أزمة جريدة السفير
قد يكون الربط واهياً بين الأزمة المالية والسياسية الخانقة التي تعيشها الصحافة الورقية في لبنان، وازدهار الصحافة الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، وشيوعها. وكذلك الحال أيضاً حول ما يقال عن عزوف القرّاء عن الصحافة الورقية، وإقبالهم على الإلكترونية. ولكن مصادر تمويل الصحف اللبنانية والصفقات المالية والسياسية التي دأبت عليها لم تتراجع وتنضب بسبب ظهور الصحافة الإلكترونية، والدليل على ذلك ظهور صحيفتين ورقيتين جديدتين في لبنان، ولكن يبدو أن الأزمة المالية والسياسية طاولت صحفاً لبنانية محددة هما «السفير» و«النهار» منذ بداية العقد الأول من القرن الجديد، حيث عمدت القوى السياسية الفاعلة في لبنان إلى دعم هاتين الصحيفتين، إلى أن توقفت قوى 14 آذار عن التمويل، في حين أن قوى 8 آذار ضاعفت من تمويلها، الأمر الذي أثر سلباً في النهار، وأما «السفير» التي تعيش منذ صدورها على الصفقات المتوالية، والمتاجرة المالية والسياسية، فإن أزمتها الراهنة تعكس عدم القبول بالنهج الذي تتخذه الصحيفة من قبل الممولين.
وإذا كانت «السفير» قد حملت لواء العروبة في لبنان بتمويل ليبي منذ صدورها، إلا أنها سرعان ما تنقلت في تمويلها بين جهات مختلفة ومتدافعة ومتناحرة مثل الناصرية والقذافية والفلسطينية، وانتهى بها المطاف بعد عام 1982 إلى خدمة النظام السوري، قبل أن تصاب أخيراً بحالة من الانفصام السياسي والمالي، ولم تعد قادرة على إخفائه، قبل إعلانها الاحتجاب عن الصدور. وتجسد انفصام «السفير» في انتهاج الصحيفة نهج الدفاع عن النظام السوري وإيران، و«حزب الله»، وفي الوقت ذاته الظهور بمظهر المدافع عن العروبة، وقضايا الأمة العربية، وان بدت في مظهر غير مقنع وسخيف. ونظراً إلى انحدار «السفير» إلى هذا الدرك، شعرت الجهة الممولة للسفير بأنها لم تعد بحاجة لمثل هذا البوق الإعلامي الذي لم يعد يستحق ما يدفع له في ظل توافر ما هو أفضل، في المعروض سوقياً، وأكثر استعداداً للقيام بهاذ الدور على نحو أفضل وأكثر إقناعاً.
وفي ظل هذه التجاذبات التي تعرضت لها الصحافة اللبنانية بين الممولين الذين كانوا يتغيرون مع اختلاف الوضع السياسي، وتغير موازين القوى، انحدرت الصحافة اللبنانية إلى درك غير مسبوق، بعد أن كانت منارة للصحافة العربية، ومدرسة لمن أراد تعلم هذه المهنة.