الصحافة المصرية تحتفل بعيدها الماسي وسط مخاطر تهدّد وجودها
تحتفل الصحافة المصرية بالعيد الماسي لإنشاء نقابتها، وسط اتساع رقعة العاملين بمهنة البحث عن المتاعب سواء المسجلون في النقابة، أو العاملون غير المسجلين، أو العاملون في الصحافة الإلكترونية، أو الإعلام الفضائي أو الإذاعي، وتصاعد لمشكلات المهنة في مصر، بعد انكماش الصحافة الحزبية وتعرض العاملون فيها لظروف صعبة. كما تشهد معظم الصحف الورقية أزمات طاحنة بما في ذلك مؤسسات كبرى مثل «المصري اليوم» و«الشروق».
فيما يواجه معظم الصحف القومية أزمة مصير، بعد أن تراكمت عليها ديون بلغت مليارات الجنيهات، وتنتظر حلاً جذرياً لمشكلتها، وسط توقعات بتشكيل هيئة جديدة لإدارتها، ضمن قانون الإعلام الجديد المنتظر اقراره برلمانياً.
وتفصيلاً، تشهد نقابة الصحافيين المصريين احتفالات متواصلة على مدى أسبوعين بمناسبة العيد الماسي لإنشائها في 31 مارس 1941 طبقاً للمرسوم الملكي رقم 10، وبعد 50 عاماً من النضال المتواصل لإنشاء تجمع لحماية الصحافيين، حيث ظهرت أول دعوة لذلك عام 1891 على صفحات جريدة الأهرام، ثم تلتها دعوة ثانية عام 1912 على صفحات جريدة المؤيد في عام 1912، قام على اثرها مجموعة صحافيين بإنشاء نقابة بالفعل، اختارت جمعيتها العمومية مسيو كانيفيه نقيباً، وفارس نمر، وأحمد لطفي السيد وكيلين، لكنها انتهت بعد عامين أي في 1914 بقيام الحرب العالمية الأولى، ثم تجددت المحاولة بعد انتهاء الحرب، وقام خمسة من الصحافيين وهم داود بركات، وإسكندر سلامة، ومحمد حافظ عوض، وجورج طنوس، بتكوين رابطة لكنها لم تتطور، وبعد ثورة 1919 وعقب دستور 1923 أعلن أمين الرافعي، ومحمد حافظ عوض، وليون كاسترو، تشكيل نقابة، ولكن لم يتم الاعتراف بها رسمياً، حتى تقدم رئيس الوزراء علي ماهر إلى مجلس النواب بمشروع أعده محمود عزمي، صدر به القانون رقم 10 لسنة 1941.
«مشكلة الصحافة الورقية في مصر، ليست منفصلة عن الوضع الاقتصادي العام، التوزيع تراجع، والإعلانات اصبحت أسعارها برخص التراب، في الوقت الذي تحملت فيه الصحف تكاليف تشغيلية هائلة منذ أيام الرواج». مدير تحرير جريدة «الأسبوع» عبدالفتاح طلعت |
شملت الاحتفالات، فعاليات نوعية عدة من ضمنها احتفال، حضره عدد من الوزراء والمسؤولين المصريين، تم فيه عرض الفيلم التسجيلي «نقابة الصحافيين مسؤولية الصحافة ونبض وطن»
كما تم فيه تكريم النقباء السابقين وشخصيات صحافية تاريخية، مثل الراحلين كامل زهيري، وأحمد بهاء الدين وحافظ محمود، كما شملت الاحتفالات ايضاً اقامة يوم للصحافيات المصريات، تمت الإشارة فيه الى أن عدد الزميلات الصحافيات النقابيات بلغ 2844 صحافية من مجموع 9035 هم اعضاء النقابة، كما تم التنويه فيه لنضالات الزميلات الصحافيات بدءاً من المحررة الصحافية المصرية الأولى جليلة تمرهان (1866)، ثم هند نوفل رئيسة تحرير مجلة الفتاة (1892)، ثم لبيبة هاشم التي أصدرت فتاة الشرق (1906)، ثم درية شفيق وروزاليوسف في الأربعينات،
كما تم عرض نضالات الصحافيات المصريات مثل اعتصام درية شفيق، اثناء أزمة 1954، وتسلل أمينة شفيق الى بورسعيد عام 1956، واعتقال صافيناز كاظم وفريدة النقاش في السبعينات، وحتى استشهاد ميادة أشرف وحبيبة عبدالعزيز بعد ثورة 25 يناير.
وفي الوقت الذي تشهد فيه الصحافة المصرية احتفالات كرنفالية، تسلط الضوء على الجوانب الإيجابية، تتصاعد أزمات حادة داخل المهنة تهدّد وجودها ذاته، وقد انعكس هذا الوضع الملتبس على الذكرى نفسها، فاختلط الاحتفاء والتكريم بالاعتصامات المطلبية والسياسية في قلب مبنى النقابة، وفرضت أزمة الصحف الحزبية وقضية الزملاء المفصولين، ووضع الصحف الحرج مالياً والمهدد بالانهيار، وأزمة الصحف القومية ووضع الحريات والصحافيين المعتقلين، حضورها على المناسبة.
وقال نقيب الصحافيين المصريين يحي قلاش، الذي التقته «الإمارات اليوم» أثناء محاولة عقد الجمعية العمومية للصحافيين «إن الظروف الاقتصادية التي تمر بها مهنة الصحافة في مصر صعبة، ووضع الصحافيين المعيشي اصبح مزرياً وسيئاً الى اقصى حد، وإن مجلس النقابة يناضل حالياً على مسارين أولهما مطالبة مجلس الوزراء بضرورة زيادة بدل التدريب والتكنولوجيا للصحافيين، وثانيهما هو تحسين وضع الصحافي عن طريق اقرار الحد الأدنى للأجور، وإدخال النقابة طرفاً في التعاقد»، وأضاف قلاش «الأمر قضية أمن قومى، فالصحافي الذي لا يتوافر له الحد الأدنى من قوت يومه، لا يملك قلمه». وكشف قلاش عن ضوابط تضعها النقابة على الصحف لتأمين المنضمين الجدد الى صفوفها، حتى تستطيع تأمين حياتهم ومستقبلهم اذا أغلقت.
من جهته، قال الصحافي محسن هاشم، الناطق باسم قضية الصحف الحزبية، لـ«الإمارات اليوم» ان وضع الصحافيين الحزبيين يلخص الواقع المرير الذي تعيشه الصحافة المصرية في الوقت الراهن.
وقال محسن هاشم إن «هناك 250 صحافياً حزبياً ينتمون الى 14 صحيفة من بينها الشعب، والأحرار، والعربي الناصري، وآفاق عربية، أصبحوا في الشارع تماماً، بعد ان اغلقت صحفهم أو تعرضت لصراعات أو مشكلات، حيث لا يتقاضون مرتبات من أي جهة، ولا يوجد لديهم تأمين صحي، ولا معاشات حين يبلغون سن التقاعد». وشدّد محسن هاشم على أن المادة 3 من قانون نقابة الصحافيين تلزم «النقيب والنقابة» بتوفير فرص عمل للصحافيين حال إغلاق صحفهم.
وكشف هاشم أن قضية «الصحافيين الحزبيين» هي مشكلة كل العصور، وأن الصحافييين اقاموا ستة اعتصامات كبرى في اماكن مختلفة مثل مبنى النقابة، وفي المجلس الأعلى للصحافة، وأمام مجلس الشعب، وأمام قصر الاتحادية الرئاسي، حيث طالبوا بتوزيعهم على الصحف القومية اسوة بما حدث مع 47 من زملائهم عام 2012، لكن لا حياة لمن تنادي.
واقترح هاشم، باسم بقية زملائه، تبني حل عملي لمشكلتهم، إذا ما كان حل تعيينهم في الصحف القومية مستعصياً، وهو تعيينهم في الشركة القومية للتوزيع، بعد عمل صحيفة إلكترونية بها، أو توزيعهم على بوابات الصحف الإلكترونية. وقال هاشم إن آخر لقاء جمعه بنقيب الصحافيين كان منذ ثلاثة أيام، حيث اقترح عليه توزيع صحافيي الصحف الحزبية على الوزارات، لتدريب العاملين فيها على الإعلام في بوابات الوزارات الإلكترونية، على أن يتم ذلك بموجب عقد تجنباً لتعيينهم، حتى لا يفقدوا عضوية النقابة، وأن يتم ذلك بمعايير تشمل السن والحالة الصحية والكفاءة، مشيراً الى ان مجلس النقابة وعد بدراسة الموضوع. وحول الفرق بين مشكلة الصحف الحزبية والصحف الخاصة المستقلة، قال هاشم إن عدد الزملاء الصحافيين المفصولين من الصحف الخاصة يراوح بين 1500 و2000 صحافي، وإضافة هؤلاء إلى الصحافين الحزبيين يعقد المشكلة، كما ان هناك فرقاً جوهرياً بين المشكلتين، فالصحافيون الحزبيون هم جزء من الدولة، وهي مكلفة بهم بالقدر نفسه مثل القومية، امّا زملاؤنا في الصحف الخاصة، ومع تعاطفنا الكبير ووقوفنا معهم، فهم مختلفون مع إدارات وملاك، ودور النقابة ودورنا أن نضغط لإرجاعهم.
في الإطار ذاته، قال مدير تحرير جريدة «الأسبوع» المستقلة، عبدالفتاح طلعت، لـ«الإمارات اليوم» إن «مشكلة الصحافة الورقية في مصر، ليست منفصلة عن الوضع الاقتصادي العام، التوزيع تراجع، والإعلانات اصبحت اسعارها برخص التراب، في الوقت الذي تحملت فيه الصحف تكاليف تشغيلية هائلة منذ أيام الرواج».
وقال عبدالفتاح طلعت إنه «لم يعد يُخفى على أحد أن مؤسسات صحافية خاصة كبرى مثل (المصري اليوم) و(الشروق) اصبحت تعاني الوضع المالي المتأزم، مثلها مثل المؤسسات الصغرى، فتتأخر فيها المرتبات وتغلق فيها مطبوعات، وتفصل بعض الزملاء، وتعلن عن خططها للاستغناء عن أعداد كبيرة من وقت لآخر».
وشدّد طلعت على أن «المواطن المصري الذي كان يشتري صحفاً عدة منذ سنوات، اصبح في ظل الضغط الاقتصادي يكتفي بواحدة، كما أن وجود الانترنت، والصحف الإلكترونية، وبرامج التوك شو، ووسائل التواصل الاجتماعي، صنع لديه وضع استغناء عن الصحف الورقية».
وتابع طلعت، المخرج في رأيي هو تحول الصحف المحلية لمزيد من المحلية، وتغطية اوضاع الناس المباشرة أكثر فأكثر، فهذا ربما يوسع قاعدة توزيع الصحف ويمثل لها مخرجاً للانتعاش.
على صعيد الصحف القومية، قال أمين عام المجلس الأعلى للصحافة الصحافي صلاح عيسى «إن إجمالي مديونيات الصحف القومية يراوح بين 8 و10 مليارات جنيه، وتشمل غرامات التأخير وفوائد المبالغ المستحق دفعها، والضرائب المنوط بالصحف والمؤسسات تسديدها، بالإضافة إلى متأخرات أموال مستحقة للبنوك سواء القطاع العام أو التجاري، فضلاً عن مستحقات لوزارة الكهرباء وغيرها من الهيئات». لكن جهات ومراصد صحافية أخرى ترفع حجم الديون الى 12 أو 14 مليار جنيه.
وقال عيسى، إن اللجنة الوطنية لصياغة التشريعات الصحافية والإعلامية وضعت ضمن مشروع القانون المرسل إلى مجلس الوزراء مادة فى المواد الانتقالية، تنص على إلغاء ديون المؤسسات والهيئات الصحافية، الأمر يتطلب إصدار قانون من مجلس النواب.
وقال صحافي في مؤسسة قومية، حجب اسمه، إن «مشكلة المؤسسات القومية ليست فقط في ديونها، وإنما في منطقها فهي تضم نحو 30 ألف صحافي وموظف وعامل، وهناك مؤسسة تضم أكثر من 1000 صحافي، وأخرى عينت في العام الجاري عشرات الصحافيين، رغم اكتظاظها، بحجج ومسميات مختلفة، وهناك مطبوعات تصدرها مؤسسات لا توزع حتى العشرات من النسخ، ومع هذا مستمرة».
أما المنغص الأخير لاحتفالات اليوبيل الماسي لنقابة الصحافيين المصريين، فقد كان تراجع وضع الحريات الصحافية، وتعرض صحف ومواقع للتضييق وتعرض عدد من الصحافيين للاحتجاز، ما حدا بصحافيين إلى إجراء اعتصام قبيل الاحتفالات تعاطفاً مع زملائهم. وفي تفاعل لها مع ملف الحريات، أصدرت نقابة الصحافيين المصرية بياناً صحافياً في اليوم الأول للاعتصام، قالت فيه «أبلغت وزارة الداخلية المصرية نقابة الصحافيين رسمياً، أنه صدرت تعليمات مشددة من وزير الداخلية بتكثيف المتابعة والرعاية الصحية الخاصة بالزملاء الذين تدهورت أوضاعهم الصحية، وهم: هشام جعفر، وهاني صلاح الدين، ويوسف شعبان، وحسام السيد.. أو بأي حالة لصحافي مسجون يحتاج لرعاية صحية». وأكدت الوزارة في اتصالها مع النقابة، أن هناك تعليمات مشددة من الوزير بتسهيل زيارات أسر الصحافيين المحبوسين، كما سيتم تحديد لقاء عاجل بين الوزير وممثلي النقابة لمناقشة أوضاع الصحافيين.