الأكراد أخطأوا الحسابات عندما اجتازوا نهر الفرات

الاتفاق الروسي التركي يحطــم المشروع الكردي في سورية

صورة

دخلت الدبابات التركية إلى سورية بعد سنوات من الترقب والتردد، وجاء ذلك بعد أن تأكدت أنقرة من نوايا أكراد سورية في إقامة كيان منفصل في شمال البلاد. وتنوي تركيا إقامة منطقة عازلة من خلال دعم المعارضة السورية، بهدف وقف تقدم المسلحين المتطرفين والمقاتلين الأكراد على حد سواء.

يقول القائد الميداني في الجيش الحر، أحمد عثمان، «نريد أن ننظف المنطقة الحدودية، التي تمتد من الراي وجرابلوس، من مقاتلي تنظيم «داعش» الارهابي، قبل أن نتحرك جنوباً إلى (منطقة) الباب، مضيفاً «هذا هو آخر معقل للتنظيم القريب من حلب ومنبج»، وفي شمال سورية، تتغير جغرافية المعارك بشكل سريع مع دخول الوحدات التركية، التي تهدف إلى منع قيام كيان كردي مستقل، في هذه المنطقة الحدودية التي وصفها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بـ«ممر للإرهاب».

ويبدو أن وحدات حماية الشعب الكردي هي الخاسر الأكبر في إعادة الصياغة الجديدة للأوضاع على الأرض، وفقاً لدبلوماسي فرنسي يتابع تطورات الحرب السورية منذ البداية، «كان ينقصهم الواقعية. لقد ذهبوا بعيداً جداً»، ويعتقد الدبلوماسي، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، «لقد خسروا الرهان».

تساؤلات عن علاقة الولايات المتحدة بالمشروع الكردي

يوجّه محللون انتقادات للقيادات الكردية، ويقولون إن الانهيار الذي تعيشه المنطقة هو نتيجة الإصرار على نموذج الدولة القومية دون الأخذ في الحسبان الظروف السياسية والاستراتيجية الراهنة.

وأثيرت تساؤلات عدة عن علاقة الولايات المتحدة بالمشروع الكردي، وعن سبب وجود قوات أميركية، وربما قواعد عسكرية في مناطق يسيطر عليها الأكراد. في المقابل، يقول مسؤولون أكراد، إن هناك مجموعات عسكرية أجنبية تقيم في بعض المناطق من أجل القيام بعملية التنسيق ما بين «وحدات حماية الشعب الكردي» أو «قوات سورية الديمقراطية» وبين قوى التحالف، من خلال اتصالات يومية من أجل محاربة تنظيم «داعش».

وتملك أنقرة أوراق ضغط مؤثرة، فاستئناف العلاقات مع روسيا، وتشكيل اللجنة العسكرية للتعاون العسكري والاستخباراتي والسياسي الذي حظي بتأييد واشنطن، منح الحكومة التركية ورقة سياسية مهمة تستطيع بها التهديد بوقف التعاون مع أميركا، إذا سمحت للأكراد بتشكيل إقليم مستقل على حدودها مع سورية.

بعبور الفرات، يكون الأكراد قد اجتازوا الخط الأحمر بالنسبة لأنقرة، والذي تم رسمه أيضاً من قبل حلفائهم الأميركيين. ومنذ عبورهم، كررت تركيا مرات عدة مطالباتها للوحدات الكردية بالعودة إلى شرق الفرات، في وقت تمسك الأكراد بموقفهم. ونظراً للدعم الأميركي الكبير، بما في ذلك وجود 400 مستشار عسكري إلى جانب المقاتلين الأكراد، فإن هؤلاء شعروا بأن لا أحد يقف في طريقهم.

يقول المعارض السوري هيثم مناع: «عندما ذهبت لمقابلتهم (قادة الوحدات الكردية)، في الربيع الماضي، قلت لهم إنه إذا جرت الرياح في صالحكم عسكرياً، هذه المرة، فلا يجب الذهاب غرباً والمطالبة بالفدرالية». وقد تبنت وحدات الحماية الكردية نهجاً عسكرياً متشدداً يقضي بالذهاب إلى النهاية، التي يتحقق عندها الحلم الكردي بالاستقلال وإنشاء كيان خاص. ويوضح مناع «الذين يُملون عليهم التعليمات، هم المقاتلون الأكراد الذين حاربوا الجيش التركي في التسعينات انطلاقاً من كردستان العراق،» مضيفاً «هؤلاء المقاتلون أنفسهم كانوا ضد بشار الأسد في بداية الانتفاضة الشعبية». مهما يكن، فإن مصير المقاتلين الأكراد يبقى بيد حليفهم الأميركي، الذي طالبهم بالانسحاب إلى شرق الفرات، ويشعر قادة الأكراد بأنهم تعرضوا للخيانة، مرة أخرى، من قبل الولايات المتحدة.

تغيّر مفاجئ

بينما فتح الأكراد مكتباً يمثلهم في باريس وموسكو، قبل اشهر، تغيرت المعطيات بشكل مفاجئ، بعد فشل المحاولة الانقلابية في أنقرة.

وقبل أسابيع التقى أردوغان بنظيره الروسي فلاديمير بوتين، ليكون بذلك نهاية للحلم الكردي في شمال سورية. ويقول دبلوماسي فرنسي آخر، طلب عدم الكشف عن اسمه، إن هناك «اتفاقاً تركياً روسياً وإيرانياً لتحطيم المشروع الكردي». وتكللت جهود التقارب بين موسكو وأنقرة بلقاءين بين ضباط من المخابرات السورية ونظرائهم الأتراك، وفقاً لتقارير صحافية، وجرى أحد اللقاءين برعاية روسية مباشرة. وتقول بعض المصادر، إن لقاء قمة بين الرؤساء الثلاثة (بوتين وأردوغان وبشار الأسد)، سيجري في الـ20 من سبتمبر.

خلال هذه المحادثات التي نسفت المشروع الكردي، تمكنت موسكو من الضغط على أنقرة للقبول ببقاء الأسد في الحكم لفترة انتقالية، في المقابل سيتم إنشاء جيش حر جديد في شمال سورية. وقد أكد مسؤول في الأمم المتحدة وقيادي في المعارضة السورية، أن أنقرة تنوي إغلاق الملاذ الذي فتحته لصالح الثوار المناوئين للأسد، الأمر الذي يعني تخفيض المساعدات المخصصة للجيش الحر. أما في ما يتعلق بمدينة حلب وضواحيها، فيقول المسؤول في الأمم المتحدة، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، إنه لم يتبين بعد ما إذا كان الروس والأتراك اتفقوا على أي من الأمرين: إما الاستيلاء عليها من قبل القوات الموالية للأتراك، أو ترك الأمور على ما عليها لصالح قوات الأسد. وفي الميدان، تقدمت قوات النظام في حلب واسترجعت المدرسة العسكرية، لتعزز بذلك موقعها في ثاني أكبر المدن السورية.

اتهامات متبادلة

يشترك أكراد سورية، بمن فيهم قيادات وحدات حماية الشعب الكردي، مع حزب العمال الكردستاني الذي تعتبره أنقرة تنظيماً إرهابياً، في طموح تأسيس اتحاد كونفدرالي يتمتع بحكم ذاتي، في وقت تنفي فيه وحدات الحماية اتهامات تركيا بأنها امتداد لحزب العمال الكردستاني.

في غضون ذلك، وسع حزب العمال الكردستاني ميدان القتال، من حرب العصابات في المناطق الجبلية إلى حرب المدن، في قلب المدن التركية ذات الغالبية الكردية، بما في ذلك مدينة ديار بكر. إلا أن التهديد الأميركي الأخير أرسل رسالة محبطة وخطيرة لا للأكراد في سورية فحسب، وإنما للشعب الكردي الذي اعتمد على الإدارة الأميركية لكي تقف إلى جواره، مُقراً بأن القوات الكردية في سورية تطمح إلى تكوين إقليم مستقل.

يقول مراقبون لشؤون الشرق الأوسط إن أنقرة تريد التوصل إلى صيغة اتفاق مع الأسد وحليفيه الرئيسين (وروسيا وإيران)، الأمر الذي يساعدها على شن حرب واسعة النطاق ضد الأكراد. وفي خضم ذلك، تعمل الحكومة التركية جاهدة، على تفادي ارتكاب أخطاء أخرى، ومن أهم هذه الأخطاء، وفقاً للمراقبين، السماح للعديد من المجموعات والتنظيمات باستخدام حدودها، وإنشاء ملاذات آمنة من أجل الحصول على الدعم اللوجستي. وقد شهدت الأراضي التركية ميلاد عشرات التنظيمات المناهضة لحكم الأسد. وتكون أنقرة بذلك، قد ساعدت تلك المجموعات من خلال توفير عامل الاستقرار والتمويل، الأمر الذي عزز أيضاً قوة تنظيمات إرهابية مثل «داعش»، وباتباع هذه السياسة، تمكن الأكراد من فتح ممر كبير في منطقة شمال سورية، وكان ذلك خطأ استراتيجياً كبيراً.

وتحاول أنقرة كسب موسكو وطهران من أجل تنفيذ استراتيجيتها الجديدة ضد الأكراد، إلا أن لكل من العاصمتين مصالح خاصة وحسابات مختلفة في سورية، ومن المستبعد أن يتوصل الأطراف الثلاثة إلى اتفاق شامل، بخصوص سورية، على المدى البعيد.

تويتر