعة تنفيذ أوامر الترحيل.