عسكرة الإعلام في سورية
طغت أخبار الأحداث في سورية على التغطية الإعلامية في كل أنحاء العالم، وأصبحت أطراف النزاع تستخدم وسائل الإعلام لخدمة أهدافها السياسية والعسكرية. وفي غياب الحرية والنزاهة في هذا المجال منذ عقود، باتت الصحف والمواقع والقنوات السورية مصادر غير موثوقة للأخبار. ومنذ اليوم الأول للأحداث، تبنى الإعلام الرسمي والخاص موقف السلطة السياسي، ووجهة نظرها، وتحول إلى طرف في النزاع.
ومنذ سنوات قليلة اختار نشطاء من مختلف أنحاء البلاد حمل الكاميرات لنقل ما يحدث في سورية للعالم، إلا أن رد فعل السلطات كان عنيفاً وواجهوا الإعلاميين المستقلين بقوة مفرطة، وبعدها جاء دور الجماعات المسلحة التي انتشرت في أرجاء البلد، لتفرض الرقابة على الصحافيين. ومع كل ذلك، واصل هؤلاء إرسال التقارير متحدين قسوة أطراف الصراع، ومصدومين من لامبالاة المجتمع الدولي.
ونظراً للأوضاع الأمنية الخطيرة، توقف الصحافيون الأجانب عن الذهاب إلى سورية، فيما اضطر عشرات المحليين الى الهروب إلى خارج البلاد. أما الذين بقوا في بلادهم فقد انضم عدد منهم إلى المجموعات المسلحة، أو باتوا يعتمدون على تلك الفصائل بشكل كامل، حفاظاً على سلامتهم. وعلى مدى خمس سنوات، فرضت أطراف النزاع رقابة مشددة على الصحافة، وباتت الأخيرة وسيلة لخدمة أهداف هذه الأطراف. ويأتي ذلك في وقت بات عدد المستقلين قليلاً جداً، بحيث يصعب التواصل معهم للتأكد من صدقية المعلومات الواردة من سورية.
وقد يلتمس البعض العذر لمن يمارس العمل الصحافي وهو مسلح أو تابع مباشرة لإحدى الفصائل المسلحة، إلا أن هذا النوع من العمل لا يمكن ممارسته تحت سطوة السلاح. وقد تناقلت وسائل التواصل مقاطع فيديو لصحافيين يحملون بنادق، إلا أنه يصعب التأكد من صدقية هذه المقاطع.
الأسباب التي تقف وراء عسكرة الإعلام في سورية معقدة ومتشابكة، إلا أن الرقابة المشددة والتعذيب الممنهج للصحافيين، كان الدافع الرئيس وراء هذه الظاهرة، فقد قتل منذ اندلاع الثورة نحو 100 صحافي أثناء تغطيتهم للأحداث، فيما تعرض العديد منهم للتعذيب والتنكيل على أيدي جنود النظام، وعناصر المجموعات المسلحة.
من المعروف أن ممارسة مهنة الصحافة في زمن الحروب مسألة شاقة وخطرة، إلا أن ما يحدث في سورية قد تجاوز حدود المعقول.