البرلمان وحكماء المهنة وشخصيات عامة مرشحون للعب دور جوهري

مؤشرات تهدئة في أزمة الصحـافيين المصريين.. وغموض بشأن سيناريوهات الحــل

صورة

دخلت أزمة نقابة الصحافيين المصرية مع وزارة الداخلية، التي اندلعت بعد القبض على الصحافيين عمرو بدر ومحمود السقا داخل مبنى النقابة بشارع عبدالخالق ثروت، أسبوعها الثالث، وبينما اتجه الوضع إلى نوع من التهدئة، وإرسال الإشارات الإيجابية المتبادلة بين النقابة والسلطات التنفيذية، غاب عن المشهد حتى اللحظة ملامح متبلورة للحل النهائي للأزمة، فيما تواردت إشارات حول وساطات محتملة يقوم بها برلمانيون وشخصيات عامة تطرح فيها أفكار جديدة لتجاوز المرحلة.

وساطة شرشر

يقود الإعلامي والبرلماني أسامة شرشر مبادرة لحل الأزمة الجارية، تتمثل في عقد لقاء بين رئيس مجلس النواب علي عبدالعال، ورئيس الوزراء شريف إسماعيل، ونقيب الصحافيين يحيى قلاش، يخرج بعده بيان مشترك باسم الثلاثة يؤكد على الاحترام المتبادل بين طرفي الأزمة.

وقد استقبلت النقابة وفد الوساطة البرلمانية واجتمعت معه أربع ساعات، وقررت عقب اللقاء تأجيل مؤتمر للصحافيين كان مزمعاً عقده، لإعطاء فرصة لنجاح الوساطة، كما أكدت احترامها لمؤسسات الدولة المصرية. ولم يعرف حتى اللحظة نتائج ما وصلت إليه المبادرة، وحدود تجاوب الطرفين معها.

بدأت أزمة نقابة الصحافيين باعتقال الصحافيين رئيس تحرير «بوابة يناير» عمرو بدر، والمتدرب في «البوابة» محمود السقا (الأول صحافي مشتغل، والثاني أرسلت أوراقه من فترة طويلة ليدرج في النقابة عن جريدة الكرامة الناصرية بجداول تحت التمرين)، من داخل مبنى النقابة في الثاني من مايو الجاري، بعد أن اتهما بالتحريض على تظاهرات «تيران وصنافير»، وصدرت بحقهما أوامر ضبط وإحضار من النيابة، وقد تباينت الروايات بشأن ما حدث، فبينما قالت مصادر قريبة من الداخلية المصرية إن من دخلوا النقابة من أفرادها لا يزيد على ثمانية أشخاص، لم يتعد دورهم أخذ بدر والسقا اللذين سلما نفسيهما بسلاسة، قالت مصادر الجماعة الصحافية إن قوات الأمن التي دخلت قوامها 32 شخصاً، وإنهم حطموا وكسروا داخل النقابة، كما اختلف توصيف الطرفين لما حدث، حيث اعتبره الأول (أي الداخلية) تنفيذ أمر قبض مشروع ضد متهمين صادر بحقهما أمر نيابة عامة، فيما اعتبرته الجماعة الصحافية اقتحاماً وانتهاكاً غير مسبوق.

وقد تصاعد الموقف من اللحظة الأولى للقبض على بدر والسقا، إذ هرع ليلاً مئات الصحافيين إلى مقر النقابة بشارع عبدالخالق ثروت، وأمضوا الليل هناك، في تقليد يذكّر بأيام التحرير ورابعة، ثم أعلنوا عن اعتصام انضم إليه آخرون في اليوم التالي، استمر حتى انعقاد الجمعية العمومية بعدها بيومين، التي جاءت فعالياتها ساخنة انعكاساً للاعتصام.

وقد تبنت الجمعية العمومية في اجتماعها الحاشد في الرابع من مايو 18 مطلباً احتجاجياً كان أبرزها مطلب إقالة وزير الداخلية ومنع نشر اسمه، ونشر صورته «نيجاتيف»، ووقف التعامل مع بيانات وزارة الداخلية، واعتذار رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء، والإفراج عن الصحافيين المحبوسين في اللحظة ذاتها، كما شهد محيط نقابة الصحافيين، لحظة انعقاد الجمعية العمومية، تظاهرات مؤيدة للحكومة من عناصر أطلق عليهم صحافيون ـ انتقاداً لهم ـ لفظ «مواطنون شرفاء»، تحرش بعض مشاركيها بالصحافيين المعارضين، وعلى رأسهم الصحافي ومرشح الرئاسة السابق حمدين صباحي، الذي استقبل بالهتافات المعادية لحظة دخوله النقابة.

هذا واعتبر مراقبون أن اجتماع الصحافيين رغم سخونته ترك من اللحظة الأولى باباً موارباً لحل الأزمة تمثل في نقطتين: الأولى عدم الدعوة لجمعية عمومية، بما يتضمن ذلك من خطوات (كتوجيه دعوة وتسجيل ببطاقة النقابة ومخاطبة واستدعاء جهات معينة، ومراعاة نصاب قانوني)، والاكتفاء بجعل التجمع اجتماع جمعية عمومية، والثاني الاكتفاء بتسجيل المطالب دون تثبيتها كقرارات، لكن تحليلات أخرى اعتبرت أن الدعوة لجمعية عمومية كانت مخاطرة ستؤدي لموقف أضعف للجماعة الصحافية حال عدم اكتمال نصابها، وأن هذا هو السبب في عدم دعوة مجلس النقابة إليها.

على الطرف المقابل، استقبلت الدوائر الحكومية خطوات الجماعة الصحافية بالاستهجان، واعتبروا اعتصامها ووقفات سلم النقابة تصعيداً ضد مؤسسات الدولة ذاتها، وليس ضد قرار او انتهاك أفراد لحرمة النقابة، بحسب الرأي العام الصحافي، وقد رفضت السلطات التنفيذية الرد أو التعليق على مطالب الجمعية العمومية، وزاد من تعقيد الموقف إعلان جماعة صحافية أخرى أطلقت على نفسها «جبهة تصحيح المسار» عن اجتماع مقابل برئاسة نقيب الصحافيين السابق مكرم محمد أحمد، ورئيس تحرير الأهرام محمد عبدالهادي علام، في الثامن من مايو الجاري، احتضنته جريدة الأهرام، أعلنوا فيه أن النقابة اختطفت من فريق سياسي واحد (الاشتراكيين الثوريين)، وتم تسييسها، ودفعها للوقوف ضد مؤسسات الدولة المصرية، ودعوا إلى جمعية عمومية لسحب الثقة من المجلس الحالي وإقامة انتخابات صحافية مبكرة (الانتخابات المقبلة في شهر مارس)، وكانت المفارقة أن خمسة من أعضاء مجلس نقابة الصحافيين بعضهم قدم الكلمات على منصة اجتماع الجمعية العمومية (محمد شبانة)، كانوا على منصة «اجتماع الأهرام» يعلنون تبرؤهم من اجتماع عبدالخالق ثروت، ويدعون لاسترداد النقابة من خاطفيها، وتعقّد الموقف أكثر حين رفع صحافيون دعوة لفرض الحراسة على النقابة.

وقال عضو الجمعية العمومية وأحد المشاركين في اجتماع عبدالخالق ثروت، الصحافي محمد نور، إن «حضور الصحافيين بالآلاف الى النقابة كان عفوياً، حيث اعتبروا أنهم يدافعون عن مهنتهم وعن نقابتهم ضد سلوك جديد عليهم، وهو اقتحام مبنى النقابة، أما القول بأن النقابة (تسيست) فهذا كلام لا معنى له، فالنقابة منذ قيامها لها تماس مع السياسة، وقد رفض البرلماني يوسف الجندي عند تأسيس النقابة عام 1941 نصاً مقترحاً بحظر علاقتها بالسياسة، وقال إن طبيعة المهنة تقتضي الكلام في السياسة، كما أن النقابة أخذت موقفاً في كل لحظات مصر الفاصلة في 1951 و1954 و1968، و1972، لكن يمكن القول إن الصحافيين يجب أن يرفضوا حزبية النقابة، وهذا أمر مختلف عن سياستها».

وتابع نور «أخطأت الداخلية بدخولها النقابة، والقانون لا يسمح لها، وكان يمكن أن تنتظر الزميل المطلوب خارج المبنى، أو تعتذر فتنتهي المشكلة».

وقال نور «إن مطالب الصحافيين مشروعة جداً، وهي الحفاظ على كرامتهم وأرواحهم، وحصانة نقابتهم من تغوّل البعض في السلطة التنفيذية، بما يسمح لهم بأداء دورهم الرقابي في المجتمع».

وقال وكيل نقابة الصحافيين السابق والكاتب الصحافي بجريدة الجمهورية، عبدالعال الباقوري، لـ«الإمارات اليوم» إن «السيناريو الحقيقي للحل هو أن تقف الأغلبية الصحافية معلنة رفضها ضياع النقابة بين قلة متشددة في هذا الجانب، وقوة مضادة في الجانب الآخر، المسؤولية اليوم معلقة في رقاب الأغلبية الحريصة فعلاً لا قولاً على وحدة الصف، حفاظاً على النقابة وتاريخها ومكانتها». وذكر الباقوري أن «بيان مجلس النقابة قال في السابع من مايو الجاري إن قضية الصحافيين من البداية ضد من اقتحم نقابتهم وأهانهم، وليس ضد الدولة أو أي من مؤسساتها، فالنقابة واحدة من مؤسسات الدولة تلتزم بدورها الوطني والنقابي».

وشدد الباقوري على أن سيناريو الحل «يعتمد على وقفة طويلة النفس من الصحافيين، يحددها أمران لا تفريط في أيهما، الحفاظ على النقابة والمهنة وكرامة الصحافي، وعدم الانجرار للصدام الذي تفتعله أطراف هنا أو هناك مع الدولة».

وقال عضو مجلس نقابة الصحافيين، كارم محمود، في تصريحات خاصة لـ«الإمارات اليوم» إن هناك سيناريوهين أساسيين محتملين للحل: أولهما ان تقوم لجنة الثقافة والإعلام في البرلمان بجمع كل أطراف الأزمة وعمل مصالحة بينهم، وإزالة الخلافات وأسباب الفرقة، ونقاش الأسباب الحقيقية لاقتحام النقابة، والثاني هو عقد اجتماع مشترك بين الجماعة الصحافية ورئاسة الوزراء لنقاش الأزمة، ثم إصدار بيان مشترك بين الطرفين»، مشيراً إلى أن الأزمة تتجه إلى الحل وهناك مؤشرات إيجابية تؤكد ذلك.

وقال رئيس تحرير صحيفة «الدستور» السابق الكاتب الصحافي، أيمن شرف، لـ«الإمارات اليوم» إن هناك ثلاثة سيناريوهات متوقعة لحل أزمة نقابة الصحافيين مع وزارة الداخلية: الأول هو إقرار السلطة التنفيذية بخطأ اقتحام النقابة، وهو السيناريو الأبسط والأقرب للمنطق، لكنه الأبعد احتمالاً حتى اللحظة عن الحدوث، والسيناريو الثاني هو بقاء الوضع على ما هو عليه لفترة دون حل وهو السيناريو الأقرب احتمالاً، أما السيناريو الثالث فهو حدوث دعوة من النقابة لاجتماع رسمي للجمعية العمومية وخروج هذا الاجتماع بموقف متماسك وقوي، وعدم إفساده عبر «الأساليب التقليدية في مثل هذه الحالات»، وامتداد تأثير أزمة النقابة إلى «الخارج» السياسي وليس الحقوقي فقط، وفي هذه الحالة يمكن أن يتغير موقف الحكومة باتجاه السيناريو الأول لإنهائها.

وقال رئيس لجنة الثقافة والإعلام بمجلس النواب، أسامة هيكل، إن اللجنة بصدد الانتهاء من كتابة تقريرها النهائي حول الأزمة، مؤكداً أن دور اللجنة ليس حل الأزمة، ولكن تقريب وجهات النظر بين الأطراف، ومنع أي تصعيد بين الطرفين.

وأشار إلى أنه من الضروري عدم تحويل المشكلة القانونية إلى مشكلة سياسية، لافتاً إلى أن اللجنة أوصت في تقريرها بأن ما هو قانوني يكون مكانه القضاء وهو من يفصل فيه، لأننا لا نريد خسارة أي طرف، والأمر يحتاج إلى مرونة وهدوء.
 

تويتر