وصول رئيس الوزراء الليبي إلى طرابلس يبعث الأمل في استقرار البلاد
ساعد تقدم المتطرفين في ليبيا على إنشاء حكومة الوفاق الوطني العام الماضي، بناء على اتفاق رعته الأمم المتحدة في الصخيرات بالمغرب، وقعه سياسيون من كلا الجانبين في 17 ديسمبر، إلا أن تلك الحكومة لم تحظَ بدعم من الأطراف المتحاربة. وعلى الرغم من الدعم الغربي، غادر قادة هذا الكيان الجديد تونس الى طرابلس يوم 30 مارس على متن قارب خوفاً من اسقاط طائرتهم.
إلا أن الوصول السلس لرئيس الوزراء الليبي، فايز السراج الى طرابلس، مع ستة آخرين من حكومة الوفاق الوطني الليبي، قد بعث الأمل في امكانية تحقيق الاستقرار في هذه البلاد التي انهكتها الحرب. وتلقى السراج، رجل الأعمال الذي يتمتع بخبرة سياسية ضئيلة، تعهدات بالدعم من ميليشيات وبلديات عدة، وهو يسيطر الآن على المؤسسات الوحيدة العاملة في البلاد: شركة النفط الوطنية، صندوق الثروة السيادية الليبي والبنك المركزي، الذي رحب «ببداية عهد جديد».
وعلى الرغم من أن الوضع استقر بأي حال من الأحوال حتى في غرب البلاد، الا أن هناك التباساً حول ما إذا كانت حكومة طرابلس القديمة تنحت لصالح حكومة أخرى جديدة. وظل السراج وزملاؤه يتحصنون في قاعدة بحرية تخضع لحراسة مشددة، في الوقت الذي تستمر فيه المحادثات في هذا الشأن. ويعتري الوضع ولاءات متقلبة، حتى الميليشيات التي تدعم حكومة الوفاق الوطني، تفعل ذلك انطلاقاً من المصلحة الذاتية وليس القومية، ويقول الباحث بمعهد ،وهو إحدى المؤسسات الفكرية الليبية، أنس القوماتي: «تتولى حكومة الوفاق الوطني دفع الرواتب والتفاوض على صفقات النفط، ولهذا اصبحت لاعباً جديداً في هذا الشأن».
وبموجب اتفاق الصخيرات، انضم أعضاء البرلمان القديم في طرابلس الى هيئة استشارية جديدة تسمى مجلس الدولة، إلا أن البعض منهم يشعر أن هذا الاتفاق، الذي لم تتم الموافقة عليه رسمياً حتى الآن، يفتقر إلى الشرعية. ويشاركهم هذا الرأي البعض في الشرق، حيث فشل مجلس النواب المعترف به دولياً، والمرشح ليصبح هيئة تشريعية في ليبيا، في تأمين الأغلبية المطلقة المطلوبة لمصلحة الاتفاق.
وتفرض أوروبا عقوبات على القادة المتلكئين في الشرق والغرب لتسريع هذه العملية، التي لا تشمل اللواء المتقاعد بالجيش، خليفة حفتر، الذي يشن حملة وحشية ضد «الإرهابيين» معظمهم من معارضيه. ويهيمن حفتر على حكومة الشرق بدعم من قوى أجنبية. وتنص المادة 8 من اتفاقية الصخيرات على وضع الجيش تحت سيطرة الحكومة الجديدة، ولهذا من المرجح اقالة حفتر، ولهذا يصر مجلس النواب على حذف هذه المادة. ويقترح البعض ايجاد حل وسط، بحيث يتم منح شرق ليبيا قدراً من الحكم الذاتي وجيشاً خاصاً به، يقوده حفتر تحت قيادة مركزية، الا أن ذلك قد يثير سخط انصار حكومة الوفاق الوطني في طرابلس.
وعموماً لايزال هذا الجنرال يحلم بطموحات وطنية، فقد وعد أحد قادته هذا الأسبوع اكتساح سرت وطرابلس ثم مصراتة، موطن عشرات الميليشيات. غياب أي نوع من الوحدة ساعد على تعقيد الجهود الرامية لهزيمة ميليشيا تنظيم «داعش» الإرهابي، التي تضم ما يصل إلى 5000 مقاتل في ليبيا. وتأمل القوى الغربية أن يساعد اتفاق الصخيرات في نهاية المطاف على وضع الجماعات المسلحة في البلاد تحت قيادة واحدة بحيث يمكن التعامل معها. وفي الوقت الراهن يستقطب الغرب الميليشيات الصديقة لمحاربة المتطرفين، ويتعامل معهم في بعض الأحيان من الجو. مثل هذه المخاطر تفاقم الانقسامات في البلاد. ويقول الباحث بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، ماتيا توالدو «الجميع يريد أن يكونوا بشمركة ليبيا»، في اشارة إلى المقاتلين الأكراد الذين تدعمهم الولايات المتحدة في العراق، ويضيف «المشكلة هي أن وجود مجموعات عدة من البشمركة يعني عدم وجود بلد موحد».
وتعهد السراج بمواجهة «داعش»، ولكنه يعطي الأولوية للاقتصاد المنهار. وتعاني البنوك شح النقد، وأغلق بعضها بسبب ذلك، ولهذا السبب جمد رئيس الوزراء في غضون أيام من وصوله إلى طرابلس الحسابات المصرفية للبنك المركزي عدا الرواتب، ويتحاشى معظم الليبيين الآن البنوك ويعتمدون على السوق السوداء في الحصول على العملة الصعبة من أجل التجارة. ويسير قادة الميليشيات بسيارات مملوءة بالنقود لدفع أجور المقاتلين.