بسبب الظلم والإهمال الاجتماعي
حالات الانتحار تتزايد بين السكان الأصليين في كندا
يعاني مجتمع السكان الأصليين في كندا تزايد حالات الانتحار بين أفراده، فمنذ الخريف الماضي كان هناك أكثر من 100 محاولة انتحار في مجتمع اوتوابسكات، الذي يبلغ عدد سكانه 2000 شخص فقط، ويكافح أربعة عمال يعملون في مجال صحة المجتمع لتلافي الوضع، إلا أنهم يعانون نقصاً في التدريب في قضايا الصحة العقلية. وكان أصغر شخص حاول الانتحار في ذلك الوقت يبلغ من العمر 11 عاماً، وأكبرهم 71 عاماً.
وبعد أن حاول 11 شخصاً الانتحار مساء السبت الماضي، أعلن قادة المجتمع، الذين استنفدوا كل حيلهم، حالة الطوارئ. ويقول رئيس مجتمع منطقة اوتوابسكات، بروس شيشيش «هناك محاولة انتحار كل ليلة».
وسلّطت هذه الأزمة الضوء على قضية طالما تجاهلتها الحكومة الكندية، ففي جميع أنحاء البلاد، ظل الانتحار والإصابات الذاتية هي الأسباب الرئيسة المفضية للوفاة بين السكان الأصليين، الذين تقل أعمارهم عن 44 عاماً، وتعكس معدلات الانتحار بين الشباب الذكور الأصليين وضعاً مريعاً، إذ تتجاوز حالات الانتحار بين الشباب الذكور من السكان الأصليين أكثر من 10 مرات حالات الانتحار بين الشباب الذكور من غير السكان الأصليين. أما بالنسبة للإناث من السكان الأصليين، فإن أرقام حالات الانتحار تزيد بـ21 مرة عن نظيراتهن من الإناث غير الأصليات.
لا يوجد سبب واحد لحالات الانتحار هذه، ويشير شيشيش بإصابع الاتهام إلى المنازل المكتظة المليئة بالعفن، وتعاطي المخدرات، وانعدام مراكز للترفيه التي تلهم الشباب ابتكار أعمال خلاقة، لكنه يعتقد أن هؤلاء الأطفال ضحية لقضايا المنهجية العميقة الجذور التي تواجه الأمم الأولى في كندا.
ومن أهم هذه العوامل الآثار العميقة التي لاتزال عالقة بسبب ما درجت عليه الحكومات الكندية المتعاقبة، ولعقود عدة، من إجبار أكثر من 150 ألف طفل من السكان الأصليينللعيش في مدارس مجهزة بسكن داخلي، بغرض استيعابهم في المجتمع الكندي. وكتب المؤلف، جوزيف بويدن، في صحيفة ماكلين هذا الاسبوع مؤكداً «لا يمكن تأجيج حرب إبادة ثقافية لمدة 140 عاماً، ولسبعة أجيال، دون أن تتوقع تداعيات حقيقية مثل هذه، آخر هذه المدارس أغلقت أبوابها في عام 1996، حيث تعتبر منطقة اوتوابسكات مثالاً غاية في الوحشية».
وتهدف هذه المدارس، التي تعج بالاعتداءات، إلى «قتل الهندي في طفولته»، وهي الحالة التي وثقتها لجنة تقصي حقائق قبل فترة وجيزة، حيث مات الآلاف من الأطفال في هذه المدارس بسبب غياب المعايير الغذائية، ما جعل الكثير منهم يعانون سوء التغذية، ويتعرضون للأمراض مثل الجدري والحصبة والسل، ودفن المئات منهم على عجل في مقابر مجهولة بجانب هذه المؤسسات التعليمية، ولم تسجل الحكومة أو سلطات المدارس أسماء ما يقرب من ثلث المتوفين.
ويكمن إرث هذه المدارس بصمت تحت سطح حياة السكان الأصليين في كندا، الذين يعانون في كثير من الأحيان ظروفاً معيشية مزرية تفضي إلى الوفاة. الشهر الماضي، وبعد حدوث ست حالات انتحار في فترة ثلاثة أشهر، وأكثر من 140 محاولات انتحار في فترة أسبوعين، أعلن مجتمع آخر، وهو مجتمع بيميسيكاما كري، في شمال مانيتوبا، أيضاً حالة الطوارئ. ومثله مثل مجتمع اوتوابسكات، أجبر النقص في المساكن في هذه المنطقة السكان على احتشاد أكثر من 10 أشخاص في منزل واحد من المنازل المتهالكة، حيث يعانون درجات الحرارة التي تنخفض إلى 40 درجة في فصل الشتاء.
ويعيش في جميع أنحاء البلاد أكثر من 100 مجتمع من السكان الأصليين في ما يسميه القادة «ظروف العالم الثالث»، التي تفتقر إلى السكن الملائم والماء والكهرباء. وفي بلد يوجد فيه 20٪ من المياه العذبة في العالم، يضطر ما يقرب من 90% من السكان الأصليين لغلي مياه الشرب، بما في ذلك مجتمع أونتاريو الشمالي الذي ظل ينتظر منذ أكثر من 20 عاماً تدفق مياه الشرب من الحنفيات.
سلسلة الأزمات الأخيرة هذه احيت النقاش في كندا حول ما إذا كان ينبغي تشجيع السكان الأصليين في المجتمعات النائية، للانتقال إلى مناطق أكثر حضرية في البلاد. وأعلن رئيس وزراء كندا السابق، جان كريتيان، هذا الأسبوع، أنه عندما تواجه السكان فرصاً اقتصادية صعبة يجب أن ينتقلوا لمكان أفضل.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news