إسرائيل تعزز العلاقات مع إفـــريقيا طلباً للتأييد في المحافل الدولية
يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لحشد التأييد لإسرائيل في المحافل الدولية، واختار هذه المرة القارة الإفريقية لتكون وجهته لإحياء العلاقات التاريخية بين بلاده وعدد من دول القارة السمراء. ويأتي ذلك في وقت تواجه فيه تل أبيب انتقادات من الدول الغربية، واحتمالات ضئيلة للتوصل إلى حل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني المستمر منذ عقود. ويقول مسؤولون إسرائيليون إن البلدان العربية تجتمع دائماً لاقتراح قرارات من شأنها أن تؤثر على إسرائيل في الأمم المتحدة وفي الهيئات الدولية الأخرى.
كانت علاقة إسرائيل مع الدول الإفريقية مشحونة، تاريخياً، بسبب الدعم للقضية الفلسطينية من قبل العديد من البلدان في القارة. في حين انتقد تقرير اللجنة الرباعية لعملية السلام في الشرق الأوسط، الأسبوع الماضي، النهج الذي تسلكه كل من الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية حالياً في عملية السلام، وتضم اللجنة الأمم المتحدة والولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي. ويشكل المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية عقبة رئيسة أمام حل الدولتين، ما جلب ردود فعل دولية قاسية تجاه إسرائيل.
«الإسرائيلي القبيح»
توجد حالياً 15 بعثة دبلوماسية إفريقية في تل أبيب، لكن لا يتضمن أي من هذه البعثات ملحقين عسكريين. تنظر إسرائيل إلى إفريقيا على أنها سوق محتملة للتصدير، في وقت بالكاد تستغل فيه تل أبيب هذه السوق الناشئة. وتتركز التبادلات التجارية على المعادن الثمينة مثل الماس، الذي تجلبه من جنوب إفريقيا، والأهم من ذلك، إبرام الحكومة الإسرائيلية صفقات عديدة مع دول إفريقية لبيع شحنات كبيرة من السلاح، وصلت قيمتها إلى خمسة مليارات دولار في 2015. وجذب الماس وغيره من المواد الثمينة الإسرائيليين إلى القارة السمراء، إلا أن البحث عن الموارد ولّد صورة سلبية، في بعض الأحيان، عن «الإسرائيلي القبيح» في إفريقيا. ولا يختلف الإسرائيليون عن غيرهم في هذا المجال، إذ يتبنى تجار المواد الخام الأساليب نفسها في استغلال موارد القارة، وأحياناً يحصلون على ما يريدون مقابل مساعدة الحكام المحليين على تدريب وتجهيز حراسهم الشخصيين، وتزويدهم بوسائل التنصت وأنظمة التجسس على خصومهم السياسيين. ومن الأمثلة على ذلك، العلاقة الوطيدة التي جمعت بين تاجر الماس والعقارات الإسرائيلي ليف ليفايف والرئيس الانغولي خوسيه دوس سانتوس وعائلته، إذ حصل على تسهيلات كبيرة في استخراج الماس من مناجم في البلاد. كما أصبح الإسرائيلي دان جيرتلر صديقاً مقرباً لرئيس الكونغو جوزيف كابيلا، ويعتبر واحداً من رجال الأعمال الأكثر أهمية في مجال التعدين. ورجل أعمال آخر بارز - تخلى عن جواز سفره الإسرائيلي لأسباب ضريبية ـ هو تاجر الماس، بيني شتاينمتس، الذي حصل على امتياز للتنقيب على المعادن الثمينة في غينيا، ليجد نفسه الآن رهن التحقيق من قبل السلطات الفرنسية والبريطانية والأميركية للاشتباه في تقديمه رشى لمسؤولين في غينيا. |
وتأمل تل أبيب تعزيز العلاقات مع القارة السمراء لتأمين مقعد كعضو مراقب في الاتحاد الإفريقي الذي يضم 54 دولة، في محاولة لنيل الدعم الإفريقي على المدى الطويل في الأمم المتحدة، وفقاً لتقرير صادر عن مركز جنوب إفريقيا لدراسات الشرق الأوسط وإفريقيا. وتعززت هذه الجهود الأسبوع الماضي بانتخاب إثيوبيا لعضوية مجلس الأمن، حيث يضم أيضاً مصر والسنغال. ويقول السفير الإسرائيلي السابق لدى عدد من بلدان شرق إفريقيا، أرييه عديد، «تقليدياً، صوتت الدول الإفريقية ضد إسرائيل في المحافل الدولية»، ويوضح السفير الذي يعمل زميلاً وباحثاً في «معهد هاري ترومان لأبحاث السلام»، ومقره القدس المحتلة، «يريد نتنياهو تغيير هذا الوضع بالوسائل المتاحة».
ويحاول نتنياهو جاهداً إحياء تلك العلاقات التي كانت سائدة في الستينات عندما كانت تربط إسرائيل علاقات جيدة مع دول إفريقية نالت حينها الاستقلال من الاستعمار الأوروبي. وتغير ذلك في مطلع السبعينات حين جمد عدد من الدول الإفريقية علاقاته مع إسرائيل. ومنذ 1980 بدأت تلك العلاقات تنفرج، إلا أن أكثر من 20 سنة مرت على آخر زيارة لرئيس وزراء إسرائيلي إلى القارة السمراء.
وتبدو أسباب الاهتمام الإسرائيلي المتجدد بإفريقيا واضحة، فالحكومة الإسرائيلية تبحث عن حلفاء جدد وأسواق ناشئة. فدول أوروبية مهمة مثل فرنسا تعارض بشكل متزايد الحصار الذي تفرضه تل أبيب على قطاع غزة، وسياستها الاستيطانية في الضفة الغربية. وفي ذلك يقول، «بسبب توتر العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، نحن نتطلع إلى التعاون مع الأفارقة». وتقيم إسرائيل، حالياً، علاقات دبلوماسية مع 40 دولة جنوب الصحراء الإفريقية. ولذلك يضيف السفير السابق «توجد قرارات مناهضة لإسرائيل في الأمم المتحدة أو الاتحاد الإفريقي، الأمر الذي تريد إسرائيل تغييره بمساعدة ودعم دبلوماسي من الأفارقة».
ويسير نتنياهو في هذا الاتجاه بزيارته الحالية إلى بلدان إفريقية مختارة، حاملاً معه حزمة مساعدات ووعوداً بتقديم المزيد من الدعم والمساعدات في شتى المجالات. في المقابل، صرح المسؤول الإسرائيلي بأنه يتوقع من الأفارقة «تغييرات إضافية في أسلوب التصويت داخل الأمم المتحدة على ضوء القرارات المناهضة لإسرائيل في اللجان الدولية».
مع تزايد حركات التمرد في جميع أنحاء إفريقيا، بما في ذلك المجموعات التابعة لتنظيم القاعدة و«حركة الشباب» في شرق إفريقيا، يبحث مسؤولون إسرائيليون بيع معدات عسكرية متطورة للحكومات المحلية، وأيضاً التقنيات المستخدمة في الزراعة وصيد الأسماك واستغلال الموارد المائية. ويأتي ذلك في وقت أصبحت فيه وتيرة الصادرات الإسرائيلية إلى الأسواق التقليدية في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة متقلبة.
ويرى خبير الشؤون الإفريقية في منظمة جيمس تاون الأميركية، يعقوب زاين، أن إسرائيل لا يمكن لها تقديم الكثير سياسياً للدول الإفريقية مثلما يمكن لهذه البلدان أن تفعل، ويمكن أن تساعد إسرائيل في مجالات الدفاع والتقنيات، وهذا بالتحديد ما يحمله رئيس الوزراء نتنياهو لنظرائه الأفارقة. ومن بين تلك المساعدات ملايين الدولارات التي ستستثمر في مجالات الزراعة والصحة، ولتدريب القوات الخاصة وعناصر الشرطة والجيش.
وفي هذا السياق، ومنذ أن ظهرت تنظيمات متشددة مثل «بوكو حرام» في غرب إفريقيا، و«داعش» في ليبيا، أصبحت دول مثل كينيا وإثيوبيا تهتم كثيراً بالحصول على التقنية الإسرائيلية في مجالات الدفاع والأمن، فضلاً عن تبادل المعلومات الاستخباراتية. وطلبت نيجيريا من الحكومة الإسرائيلية المساعدة في مكافحة العناصر المتطرفة، في حين حذت دول مثل كينيا وإثيوبيا وأوغندا والكاميرون حذوها، والجميع يريد من تل أبيب المساعدة في مكافحة «الإرهاب». إلا أن بلداناً أخرى مثل رواندا وإثيوبيا تتطلع إلى الحصول على تقنيات التجسس والتنصت لاستخدامها ضد المعارضين السياسيين.
وفضلت بلدان إفريقية الابتعاد عن إسرائيل، في الماضي، بسبب حروبها مع جيرانها العرب نهاية الستينات وبداية السبعينات، إضافة إلى الروابط التي كانت بين تل أبيب ونظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، الذي كان منبوذاً إفريقياً.
ووافقت الحكومة الإسرائيلية، في الآونة الأخيرة، على اقتراح يقضي بفتح الوكالة الإسرائيلية للتنمية الدولية مكاتب في البلدان التي يزورها رئيس الوزراء في هذه الجولة، بهدف تبادل الخبرات في عدد من المجالات، على رأسها التقنيات الحديثة. وخصصت الحكومة الإسرائيلية ميزانية بقيمة 13 مليون دولار لتعزيز التعاون الاقتصادي مع الدول الإفريقية، الذي يتضمن التدريب في مجالات الأمن والصحة.