أساليب الاحتلال المرعبة بحقهم تطال 450 طفلاً معتقلاً

%80 من الأسرى الفلسطينيين يتعرضــون لتـعـذيـــب ممنهج

صورة

24 عاماً أفنتها الشابة الفلسطينية وئام أبوعون تائهة بين أمواج الحرمان والوجع، التي أبعدتها عن بر الأمان المتمثل في حضن الأب، فمنذ أن كانت رضيعة يحاصرها واقع مرير لا تجد له تفسيراً، حيث اعتقلت إسرائيل والدها قبل أن تلدها أمها.

كلمة «بابا» هي نقطة ضعف وئام على مدار سنوات عمرها، فلم تتمكن من نطقها إلا عندما بلغت سن الرابعة، وذلك عندما زارت والدها نزيه أبوعون داخل سجون الاحتلال في عام 1996، لتتعرف إلى ملامحه التي شاهدتها للمرة الأولى من خلف لوح زجاجي، دون أن يسمح لها باحتضانه، بفعل القيود التي تفرضها إدارة السجون على ظروف زيارة الأسرى لذويهم.

20 عاماً مرت على تلك الزيارة، ورغم ذلك رحلة وئام في الحياة كانت مجرد سراب، فلم تتمكن من لقاء والدها مرة أخرى، إضافة إلى حرمانها من وجوده بجانبها في مراحل عمرها كافة، ومشاركته في حفلي تخرجها وزفافها، وسط شعور باليتم.

انتهاك حقوق الأطفال

إن ما تقوم به سلطات الاحتلال يشكل انتهاكاً لحقوق الأطفال الأسرى، ويخالف القانون الدولي، خصوصاً اتفاقية الطفل المادة (16) التي تنص على:

«لا يجوز أن يجرى أي تعرض تعسفي أو غير قانوني للطفل في حياته الخاصة، أو أسرته أو منزله أو مراسلاته ولا أي مساس غير قانوني بشرفه أو سمعته». وتنص أيضاً على أن «للطفل الحق في أن يحميه القانون من مثل هذا التعرض أو المساس».

وتحرم سلطات الاحتلال الإسرائيلي الأطفال الأسرى من أبسط الحقوق التي تمنحها لهم المواثيق الدولية، بغض النظر عن دينهم وقوميتهم وجنسهم، وتشتمل على:

■■الحق في عدم التعرض للاعتقال العشوائي.

■■الحق في معرفة سبب الاعتقال.

■■الحق في الحصول على محامٍ.

■■حق الأسرة في معرفة سبب ومكان اعتقال الطفل.

■■الحق في المثول أمام قاضٍ.

■■الحق في الاعتراض على التهمة والطعن بها.

■■الحق في الاتصال بالعالم الخارجي.

■■الحق في معاملة إنسانية تحفظ كرامة الطفل المعتقل.

وعلى الرغم من أن الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان وتحديداً اتفاقية حقوق الطفل، شددت على ضرورة توفير الحماية للأطفال ولحياتهم ولفرصهم في النمو والتطور، وقيّدت هذه المواثيق سلب الأطفال حريتهم، وجعلت منه «الملاذ الأخير ولأقصر فترة ممكنة»، إلا أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي جعلت من قتل الأطفال الفلسطينيين واعتقالهم الملاذ الأول.

واسترجعت وئام شريط ذاكرتها لـ«الإمارات اليوم» قائلة، «أبصرت النور ووالدي يقبع خلف القضبان، ودخلت المدرسة ونجحت في الثانوية العامة، كما تخرجت في الجامعة وهو بعيد عني».

أساليب مرعبة

أعادت وئام ترتيب لحظات عمرها في ظل أسر والدها، وفقاً لحالة القهر المضاعفة التي تعيشها بفعل تردي حالته الصحية، نتيجة سياسة الإهمال الطبي المتعمد من قبل الاحتلال، بالإضافة إلى تعرضه لأقسى أنواع التعذيب النفسي والجسدي على مدار سنوات أسره.

ويتعرّض الأسرى خلف قضبان القهر والحرمان لأبشع أنواع التعذيب الجسدي والنفسي من قبل إدارة مصلحة السجون، التي تصاعدت في الآونة الأخيرة في مؤشر خطير إلى تردي أوضاعهم، حيث كشفت إحصاءات حقوقية أن أكثر من 80% من الأسرى الفلسطينيين تعرضوا للتعذيب خلال التحقيق على يد جنود المحققين الإسرائيليين.

وتشير الدراسة الصادرة عن «مؤسسة واعد للأسرى والمحررين»، إلى أن الأسرى تعرضوا للتعذيب والضغط النفسي والمعاملة القاسية، خلال مرحلة اعتقالهم واستجوابهم، حيث تصرفت إسرائيل كدولة فوق القانون الدولي بتشريعها قوانين لممارسة التعذيب بأساليب محرمة دولياً، وتتنافى مع اتفاقية مناهضة التعذيب والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

وفي هذا الجانب يقول مدير جمعية واعد للأسرى والمحررين في غزة، صابر أبوكرش لـ«الإمارات اليوم»، «إن الاحتلال يمارس تعذيباً جسدياً ونفسياً ممنهجاً بحق الأسرى الفلسطينيين، للنيل من إرادتهم وعزيمتهم».

ويستعرض أبوكرش المراحل المتعددة التي يتعرض لها الأسير أثناء التعذيب، حيث يوضع داخل غرفة كالقبر أو ثلاجة أياماً عدة، ويمنع خلالها من النوم والراحة ودخول المرحاض.

ويستخدم الاحتلال، بحسب أبوكرش أساليب تعذيب وحشية ومرعبة، كالشبح طوال الليل، والترويع وقت النوم، بالإضافة إلى تكبيل الأيدي والأرجل حين التحرك، والاعتداء المتواصل عليهم داخل السجون.

وأثناء ممارسة التنكيل الجسدي، يتعرض الأسرى لمرحلة قاسية من التعذيب النفسي والمعنوي، وذلك عن طريق منعهم من رؤية ذويهم، حيث يمنع أكثر من 2000 أسير من زيارة أهاليهم، بالإضافة إلى منع إدخال الصحيفة اليومية للاطلاع على ما يدور من أحداث وتطورات خارج السجن.

ويوضح أبوكرش أن الاحتلال يتعمد إبقاء الأسرى يتعذبون بمرضهم، وذلك من خلال الإهمال الطبي بحقهم، وحرمانهم من تقديم العلاج.

ويقول مدير جمعية «واعد» في توصيفه لوضع الاعتقال، إن مستشفى سجن الرملة لم يبقَ منه سوى اسمه، ليتحول إلى مستنقع للموت.

ويعاني أكثر من 1500 أسير أمراضاً مزمنة، ولا يتلقون العلاج اللازم، فيما استشهد ما يقارب 200 معتقل فلسطيني داخل السجون نتيجة الإهمال الطبي.

تعذيب الأطفال

وإن كان الأسير أبوعون لم يتحمل أشكال التعذيب التي يتعرض لها داخل السجون، والتي سببت له أمراضاً عدة، فإن ما يتعرض له الأطفال من تنكيل يعد أصعب وأقسى، فقد كشفت هيئة الأسرى والمحررين أن 95% من الأطفال يتعرضون لأشكال من التعذيب والإهانة.

وعن ذلك يقول رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين عيسى قراقع، إن «الاحتلال يمارس جرائم إنسانية وقانونية وأخلاقية حقيقية بحق الأطفال الفلسطينيين في سجونه ومراكز توقيفه، دون أن يظهر أدنى قدر من الاحترام والالتزام باتفاقية حقوق الطفل العالمية، أو سواها من اتفاقيات».

ويؤكد أن الأطفال الأسرى يتعرضون للتعذيب النفسي والجسدي خلال التحقيق، وتنتزع منهم الاعترافات بالقوة وتوثق باللغة العبرية.

ويعاني الأطفال، بحسب قراقع، قلة النوم وعدم قضاء الحاجة، والمماطلة لعدم الالتقاء بالمحامي، كما تحرمهم إدارة مصلحة السجون التعليم.

من جهته، يقول مسؤول ملف المساءلة في «الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال»، عايد قطيش، «إن العشرات من الأطفال مازالوا قيد الاعتقال، وغالبيتهم يحاكمون في محاكم عسكرية كالكبار، وليس في محاكم للأحداث، دون السماح لذويهم بحضور المحاكمة».

ويبلغ عدد الأسرى الفلسطينيين داخل سجون الاحتلال 7000 أسير، فيما لايزال يقبع 450 طفلاً و60 سيدة خلف القضان.

تويتر