مصفاة نفط جنوب العاصمة طهران. أرشيفية

أسعــار النفـط المتدنية لن تســـاعد الاقتصاد الإيراني على النهــوض مـن جــديد

أصدرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريرها في 16 يناير، مؤكدة أن إيران قد أوفت بالتزاماتها في الاتفاق النووي الذي توصلت اليه مع القوى الدولية في يوليو، ومع الإعلان ينفتح الاقتصاد الإيراني من جديد على المجتمع الدولي، وتنتهي معظم العقوبات التي فرضها عليها الاتحاد الأوروبي، والعديد من العقوبات الأميركية المهمة. ووفقاً للأطر القانونية القائمة بالفعل، أعلن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة رسمياً إلغاء العقوبات الخاصة بها بعد فترة وجيزة من صدور التقرير.

وسيكون قطاع النفط الإيراني هو المستفيد الأول من الاتفاق الذي سيزيل معظم العقوبات التي تحد من سقف حجم صادراته، ويعمل الاتحاد الأوروبي بالفعل على إزالة الحظر عن واردات النفط الخام الإيراني، وأوقفت الولايات المتحدة ما يسمى بالعقوبات الثانوية على الشركات الأجنبية التي تعمل في إيران، وهذا يعني أن واشنطن لن تعاقب أي شركة أجنبية تستورد النفط الإيراني، أو تستثمر في القطاع النفطي، ولكن حتى الآن ظل الحصار الأميركي على حاله إلى حد كبير، وفي حين أن الصناعات الإيرانية الأخرى ستشهد فوائد جراء الاتفاق، فإن ذلك يعود معظمه إلى التجارة والاستثمار مع أوروبا،إلا أن هناك تساؤلات عدة حول ما إذا كان الاقتصاد الايراني يستطيع النهوض من جديد، كما كان عليه الأمر من قبل، وتصر الحكومة على أن لديها القدرة على الوصول إلى أهدافها، ولكن لم يتضح بعد ما اذا كانت طهران تستطيع أن تضخ الكثير من النفط في السوق بسرعة، وتشير التجارب الإنتاجية السنوية للنفط الإيراني إلى أن البلاد لا تستطيع أن تزيد إنتاجها إلى 500 ألف برميل يومياً بشكل سريع نسبياً، وفقاً لمصادر نفطية.

انعدام ثقة

لايزال روحاني يواجه معارضة داخلية شرسة من المتشددين، الذين يعتقدون أنه قدم للغرب أكثر مما أخذ، ويخشون أن تتعرض البلاد جراء انفتاحها مع الغرب إلى تأثير «الثقافة الغربية المنحرفة». ويقول الخبير في شؤون الشرق الأوسط بكلية لندن للاقتصاديات، فواز جرجس «إن كلا الجانبين ـ إيران والغرب - يرغبان في فتح فصل جديد من العلاقات، وهذا لا يعني انتهاء عدم الثقة أو نهاية المصالح المتباينة في الإقليم». ويقول روحاني إنه حتى مع التوصل الى اتفاق مع الغرب فمن الصعب أن يثق الإيرانيون بالولايات المتحدة. ويضيف «عانى شعبنا العديد من نقض العهود».

ولا تستطيع إيران ضخ هذه الكميات من النفط مثلما كانت تفعل من قبل، لأن معظم القدرة الانتاجية للبلاد تتركز في الحقول القديمة، التي ينخفض فيها الإنتاج بنسبة تراوح بين 8 و10% سنوياً. وحتى لو تم إغلاق هذه الحقول من أجل رفع ضغط المخزون في الحقول الأخرى، فإن ذلك لا يمكنه أن يعجل من العملية التي يتم بها استخراج النفط، وذلك لأن إيران ببساطة لا تستطيع زيادة إنتاجها دون استثمار جديد في الحقول القائمة أو أخرى جديدة، ولن يتحقق ذلك إلا بعد سنوات عدة. وفي الوقت الراهن لا تستطيع إيران إلا بيع ما لديها من مخزون يراوح بين سبعة ملايين و50 مليون برميل من النفط الخام والمكثفات، حسب بعض التقديرات. وتعتقد مصادر أن إيران لديها 25 مليون برميل على الأقل في مستودعات تخزين عائمة في مضيق هرمز، فإذا كان لدى إيران 50 مليون برميل في المستودعات، فإن هذا وحده لا يمكن أن يزيد الصادرات بنسبة 500 ألف برميل يومياً لأكثر من ثلاثة أشهر.

ويتوقع أن تذهب صادرات النفط إلى الأسواق التقليدية، وتصدير ما بين 200 و220 ألف برميل يومياً للعملاء في فرنسا، والمملكة المتحدة، وإيطاليا، وإسبانيا وألمانيا، وفقاً لشركة ناقلات النفط الوطنية الإيرانية، وتعتزم إيران أيضاً زيادة صادراتها من النفط إلى الهند، وهي مستهلك ضخم للطاقة، من خلال تصدير 200 ألف برميل يومياً.

وفي حين أن عودة إيران إلى السوق النفطية تبشر بالخير لاقتصادها، إلا أن سوء طالعها يتمثل في تراجع أسعار النفط في السوق العالمي، بعد انخفاض البرميل في نهاية عام 2015 إلى 36.61 دولاراً، بينما مس برنت حدود 29 دولاراً للبرميل في 15 يناير الجاري بانخفاض 20% في أسبوعين فقط. الأسعار الحالية ساعدت على عودة إيران إلى السوق النفطية، ولكن من المتوقع أن تنخفض الأسعار لتصل إلى 20 دولاراً للبرميل، الذي من شأنه أن يضر للغاية بالمنتجين للنفط مثل فنزويلا وروسيا. من جانبها، فشلت «أوبك» في التوصل إلى توافق في اجتماعها في ديسمبر حول كيفية تقليص الإنتاج لتحقيق استقرار الأسعار. والآن بعد أن انخفضت الأسعار الى أقل من 30% مما كانت عليه عندما انعقد الاجتماع، فإن اثنين من أعضاء أوبك، أحدهما هو على الأرجح فنزويلا، يدعوان لعقد اجتماع طارئ في وقت ما قبل يونيو.

إلا أن أي اجتماع طارئ من غير المرجح أن يغير من سياسة الأعضاء الأساسيين في أوبك: المملكة السعودية والكويت وقطر والإمارات، حيث شكلت هذه الدول الأربع سياسة مشتركة في إدارة الإنتاج، وأبدت استعدادها لتحمل فترة طويلة من النفط الرخيص. وعلى مدى الأسبوعين الماضيين، رفعت السعودية وقطر سعر الوقود المحلي؛ وفعلت دولة الإمارات ذلك حتى عام 2015. وقللت كل من الدول الأربع إنفاقها العام، ويمكنها السحب من أموال صناديقها الاستثمارية السيادية واحتياطيات العملة الأجنبية الهائلة التي تحتفظ بها. وعلاوة على ذلك، فإنه يمكنها إصدار ديون من أجل سد الثغرات في ميزانياتها، حتى إنها ناقشت تنفيذ مزيد من الإصلاحات الاقتصادية. ومن المتوقع أن تطرح السعودية، على سبيل المثال، اكتتابات عامة أولية لشراء حصص في وحدات معينة من شركة «أرامكو»، أكبر شركة نفط في العالم.

أكثر البيانات صراحة هو الذي أدلى به وزير الطاقة الإماراتي، سهيل محمد المزروعي، الذي أكد في 12 يناير على أن الاستراتيجية الحالية لأوبك ناجعة، لكنها تحتاج وقتاً لكي تؤتي ثمارها، وقد يستغرق الأمر بين عام وعام ونصف.

وفي الوقت الذي يعد فيه تخفيف العقوبات عاملاً مهماً يصب في مصلحة الاقتصاد الإيراني، فإن هذا العامل جاء متأخراً بالنسبة للرئيس الإيراني حسن روحاني، وأنصاره، حيث تستعد البلاد في فبراير لانتخاب برلمان وطني جديد ومجلس خبراء، والذي يستطيع بالتالي اختيار أو رفض المرشد الأعلى. وينتقد المتشددون بشدة النهج الأكثر انفتاحاً، والذي يتبناه روحاني عن طريق تقليلهم من أهمية الاتفاق النووي. ومع رفع العقوبات، قد يستطيع أنصار روحاني الاستفادة من الزخم في استطلاعات الانتخابات. وإذ إن الانتخابات الرئاسية ستجرى في مطلع عام 2017، فإن أسعار النفط المنخفضة في الوقت الحالي تمثل تحدياً صعباً لروحاني، إذ إن حملته الانتخابية في الأصل تعتمد على دعاية تحسين علاقات إيران مع الغرب، من أجل تحسين الاقتصاد الإيراني، المثقل من قبل بالعقوبات، ومع أسعار النفط المنخفضة جداً، سيجد روحاني صعوبة كبيرة في إقناع ناخبيه خلال الحملات الانتخابية، بأن العقوبات تعمل فعلاً على تحسين حياة المواطنين. وحتى لو استطاعت إيران بالفعل تحقيق أهدافها المتمثلة في زيادة إنتاج النفط بنسبة مليون برميل يومياً، فإن روحاني بحاجة لكي تصل أسعار النفط إلى ما لا يقل عن 60 دولاراً للبرميل، وخلاف ذلك فإن عائدات النفط ستكون أقل مما كان عليه الحال عندما تم انتخابه للمرة الأولى.

الأكثر مشاركة