مدينة ناميبية تثير جدلاً مستفيضاً بشأن تغيير اسمها الاستعماري

على بعد 400 ميل إلى الجنوب الغربي من العاصمة الناميبية، ويندهوك، تقع مدينة ألمانية قديمة، تعكس ملامح أوائل القرن العشرين البافارية - أو شيء من هذا القبيل ــ مبانيها ملونة، تعج بالمطاعم المتخصصة في شرائح اللحم، وتتقاطعها الممرات، وتمتد على جنباتها القصور المزدانة بالفن الحديث. قد تبدو المدينة كمكان نسيه الزمن، لكنها الآن محور معركة شرسة حول الاحتفاظ باسمها القديم «لوديرتز» الذي يعود إلى المستكشف الاستعماري الألماني، أدولف لودريتز، أو استبداله باسم ناميبي، كما دعا الرئيس الناميبي السابق، هيفيكبونى بوهامبا.

بدأت المتاعب قبل ثلاث سنوات، عندما أعلن بوهامبا عن عزمه تغيير اسم البلدة الساحلية من لوديرتز إلى نامينوس، والتي تعني «المنطقة» باللغة الناميبية. وعلى الفور تحولت هذه المدينة الهادئة، التي يقطنها 12 ألف شخص، إلى جبهة مثيرة من الجدل، أمتد عبر هذا البلد الجنوب إفريقي، حول ما إذا كان من المنطقي مسح آثار الاستعمار حرفياً من على وجه خريطة البلاد. ويعتقد تشارلز بيترز، أحد السكان القدامى في المدينة، أنه «لا يهم تغيير اسم المدينة، شعبنا يموت من الجوع، وتريد الحكومة إنفاق الأموال على تغيير الاسم، جهود ليست لها أي معنى». وهناك من يعارضون تغيير الاسم، لتخوفهم من أن الاسم الجديد سيبعد السياح الألمان، الذين يتدفقون هنا على مدار السنة.

وهناك من يرى أن الاسم الاستعماري للمدينة يمحو من الذاكرة تاريخ المنطقة قبل الاستعمار، ويقول مدير منصة السكان الناميبيين الأصليين، جوراب يوسب «قبل تأسيس هذه المدينة، كان هناك سكان هنا، هم السكان الأصليون»، ويضيف «تعرضوا فترة طويلة للحرمان من الشعور بالانتماء للمكان الذي وجدوا فيه أصلاً»، ويعتقد أن إنفاق المال على الخدمات الاجتماعية، أو على تغيير الاسم هو شيء واحد.

هذه المدينة المنسية نتاج تاريخ استعماري لإفريقيا، واتخذت المدينة شكلها خلال حكم ألماني وجيز للمنطقة، لكنه قاس، والذي امتد من أواخر القرن التاسع عشر وحتى نهاية الحرب العالمية الأولى، ثم تنازلت ألمانيا عن مستعمرتها الصحراوية الشاسعة هذه إلى جنوب إفريقيا.

خلال العقد الأول من القرن العشرين، شن جيش القيصر حملة وصفت بـ«الإرهاب المطلق» على هيريرو وناما، وهي الشعوب المحلية، متعهداً بـ«تدمير القبائل المتمردة، وإراقة أنهار من دمائهم». ونتيجة لذلك تشرد عشرات الآلاف في الصحراء الناميبية القاحلة، ليموتوا موتاً بطيئاً من العطش والجوع، والذين بقوا على قيد الحياة تم اعتقالهم وإرسالهم إلى معسكرات الاعتقال.

أكثر الحملات شراسة كانت في جزيرة شارك، حيث تم إجبار ما لا يقل عن 3000 شخص من شعب ناما على العمل حتى الموت هناك، لبناء المدينة ومينائها ومبانيها، والسكك الحديدية. أما السجينات فقد تم إجبارهن على غلي رؤوس القتلى، وكشط الجلد، بحيث يتسنى إرسال الجماجم إلى ألمانيا لأغراض البحث الأنثروبولوجي.

اليوم، أصبحت جزيرة شارك تعج بأماكن الترفيه والمطاعم والمقاهي. العلامة الوحيدة التي تشير إلى تاريخ المنطقة المظلم هي لوحة كالحة، تعكس صورة كورنيلويوس فريدريك، أحد القادة المحليين الذي لقي حتفه في المعسكر، ومكتوب تحت اللوحة «نحن نحيي ذكرى أبطالنا»، وبالقرب منها يوجد جدار أكبر من ذلك بكثير، حفرت عليه أسماء الرواد الألمان، الذين قتلوا في الحروب ضد هيريرو وناما.

وتتساءل الطاهية بأحد مطاعم المدينة، ماريانا دراغوندر «هذا الرجل استعماري، ولأجيال عدة لا يعرف أحد في المدينة من هو لودريتز، فلماذا علينا أن نخلّد اسمه فترة أطول؟».

ويعتقد السكان الأكبر سناً، مثل السيدة دراغوندر، أنهم لايزالون يتذكرون نظام الفصل العنصري الصارم، الذي يتعرض له سكان البلدة الأصليون في ظل حكم نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، والذي تلا انسحاب الألمان من ناميبيا، ولايزال له بصمة واضحة على الحياة هنا.

الأكثر مشاركة