الأحزاب اليمينية في الغرب تتبنّى خطاباً عنصرياً

الفضل يعود إلى «أبولو» في مهمتها الثامنة، إذ عرفت الإنسانية حينها أنه ليس هناك فرق بين الأجناس أو الأديان. في عام 1968، انتشرت صور الأرض من الفضاء، التي التقطتها مركبة «أبولو»، في جميع أنحاء العالم. ومنذ ذلك الحين أصبح تقسيم سكان الأرض إلى مجموعات، لا معنى له. في اللحظة التي نشرت فيها تلك الصور، اكتشف المجتمع العالمي للمرة الأولى أن كوكبهم الأزرق هو «وطنهم» الوحيد. لكن دونالد ترامب ومارين لوبان وأمثالهما، يفضلون العودة إلى الماضي، من خلال تعصبهما الأعمى.

ما تقوم به الحركات اليمينية، اليوم، في الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وبولندا، وغيرها من البلدان، يسير في اتجاه معاكس للقيم الإنسانية التي تجمعنا جميعاً. لقد صرح المرشح الديمقراطي المحتمل للرئاسة الأميركية، بيرني ساندرز، أخيراً، أن ترامب يسعى لكسب الأصوات من خلال تصريحات معادية للمسلمين الأميركيين، في محاولة من ساندرز لكسب الدعم. وفي فرنسا، تطمح زعيمة اليمين المتطرف، مارين لوبان، لاستعادة «مجد» فرنسا من خلال إغلاق الحدود والخروج من الاتحاد الأوروبي؛ إنها تحلم بإمبراطورية فرنسا الاستعمارية.

• الواقع أن أيديولوجية اليمين الغربي لا تختلف كثيراً عن تلك التي تتبناها مجموعات متطرفة في الشرق الأوسط أو أميركا اللاتينية، بما في ذلك تنظيم «داعش»، والأكيد أن هذا التوجه يحمل العديد من المخاطر والتهديدات للديمقراطية والحريات في الغرب.

السؤال نفسه يمكن أن يوجه إلى بريطانيا: كيف يمكنها أن تعيش في هذا العالم، من دون شركائها الأوروبيين؟ أما البولنديون فهم يضفون المزيد من الحيوية على الاتجاه القومي الجديد، الذي بات أقرب إلى الفاشية. يمكن الاستنتاج أن الدول المذكورة تسير مرة أخرى نحو الدولة القومية، التي تشكلت في القرن التاسع عشر، كما لو أن الجميع يريد أن يعود إلى مستوى المعرفة لذلك الزمن.

تبنت الأحزاب والحركات اليمينية، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، خطاباً عنصرياً لقي صدى في شتى مستويات المجتمعات الغربية. وتركز هذا الخطاب على الرفض الأيديولوجي لشريحة واسعة من هذه المجتمعات؛ والمتمثلة في المسلمين. والواقع أن هذه الايديولوجية لا تختلف كثيراً عن تلك التي تتبناها مجموعات متطرفة في الشرق الأوسط أو أميركا اللاتينية، بما في ذلك تنظيم «داعش»، والأكيد أن هذا التوجه يحمل العديد من المخاطر والتهديدات للديمقراطية والحريات في الغرب.

في غضون ذلك، نشأ تيار جديد في أميركا يكافح من أجل القيم الديمقراطية ويواجه هجمة اليمين، ويسعى السياسيون في التيار الى النأي بأنفسهم عن ترامب وأمثاله. لقد تغير الوضع كثيراً في السنوات الأخيرة، وكما نطلب من المسلمين في الشرق الأوسط أن يواجهوا تنظيمات «القاعدة» و«داعش» و«بوكو حرام» يتعين علينا أيضاً أن نحدد موقفنا، وأن نبتعد عن ترامب وأتباعه، وكل من ينتهج العنصرية. إن الأخير يستخدم القومية والدين لتسميم المشهد العام، ليذكّرنا بالنزاعات القديمة.

نريد من أطفالنا في المدارس الألمانية أن يعرفوا كيف تمكنت الحركة الفاشية من الظهور، وكيف تسببت في قتل الملايين، وجعلت العالم يتألم لعقود. إننا نشهد حالياً عودة لتلك النزعة (الفاشية)، وعلينا أن نشجع أطفالنا على عدم إعادة الأخطاء نفسها التي ارتكبت في الماضي. ربما سيتمكن أولئك الذين يتظاهرون ضد الأجانب في المدن الأوروبية، من تحقيق بعض المكاسب المتواضعة، لكن الوضع لن يستمر بالشكل الذي يريده العنصريون.

تنتعش الحركات المتطرفة في ظروف اجتماعية واقتصادية غير عادية، وتستغل هذه الظروف لتحقيق مكاسب سياسية، فقد ازدهرت الأحزاب اليمينية في ألمانيا والدنمارك وهولندا في السنوات الأخيرة، بسبب الهجرة. في حين حققت الجبهة الوطنية في فرنسا انتصارات غير مسبوقة، نظراً لسوء أداء الحزبين الرئيسين في البلاد. وقد ينطبق هذا الأمر على الولايات المتحدة، حيث عجز الحزبان الجمهوري والديمقراطي عن تقديم حلول لمشكلات يعيشها الأميركيون منذ فترة. وقد فرض الخطاب المتطرف نفسه على الساحة، نتيجة عوامل مختلفة، على رأسها تراجع القيم الأساسية في أميركا.

الكسندر غورلاك - مؤسس ورئيس تحرير مجلة «ذي يوروبين». عمل أستاذاً محاضراً في جامعتي كامبريدج وهارفرد.

الأكثر مشاركة