التونسيون اختاروا الاحتكام إلى صندوق الانتخاب
منذ خمس سنوات، اجتاح ما عرف بـ«الربيع العربي» عواصم عربية عدة، بدءاً من تونس، ثم القاهرة وطرابلس، ودمشق وصنعاء. وحدثت تغييرات جذرية في بلدان عربية، وانتشرت الفوضى في أماكن كثيرة. ومنذ تلك الأيام المثيرة ، شاهدنا سورية واليمن ينحدران إلى الحرب الأهلية الدامية، وشاهدنا الأنظمة الاستبدادية، تتهاوى؛ فقط ليحل محلها حالة من عدم الاستقرار والتنافس على السلطة.
• إذا تفاقم العنف واستفحل الركود الاقتصادي، فإن الحكومة لن تكون قادرة على توفير الاستقرار والفرص الاقتصادية لمواطنيها، الأمر الذي يهدد ديمقراطيتها بالانهيار. ومثل هذه النتيجة من شأنها أن تشوه سمعة الولايات المتحدة، التي التزمت بدعم الديمقراطية، ليس فقط في تونس بل في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. |
وعلى الرغم من خيبات الأمل المتتالية، التي أعقبت «الربيع العربي»، تصر تونس على المضي قدماً لتعزيز مبادئ الديمقراطية والشرعية، لقد قام هذا البلد بتجربة ناجحة في ما يخص الحريات وسيادة القانون. وفي الوقت الذي يدرس فيه الكونغرس الأميركي الميزانية السنوية المخصصة لدعم الاستقرار والسلام في العالم، يجب ألا نغفل التقدم الكبير والجهود الكبيرة التي يبذلها التونسيون منذ سنوات. فعوضاً عن الوقوع في فخ العنف، عقب الإطاحة بنظام الرئيس زين العابدين بن علي، اختار التونسيون الاحتكام إلى سلطة صندوق الانتخاب.
ووافق أعضاء الكونغرس من الديمقراطيين والجمهوريين على مساعدات للديمقراطيات الناشئة، الأمر الذي يعتبر فرصة لدعم الانتقال الديمقراطي الصعب في تونس، لأن الأخيرة بحاجة ماسة إلى دفعة اقتصادية ومالية لتخطي العقبات الكثيرة التي تقف في طريقها. وفي حين يحتاج هذا البلد إلى نحو 130 مليون دولار مساعدة عاجلة، لم تحصل تونس سوى على ثلثي المبلغ. وقد أشارت لجنة خبراء ومجموعة من النواب في الكونغرس، إلى أن الأميركيين لم يلتزموا بتعهداتهم حيال تونس، خلال السنوات الماضية.
في هذه الظروف الخطيرة والصعبة وغير المستقرة، التي تشهدها منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، لا ينبغي لنا أن نبدد أي فرصة لتعزيز أسس هذه الديمقراطية الوليدة، التي تحتاج إلى دعم للحفاظ عليها وتطورها. وتسمح المساعدات الأميركية لتونس بمواصلة تقديم قدر أكبر من الأمن لشعبها، في الوقت الذي تقوم فيه مؤسسات الدولة بعملها في ظل تهديدات أمنية واجتماعية محدقة. ويواجه الشعب التونسي تحديات عدة لترسيخ ديمقراطيته، ويتعين على قادته تنفيذ إصلاحات كبرى، قد تكون صعبة سياسياً واقتصادياً، من أجل مكافحة ارتفاع معدلات التضخم والبطالة، التي تفشت على نطاق واسع، خصوصاً بين الشباب. كما يجب البدء في معالجة التهديدات الأمنية التي تمثلها المجموعات المتطرفة التي تنشط داخل حدودها وفي ليبيا المجاورة. زرت تونس في أبريل الماضي، بعد أسابيع قليلة من الهجوم الإرهابي على متحف باردو في العاصمة التونسية، وأعقب هذه المأساة هجوم آخر على منتجع سياحي في سوسة، خلال يوليو، أسفر عن مقتل 38 شخصاً. هذه الهجمات لا تهدد فقط قطاع السياحة، الذي يعتمد عليه الاقتصاد التونسي، لكن أيضاً تشكل تهديداً خطيراً لاستقرار الشعب التونسي.
إذا تفاقم العنف واستفحل الركود الاقتصادي، فإن الحكومة لن تكون قادرة على توفير الاستقرار والفرص الاقتصادية لمواطنيها، الأمر الذي يهدد ديمقراطيتها بالانهيار. ومثل هذه النتيجة من شأنها أن تشوه سمعة الولايات المتحدة التي التزمت بدعم الديمقراطية، ليس فقط في تونس، بل في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. كما أن ذلك من شأنه أن يبعث برسالة خاطئة إلى الشعب التونسي، الذي انتفض لدعم الديمقراطية والشفافية والمساءلة.
في الولايات المتحدة، نؤمن بقوة بدور المؤسسات الديمقراطية، وبأهمية الحرية والفرص الاقتصادية، وقدسية حقوق الإنسان. لذلك فإنه من مصلحة أميركا أن نرى الديمقراطية التعددية، والاقتصاد النابض بالحياة يتطور في تونس. دورنا القيادي في الشؤون العالمية يتطلب أن تكون أعمالنا مثل أقوالنا، لذلك يجب علينا أن نمول بالكامل مشروعات حيوية لمساعدة وتعزيز انتقال تونس إلى الديمقراطية والاستقرار والازدهار. وحققت تونس تقدماً غير عادي، وثبتت صحة المثل التونسي القديم «الجماهير أقوى من الملك». لقد تأسست أميركا على المبدأ نفسه. والآن الأمر متروك لنا، لإظهار أن هذا المبدأ لايزال صحيحاً.
سيناتور ديمقراطي عن ولاية ديلاوير الأميركية وعضو لجنة العلاقات الخارجية