«وادي قانا».. محمية فلسطين الطبيعية يشوّهها الاستيطان
«أَلَا لَيْتَ شِعْرِيَ هَلْ أَبِيْتَنَّ لَيْلَةً في وادي قانا والمياه سواقي»، ذلك لسان حال كل من يشاء له القدر بزيارة وادي قانا الواقع شمال غرب بلدة دير استيا بالضفة الغربية، إذ إن أول وأكثر شيء يجذب الانتباه الطبيعة الخضراء، وحجارة الوادي التي صقلتها المياه الجارية على مدار آلاف السنين، فكل شجرة وصخرة تحكي قصة منحوتة في عمق الذاكرة، مهما طال الزمان أو قصر.
لكن كحال الأراضي الفلسطينية كافة، فإن الجمال والطبيعة لا يكتملان، بفعل أطماع الاحتلال ضد أرضها التاريخية، والاعتداءات اليومية المستمرة بحق أهلها، لتتحول قانا بعد ان كانت من أجمل بقاع فلسطين، إلى أكثر الأماكن استهدافاً لمخططات إسرائيل، وممارسات المستوطنين.
فوادي قانا، الواقع على امتداد ثمانية جبال كبيرة، يحيطه حزام من الكراهية، حيث أقيمت على تلك الجبال تسع مستوطنات، حاصرت الوادي، وشوّهت طبيعته الخلابة، كما التهمت مساحات كبيرة من أراضيه، ولم يتبق سوى عشرات الدونمات الزراعية التي لا تسلم من اعتداءات المستوطنين اليومية.
جمال يأبى النسيان
• خلال الفترة الممتدة من 1978 إلى 1986 أقيمت مستوطنات عدة على التلال المطلّة على ضفتي الوادي، وفي الفترة الزمنية المنحصرة بين العامين 1998 و2000 أقيمت إلى جانب هذه المستوطنات بؤر استيطانية. لم يكتفِ الاحتلال بمصادرة أراضي دير استيا والقرى المجاورة لوادي قانا، وتجريف الأراضي الزراعية، وحرمان السكان الوصول إلى أراضيهم، ليصل الأمر إلى الانتقام بشكل مباشر من سكان دير استيا المالكين الأصليين لوادي قانا المحاصر بالاستيطان، حيث حرمهم كل سبل الحياة الكريمة، وأعدم جميع ملامح التحضر لديهم، ليعيش معظم السكان في القرن الـ21 حياة البدائيين. |
«الإمارات اليوم» كان لها موعد تاريخي مع محمية فلسطين الطبيعية، ففي هذا الوادي 11 عين ماء بين سفحي جبلين، وأراض خضراء ترقص تحت الشمس وعلى امتداد البصر، وزهور تتمايل مع نسائم الهواء العليل، حيث يعد الوادي من أهم المناطق الطبيعية الجديرة بالزيارة للترويح عن النفس، وذلك بسبب جغرافية المكان الخلابة.
ويقع وادي قانا في الشارع الرابط بين مدينتي سلفيت وقلقيلية بطول أكثر من ثمانية كيلومترات، حيث يقع جزء منه في دير استيا بسلفيت، والجزء الآخر يتبع بلدة جنصافوت في قلقيلية، ويسكنه عشرات العائلات التي تعتاش على الزراعة، فيما تبلغ مساحة أراضيه ما يزيد على 10 آلاف دونم.
ويعد وادي قانا بالنسبة للمواطن عبدالله بدح، من بلدة جنصافوت هو جمال الطبيعة والبيت الصغير المقام على بيارة البرتقال الممتدة على مرمى البصر، فمنذ أن فتح عينيه لم يبصر جمالاً سوى طبيعة وادي قانا، فعيون الماء الـ11 تعرفه ويعرفها، والجبال التي تبتلعها المستوطنات له معها مئات الحكايات على مدار سنوات عمره الـ70.
ولكن بدح اليوم يذوق العلقم هو وكل سكان جنصافوت، وكذلك أهالي دير استيا الموجودون بجوار الوادي.
وعن ذلك يقول بدح لـ«الإمارات اليوم»، والغصة تملأ قلبه، إن وادي قانا هو من أجمل البقاع والأراضي في فلسطين، ولنا ذكريات طفولة جميلة في هذه المنطقة، فكنا نتجمع من القرى المجاورة ومنها، جنصافوت، دير استيا، كفر ثلث، وعزون، لنسبح في برك وادي قانا.
ويضيف: لكن هذه الصور الخلابة أصبحت اليوم جزءاً من الماضي، فمعظم الينابيع جفت، ولم يتبق إلا ينبوعان أو ثلاثة وهي ضعيفة جداً، نتيجة سرقتها من قبل الاحتلال، وذلك عن طريق حفر الآبار الجوفية، بالإضافة إلى إقامة العديد من المستوطنات المحيطة للمنطقة.
مصادرة
في الأعوام الممتدة بين 1978 و1986 أقيمت مستوطنات عدة على التلال المطلة على ضفتي الوادي، وفي الفترة الزمنية المنحصرة بين العامين 1998 و2000 أقيمت إلى جانب هذه المستوطنات بؤر استيطانية، وقد ضخت مياه مجاريها إلى الوادي، لتضر جداوله وينابيعه ومصادر المياه التي يعتمد عليها المزارعون.
وتوسعت المستوطنات التي تحيط بوادي قانا، حتى بلغ عددها تسع مستوطنات، ما بين مستوطنات كبيرة، وبؤر استيطانية، فمستوطنتاعمانوئيل ونوف قانا تمتدان من غرب الوادي إلى مستوطنة نفيه مناحم، وتجمع شمرون الاستيطاني، الذي يضم مستوطنتي جينات شمرون وكرنيه شمرون، بينما تقع مستوطنة الماتان في الجهة الشرقية، أما من الجهة الجنوبية لقانا فتقام مستوطنات نوفيم، وياكير A، وياكير B.
وكانت آخر ممارسات الاحتلال بحق الفلسطينيين المجاورين لوادي قانا، إصدار الاحتلال قراراً نهائياً، يقضي بمصادرة المزيد من أراضي دير استيا، لتوسعة مستوطنة ياكير المقامة على أراضي القرية.
وعن ذلك يقول رئيس بلدية دير استيا سعيد زيدان، لـ«الإمارات اليوم»، فوجئ الأهالي والمؤسسات بوجود إعلان نهائي بشأن مصادرة مساحات من أراضي البلدة، لمصلحة توسعة مستوطنة ياكير، علماً أن المستوطنة أقيمت في ثمانينات القرن الماضي على أراضي المواطنين، وأجزاء من المحمية الطبيعية في وادي قانا.
ويضيف: في الوقت الذي يحظر على الأهالي زراعة شجرة في أراضيهم، وتهدم السواتر الحجرية المقامة بينها وبين المواطنين، تسمح قوات الاحتلال بالمزيد من البناء الإسمنتي على حساب المحمية الطبيعية، حيث يتم قطع وإزالة مئات الأشجار الحرجية في وضح النهار، دون أي اعتبار لكون المنطقة محمية طبيعية.
ويشمل قرار المصادرة الأخير، بحسب زيدان، أراضي مملوكة ملكية خاصة لسكان دير استيا، إضافة إلى مساحات من المحمية الطبيعية.
اعتداءات يومية
لا يمر يوم إلا يتعرض فيه سكان وادي قانا لاعتداءات المستوطنين الذين يخرّبون أراضيهم الزراعية بحماية الجيش، ويسرقون أنابيب ري المزروعات، بينما تمنع سلطة البيئة الإسرائيلية المواطنين من الزراعة في هذه المنطقة في الوقت الذي تتوسع فيه المستوطنات على قمم جبالها. كما دمرت قنوات الري في أراضي المواطنين، بحجة أنها مخالفة لقوانين استخدام الموارد الطبيعية، مع العلم أن منسوب مياه وادي قانا قد انخفض بشكل كبير، جراء سياسات حفر الآبار من قبل السلطات الإسرائيلية، ما أثر في الزراعة في الوادي بشكل كبير.
ويقول المزارع أبومازن عواد من دير استيا لـ«الإمارات اليوم» بعد أن طرح فأسه أرضاً، وجلس في فيء شجرة برتقال، «بالأمس القريب تخلصنا من مياه الصرف الصحي التي كانت تصبها المستوطنات من قمم الجبال إلى أراضي الوادي على مدار سنين طويلة، والتي كانت تحول الوادي إلى مكرهة صحية آنذاك، لكننا، مازلنا نعاني حملات قطع الأشجار التي تتصاعد ما بين فترة وأخرى، وتنفذها جرّافات الاحتلال».
ويضيف: كل حملة اعتداء تقضي على آلاف الأشجار دفعة واحدة، لنفاجأ بإخطارات هدم إسرائيلية ورقية تقضي بإخلاء أراضينا وتدمير أشجارنا، ليضيع جهدنا المبذول على مدار سنوات طويلة خلال ساعات معدودة.
حياة بدائية
لم يكتف الاحتلال بمصادرة أراضي دير استيا والقرى المجاورة لوادي قانا، وتجريف الأراضي الزراعية، وحرمان السكان الوصول إلى أراضيهم، ليصل الأمر إلى الانتقام بشكل مباشر من سكان دير استيا المالكين الأصليين لوادي قانا المحاصر بالاستيطان، حيث حرمهم كل سبل الحياة الكريمة، وأعدم جميع ملامح التحضر لديهم، ليعيش غالبية السكان في القرن الـ21 حياة البدائيين.
ويقول رئيس بلدية دير استيا، «إن سكان وادي قانا من أهالي دير استيا يعيشون حياة بدائية، حيث يحظر الاحتلال عليهم استخدام الإسمنت والطوب المصنع في بناء غرف جديدة تقيهم برد الشتاء وحر الصيف».
ويضيف: من يشاهد المواطنين داخل مساكن بدائية مصنوعة من حجارة الوادي، ومن فوقها ألواح الزينكو التي تتطاير مع هبات الرياح، لا يصدق أن أحداً يعيش هذه الحياة في القرن الـ21، وفي المقابل يوفر الاحتلال رفاهية عالية لسكان المستوطنات التي لا تبعد عن أماكن سكن المواطنين 500 متر فقط.