الفساد واحتكار السلطة وراء الأزمة في كردستان العراق
كان ينظر إليه باعتباره قصة نجاح فريدة في منطقة منهوبة، يحيط بها اليأس والموت والألم من كل مكان. إنه إقليم كردستان في العراق. هذا هو المكان الذي بدت فيه الرأسمالية العالمية منتصرة من خلال «استثمارات ضخمة»، في حين كان الغرب يضمن الأمن والسلام في الإقليم، الذي ظل لسنوات قبلة الشركات التركية، التي ذهبت إلى بناء وتمويل مشروعات لا تعد ولا تحصى، في حين أن الناقلات البرية وأنابيب النفط تنقل الطاقة نحو الغرب. كان مطار أربيل الدولي يعج برجال الأعمال الأوروبيين، والجنود والخبراء الأمنيين، وخبراء التنمية التابعين للأمم المتحدة. وكانت «لوفتهانزا» والخطوط الجوية النمساوية، وشركات طيران رئيسة أخرى، منشغلة بإطلاق رحلات جديدة إلى هذا المحور الجديد في الشرق الأوسط.
في غضون ذلك، ظلت حكومة إقليم كردستان تشتبك باستمرار مع بغداد، بسبب مصادر النفط وصلاحيات الحكم الذاتي، والعديد من القضايا الشائكة الأخرى. واستمرت الحال على ما هي عليه، إلى أن بدأ تباطؤ الاقتصاد وهبوط المؤشرات الاجتماعية بشكل حاد.
• أزمة الإقليم مرتبطة بشكل وثيق بنظامه الإداري، مع أنها أيضاً جزء من أزمة سياسية واقتصادية يعانيها العراق ككل. |
في هذا السياق، يرى مراقبون أن أزمة الإقليم مرتبطة بشكل وثيق بنظامه الإداري، مع أنها أيضاً جزء من أزمة سياسية واقتصادية يعانيها العراق ككل. علماً بأن الحزب الديمقراطي الكردستاني، بزعامة مسعود برزاني، الذي يترأس الإقليم أيضاً، يقود الإقليم منذ استقلاله الضمني عن بغداد، قبل نحو 25 عاماً. ويتولى الحزب هذه المهمة بالتعاون مع حليفه الاتحاد الوطني الكردستاني، بزعامة الرئيس العراقي السابق جلال طالباني. ونجم عن ذلك احتكار لإدارة الإقليم سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية، إذ لا يوجد شركاء آخرون أو منافسون.
ونظراً للفساد المالي والإداري المستشري على نطاق واسع في الإقليم، تراجعت فرص تنمية الموارد المحلية بشكل كبير. وتساءل بعض النواب في الإقليم عن مصير إيرادات الإقليم من مبيعات النفط، وتحويلات الحكومة المركزية والرسوم الجمركية. وتقدر هذه الإيرادات بنحو 200 مليار دولار خلال العقد الماضي.
من جهته، يعتقد الخبير في الشؤون السياسية، راويز هالكوت، أن وضع الإقليم لا يسمح حالياً باستقلاله، مع أن الدولة المستقلة حلم كل كردي، وفق تعبيره. في المقابل، يرى آخرون أن إقليم كردستان العراق لديه ثروات زراعية وسياحية تؤهله ليصبح دولة مستقلة مستقبلاً؛ لكن المشكلة تكمن في إدارة هذه الموارد بالطريقة الصحيحة، مع المحافظة على علاقات جيدة مع بغداد ودول الجوار، لاسيما تركيا وإيران.
يبدو أن الخلاف مع بغداد وتراجع الموارد المالية في الإقليم، ليسا المسألتين الوحيدتين اللتين أدتا إلى الوصول الى الوضع الراهن. فالسياسة الاجتماعية التي انتهجها الحزب الحاكم وحليفه، لم تكن متوازنة في حين ظل الرخاء الاجتماعي آخر اهتمامات السلطات المحلية. وتقول الخبيرة الأممية في مجال التعليم، إيستر زوكس، «بالتأكيد، لا يعتبر كردستان العراق كياناً اجتماعياً متناسقاً، فالناس هنا ليسوا سعداء بهذا الوضع»، مضيفة «الموارد الطبيعية مملوكة للقطاع الخاص، والخدمات الاجتماعية في الغالب مكلفة للغاية، يسافر المقتدرون إلى تركيا للعلاج. المنطقة الكردية مكان معقد جداً». وتضيف الخبيرة في أربيل، أن الاستثمارات تعود على أصحاب الشركات بالفائدة لكنها تستثني المواطنين البسطاء.
ويضطر الفقراء في الإقليم للبحث في النفايات بحثاً عن الطعام، في القرى القريبة لمصافي النفط التابعة لشركة النفط الكردية. وفي بداية فبراير نزل الأكراد الغاضبون إلى شوارع السليمانية، وحلبجة، وشمشمل، للاحتجاج بسبب تردي الوضعين الاجتماعي والاقتصادي. وأدرك العالم حينها أن قصة نجاح الإقليم، لم تكن سوى وهم لم يستمر طويلاً.
ويرجع مواطنون في الإقليم سبب الأزمة الحالية إلى تراجع أسعار النفط، وتوقف الحكومة في بغداد عن إرسال الأموال. يذكر أن كثيراً من الموظفين لم يتلقوا رواتبهم منذ فترة، وكذلك مقاتلو البشمركة لم يستثنوا من هذه المشكلة. وعبر سكان في المدن الكردية عن مخاوفهم من انهيار الإقليم في شرق أوسط مضطرب، لا يشجع على الهجرة.