الاتفاق الأوروبي - التركي غير شرعي ويناقض القيم الأوروبية
يبدو أن قادتنا الأوروبيين المنقسمين في كل شيء بصورة متزايدة ويائسة يفشلون الآن في تقديم أي رد فعال وجماعي لأزمة اللاجئين المتصاعدة. وبدلاً من ابتكار استراتيجية لحماية هؤلاء الفارين من بربرية النظام السوري وتنظيم «داعش» وقصف الطيران الروسي، يقوم القادة الأوروبيون المتوجسون من اللاجئين باستنباط نظام «لوقف تدفقهم»، وبعبارة أخرى لإعادة اللاجئين اليائسين إلى بحر ايجة.
وخلال القمة الاوروبية التركية يوم الاثنين الماضي، قدم رئيس الحكومة التركي أحمد داوود أوغلو للقادة الاوروبيين حلاً وهمياً سريعاً، إذ سيقدمون في المقابل عدداً من التنازلات. ويتمثل المبدأ الأساسي في الاتفاق بين الطرفين المعروف بـ«قبول أحدهم عند خروج آخر»، في أن كل مهاجر اقتصادي أو سوري تم تهريبه إلى الجزر اليونانية سيتم إجباره على العودة إلى تركيا، ولكل سوري تتم إعادته إلى تركيا من اليونان سيتم قبول سوري آخر مكانه من قبل الاتحاد الأوروبي، ويتم توزيعهم حسب نظام الحصص. ويبدو أن كلاً من الاتحاد الأوروبي وأنقرة مستعدان لإنهاء الاتفاقية بينهما بحلول الأسبوع المقبل، ولكن يتعين على القادة الأوروبيين أن يكونوا حذرين مما يرغبون فيه.
وثمة العديد من الأسباب التي تجعل هذا الاتفاق ليس غير أخلاقي فقط، وإنما خاطئ في الأساس. أولاً: الطرد الجماعي القسري غير قانوني حسب معاهدة الأمم المتحدة في عام 1951 المتعلقة باللاجئين. وصادق الاتحاد الاوروبي على هذه المعاهدة وهو يروج لها. وتقول المادة 19 من ميثاق الاتحاد الأوروبي حول الحقوق الأساسية إن «الطرد الجماعي محظور». وأوضحت الأمم المتحدة أن الإعادة الجماعية لا تنسجم مع القانون الدولي. وندرك أن تركيا تمتلك سجلاً مخيفاً في حقوق الإنسان.
وبالنظر إلى أننا ندفع المال لتركيا لوقف تدفق اللاجئين من تركيا إلى اليونان، يستنتج المرء أن قادة الاتحاد الأوروبي يحاولون متعمدين الآن بناء نظام يضمن أن أوروبا لن تأخذ مزيداً من اللاجئين، على الرغم من التزاماتنا الدولية، بما فيها تلك التي تندرج في اتفاقيات جنيف. إنه أمر خاطئ.
وثمة جزء آخر من مسودة الاتفاق مع تركيا يحوي عدداً من التنازلات، بما فيها تسريع الوصول إلى محادثات الانضمام إلى الإعفاء من «الفيزا» بالنسبة للأتراك. وهذه أيضاً تنطوي على مشكلات جمة بالنظر إلى وضع حقوق الانسان في تركيا، وحرية التعبير فيها. ولذلك فإن أولويات الاتحاد الأوروبي يجب أن تكون إعادة تركيا من تحولها إلى دولة شمولية إلى دولة تحترم حقوق الإنسان والحكم الرشيد، والقيم الإنسانية، وذلك عن طريق استخدام فكرة انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي.
وبدلاً من الاستعانة بالخارج لحل مشكلاتنا عن طريق توقيع اتفاقيات مراوغة مع تركيا، علينا أن نعمل معاً لنحل المسألة بأيدينا، وذلك عن طريق القيام بثلاث خطوات فورية: تتمثل الأولى في انشاء حدود أوروبية تتمتع بالتمويل الجيد، إضافة إلى خدمات خفر السواحل القادرة على ادارة وحماية الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، ومعالجة موضوع طالبي اللجوء بدلاً من الاعتماد على تركيا.
وثانياً: بدلاً من منح تركيا مليارات اليورو يمكن منح هذه الأموال مباشرة إلى منظمة الامم المتحدة، كي تقدم منشآت التعليم والمساعدات للأشخاص العالقين في مخيمات اللجوء. وثالثاً: ينبغي أن نعمل بجد وقوة من أجل إيجاد حل للصراع السوري، وأن نعمل بجد لاحتواء العدوان الروسي عن طريق تعزيز العقوبات ضد موسكو.
والاتحاد الأوروبي عبارة عن تجمع من الدول التي على الرغم من تعرضها لحربين عالميتين، وانقسام خلال الحرب الباردة، إلا أنه تمكن من توحيد نفسه وحافظ على السلام والأمن والازدهار لأجيال عدة. وعلى الرغم من حالات الفشل التي مني بها، إلا أن الاتحاد الاوروبي نجح في تحقيق أهدافه. وأحد الأسباب التي تجعل الاتحاد الأوروبي يحقق النجاح، أنه لم يكن يوماً سوقاً داخلية عملاقة كما أراد رئيس حكومة بريطانيا ديفيد كاميرون منه أن يكون، وإنما هو تجمع من الدول التي يتم فيها الحفاظ على حقوق الإنسان والتجارة الحرة، إنه مجتمع القيم.
غاي فيرهوفشتات - سياسي ورئيس حكومة بلجيكي سابق