التنظيم المتطرف نجح في زرع المزيد من الخوف وعدم الثقة في أوروبا. غيتي

هجمات باريس تستدعي تعاوناً أوروبياً لمكافحة الإرهاب

وضعت الهجمات المروعة، التي وقعت الجمعة الماضية في باريس، فرنسا وأوروبا في موقف صعب، في وقت يتساءل فيه الأوروبيون عن التهديدات التي تشكلها التنظيمات الإرهابية على بلدانهم، وكيفية التعامل معها.

حتى وقت قريب، تركزت استراتيجية تنظيم «داعش» على تعزيز تواجده في المناطق التي يسيطر عليها في الشام والعراق، بينما يشجع مؤيدوه على القيام بعمليات منفردة عندما تكون الظروف مواتية. وبعمله الأخير، تبين ان طريقة تفكير «داعش» اختلفت عن تنظيم «القاعدة» الذي كان يركز على «العدو البعيد» والمتمثل في الولايات المتحدة. إلا أن الهجمات الدامية في باريس، والتي تلت اعتداءات مماثلة في بيروت، وإسقاط طائرة روسية في سيناء والتفجيرات التي وقعت في تركيا، تدل على أن التنظيم بات لديه تركيز على نطاق دولي.

• تعتبر مسألة اللاجئين من أهم النقاط الخلافية بين أعضاء الاتحاد الأوروبي. فقد رفضت بولندا استقبال حصتها من المهاجرين بعد أنباء عن جواز سفر سوري عثر عليه بالقرب من أحد المهاجمين في باريس. ويقول الحزب اليميني الحاكم في بولندا إن السماح بدخول المهاجرين يعني استقبال إرهابيين محتملين في البلاد.

تثير الاعتداءات الأخيرة في باريس تساؤلات مهمة، من بينها: كيف ستتجاوب فرنسا وأوروبا مع هجمات محتملة في المستقبل؟

في فرنسا تتعالى أصوات تطالب بضرورة إدخال إصلاحات على أجهزة الاستخبارات التي تبدو أنها «مغلوبة على أمرها» بسبب العدد الكبير من المشتبه فيهم. وتقول مصادر مطلعة، إن أجهزة الأمن تراقب منذ فترة نحو 4000 شخص يعتقد أن لديهم توجهات متطرفة. وبغض النظر عن الحاجة الماسة للتعامل مع المخاوف الأمنية في فرنسا، هناك تحديات عميقة تواجه طريقة التعامل مع حالة التذمر والتهميش، التي تعانيها الجاليات المسلمة في فرنسا وأوروبا. إذ يستغل التنظيم المتطرف بنشاط «خطابات التمييز والكراهية وعدم الثقة». وهجمات باريس تهدف، على الأقل جزئياً، إلى تعميق الهوة وعدم الثقة بين المسلمين وبقية السكان؛ حتى وإن كانت الغالبية العظمى من مسلمي أوروبا لا علاقة لهم بالتنظيم وتأويلاته العنيفة للدين.

لقد بات الأمر يستدعي تنسيقاً أكبر بين البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، في ما يخص الأمن ومكافحة الإرهاب. صحيح لقد اعترف القادة الأوروبيون، مرات عدة، بتهديد الإرهاب لأوروبا وقيمها؛ لكن بمنظور الأمن الوطني وليس الأوروبي. وفي حين أدخلت العديد من الإصلاحات على البنية الأوروبية لمكافحة الإرهاب في السنوات الأخيرة، تصر الحكومات على أن الأمن من مسؤولياتها؛ الأمر الذي يعيق تطوير منظومة أمنية مشتركة.

وفي أعقاب الهجوم على صحيفة «شارلي ابدو» في يناير، قامت الأجهزة الأمنية في عواصم أوروبية عدة بعمليات أمنية تستهدف الخلايا الإرهابية؛ إلا أن المسؤولين هناك أكدوا حينها، أن لا علاقة للعمليات بما جرى في باريس. وتعتبر مسألة اللاجئين من أهم النقاط الخلافية بين أعضاء الاتحاد الأوروبي. فقد رفضت بولندا استقبال حصتها من المهاجرين، بعد تردد أنباء عن جواز سفر سوري، عثر عليه بالقرب من أحد المهاجمين في باريس. ويقول الحزب اليميني الحاكم في بولندا، إن السماح بدخول المهاجرين يعني استقبال إرهابيين محتملين في البلاد. ويبدو ذلك محاولة من التنظيم، لزرع المزيد من الخوف وعدم الثقة في أوروبا، وقد نجح في ذلك.

ومع ذلك، فإن الواقع هو أن تنظيم داعش جاء نتيجة تدهور الحياة السياسية في الشرق الأوسط. وهجمات يوم الجمعة تعمق المخاوف، أيضاً، بشأن كيفية التعامل معه في عقر داره. القصف الجوي لوحده لا يكفي لطرد مقاتلي التنظيم من الأراضي التي استولوا عليها، و«سنجار» مثال على ذلك. فالتدخل البري من قبل الأكراد واليزيديين هو الذي حسم الأمر، وليس الضربات الجوية.

ومن ثم يتساءل مراقبون عن حجم الجهود التي يجب بذلها لتحرير المزيد من الأراضي، لأن الأكراد لا يستطيعون القيام بالكثير. هناك 61 دولة مشاركة في التحالف ضد تنظيم داعش، لكن لدى أغلب المنضمين للتحالف فهم مختلف للتهديدات التي يشكلها التنظيم، وكذا البديل الذي يتعين أن يحل مكانه.

وفي حال تم دحر تنظيم داعش في سورية والعراق؛ ماذا يتعين على العالم أن يفعل في البلد الأول، حيث يقتل بشار الأسد شعبه دون هوادة، منذ سنوات، وفي البلد الثاني، حيث استفحلت الطائفية منذ الغزو الأميركي في 2003.

فنسان دوراك - محلل وأستاذ في كلية العلاقات السياسية والدولية في دبلن

الأكثر مشاركة