الأكراد يتخوّفون من نزاع مسلـح بعد التحرير
مع اقتراب المعركة الفاصلة لاسترجاع مدينة الموصل الاستراتيجية، تزداد التكهنات حول رد فعل مقاتلي تنظيم «داعش» المتطرف، الذين يسيطرون على المدينة ويعتبرونها عاصمة لهم. ويقول كبار العسكريين في قوات البشمركة إن المتشددين لن يلقوا السلاح ويلوذوا بالفرار، قبل وصول القوات الكردية والجيش العراقي وقوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة، والأمر لن يكون سهلاً. وفي ذلك يقول الجنرال جمال محمد عمر، وهو قائد القوات الكردية المشتركة، إن عناصر التنظيم «سيقاتلون حتى الموت».
القوات اللازمة استعادة الموصل تعد صيداً سياسياً ثميناً بالنسبة للحكومة العراقية التي تواجه انتقادات واسعة، منذ أكثر من عامين، وتنامياً في مشاعر الكراهية ضدها بسبب هجمات تنظيم «داعش» المتطرف في بغداد وما حولها، كما تتهم حكومة حيدر العبادي بالفشل الذريع في محاربة الفساد. أما قائد القوات الأميركية البرية في العراق، الجنرال غاري فولسكي، فيرى أن تحدي العراق الأكبر يكمن في «توفير القوات اللازمة لتحرير الموصل»، موضحاً «إن أردت استقدام بعض الجنود من الأنبار وإرسالهم إلى الموصل، يجب عليك أن تضع أحداً ما مكانهم هناك»، مشيراً إلى هشاشة الوضع في الأنبار. وتعرض الجيش العراقي لضربة قوية بعد أن لاذ مئات الجنود بالفرار من الموصل أمام اكتساح مقاتلي «داعش» وفقد الجيش بالتالي ثلث قواته. وتبين في الأشهر التالية أن عشرات الآلاف من الجنود المسجلين لا وجود لهم أصلاً، بل مجرد أسماء يقبض رواتبها القادة في الجيش. منذ ذلك الوقت والجيش آخذ رويداً رويداً في إعادة بناء نفسه، فيما ازدادت قوة الميليشيات الشيعية والأكراد. |
وفي انتظار هذه المعركة الحاسمة يجري قادة البشمركة مفاوضات سياسية مع القادة العراقيين الذين لا يثقون بهم حول مستقبل لا يمكن توقعه. ولكن ما سيحدث خلال وبعد المعركة هو ما يدور في أذهان الجميع. ومع اقترابها يشعر الأكراد بأنهم الآن على طريق تؤدي إلى ما بعد هزيمة «داعش»، ربما إلى الوجهة النهائية: استقلال المنطقة الكردية.
حتى ذلك الحين، فإنهم يتعاونون مع الحكومة العراقية، حيث التقى مسؤولون عراقيون وأميركيون وأكراد، الأسبوع الماضي، في أربيل، في أحدث مفاوضات بين الأطراف الثلاثة، وصفها المتحدث باسم قوات التحالف بأنها «خطوة رئيسة نحو الموصل»، وقال مسؤولون في واشنطن إن العملية يمكن أن تبدأ في أقرب وقت، ربما منتصف أكتوبر. والبلدات المحيطة بالمدينة يجري تحريرها بالفعل.
يقول القيادي العسكري الكردي، جمال محمد «نحن مستعدون»، مضيفاً «إذا حررنا الموصل سننتهي من (داعش) ونقضي عليه تماما».
وتوغلت القوات العراقية في وسط الشرقاط، الخميس الماضي، وهي بلدة جنوب الموصل وأربيل على طول نهر دجلة؛ بالقرب من القيارة الغربية، التي يوجد فيها المطار المهم الذي أصبح قاعدة عسكرية رئيسة لحشد القوات الأميركية والعراقية وقوات التحالف، التي تشمل وحدات المدفعية الفرنسية. وقد مارست القيادة الأميركية في بغداد تعتيماً إعلامياً على القاعدة، إذ إن للأميركيين خبرة قتالية كبيرة في هذا البلد. ومثّل وجودهم أمراً حيوياً لنجاح البشمركة في ردع المقاتلين المتطرفين، وفقاً لعدد من الضباط الموجودين في معسكر بني سلاوة، وفي مكاتب وزارة البشمركة في أربيل.
دعم عسكري
«مازلنا جزءاً من العراق بالاسم فقط» يوضح جمال محمد «لم نحصل على أي دعم عسكري من حكومة بغداد، وعندما زحف مقاتلو (داعش) إلى المنطقة «يضيف الضابط الكردي» حاول العديد من الدول مساعدتنا، لكن عندما تعلق الأمر بمساعدة قوات البشمركة؛ توقفوا (العراقيون)»، ويقول القائد الميداني إن الحكومة العراقية لم تقدم أي مساعدة عسكرية للبشمركة طوال عامين.
وبدلاً من ذلك، كانت القوات الكردية تشاهد المتطرفين وهم يدخلون الموصل ويستولون على الأسلحة التي تركها الجنود العراقيون وراءهم. والآن هم بحاجة إلى جيوش التحالف الغربية كي ترسل لهم المزيد من الأسلحة، بما فيها الثقيلة، لمواصلة القتال وتأمين كردستان. ويقول جمال محمد «لا أحد يدري، ربما سنواجه عدواً آخر مثل (داعش) لذلك نحن بحاجة إلى الاستعداد من أجل مواجهة أي طارئ».
في الوقت الراهن، يقوم المقاتلون الأكراد بعملهم من خلال إنشاء ممرات للجيش العراقي، للمضي قدماً في وسط الموصل، وفقاً لقادة البشمركة، وتسليم الأراضي التي يحصلون عليها للجيش، في انتظار أي اتفاقية قبل بدء المعركة. وهم يعرفون، في ما يبدو، ما هو على المحك بالنسبة لمستقبل كردستان.
«إن مشاركتنا في عملية الموصل محفوفة بالمخاطر» يقول القيادي الكردي جمال محمد «نحن لا نريد حرباً داخلية بين الأكراد والعراق في الموصل»، مشيراً إلى بعض الجهات التي تحاول زرع الفتنة بين الشعبين، «لقد كان خياراً جيداً بالنسبة لنا ألا ندخل الموصل». والمعركة حسب محمد ليست ضد العراق ولكن ضد عدو مشترك: تنظيم «داعش».
حروب أهلية
أما المتحدث باسم وزارة البشمركة في أربيل، العميد هلكورد حكمت، فيقول «لا نريد أن نرى حروباً أهلية بين الأقليات بعد تحرير الموصل»، موضحاً «نريد لأبناء المدينة أن يقرروا كيف ينوون تسيير شؤون المدينة».
أولاً، يجب استعادة الموصل، عاصمة التنظيم، على بعد 40 ميلاً من هنا.
وإلى الغرب من أربيل، في معسكر تدريب بني سلاوة، تقوم القوات الإيطالية والألمانية بتدريب ألوية من مقاتلي البشمركة الجدد والقدامى. ويقول أحد المدربين الغربيين - ليس أميركياً - طلب عدم الكشف عن اسمه، لأنه غير مخوّل بالتحدث إلى وسائل الإعلام، إن برنامج التدريب بدأ منذ أن انضم إلى الوحدة في 2014. ويشمل البرنامج حالياً، مكافحة العبوات الناسفة وجمع المعلومات الاستخباراتية.
ومن بين المتدربين، الملازم أول نوزاد أمجد، الذي يتلقى التدريبات ضمن فصيل يضم 33 رجلاً. وقد جاء أمجد من الخطوط الأمامية ليتلقى التعليمات الميدانية، على مدى 10 أسابيع، في مجالات مختلفة، بدءاً من الاقتحامات في المدن إلى الحرب الإلكترونية والاتصالات ومكافحة الألغام، «المعنويات عالية جداً» يقول الضابط الشاب، «إنهم يعرفون من أجل ماذا يقاتلون».
ويقول أمجد (30 عاماً) إن التدريبات المقدمة من قبل التحالف بقيادة الولايات المتحدة حققت «فرقاً كبيراً» مضيفاً «لأننا هنا لا نتلقى أي مساعدة من قبل الحكومة العراقية، فهي لا تدعم البشمركة، لذلك كل الدعم الذي نحصل عليه يأتي من الأميركيين وقوات التحالف»، في المقابل، يعرب الضابط الصغير عن قلقه من أن الغرب سيتخلى عن الأكراد عندما لا تعود هناك حاجة إليهم.
يقول قائد سرية كردية، النقيب طارق فريق، وهو يراقب المستشارين العسكريين الإيطاليين وهم يعلّمون رجاله كيفية اتخاذ مواقع إطلاق النار وارتداء قناع غاز، وإطلاق النار وإعادة تحميل البنادق الأميركية الصنع «البشمركة يقاتلون الإرهابيين نيابة عن العالم كله». وأضاف فريق، الذي عمل سابقاً صحافياً «الأكراد يحاربون الاعتداءات» ويعتبر المقاتلين الأكراد جيدين في ذلك إلا أنهم في حاجة للمعدات، وهو أيضاً يريد بقاء الأميركيين وجنود التحالف في منطقته.
ويقول فريق «نأمل أن يبقوا هنا لدعمنا، وأن يستمروا في ذلك، لأننا نعيش في منطقة جغرافية مليئة بالصراعات»، مضيفاً «سنحتاج إلى دعم التحالف دائماً».