«جاستا» يُلحق الضرر بأميركا أكثر من الآخرين

أقرّ الكونغرس الأميركي بشكل نهائي، منذ أيام، القانون الذي يسمح لأسر ضحايا هجوم 11 سبتمبر 2001، الذي حمل اسم «قانون جاستا»، بمقاضاة المسؤولين السعوديين على الأضرار التي لحقت بهم، على الرغم من استخدام البيت الأبيض حق النقض ضد مشروع القانون.

ويتخوف مراقبون ومحللون في صحف أميركية وغربية ومراكز أبحاث من تأثير أي توتر في العلاقات السعودية - الأميركية في المنطقة العربية.

يأتي إقرار القانون ليمثل ضربة موجعة للعلاقات بين الولايات المتحدة وحليفتها التقليدية المملكة السعودية، وهو ما يستلزم إعادة تقييم التحالفات العربية في الداخل الأميركي، وطبيعة دورها في التأثير في دوائر صنع القرار بالولايات المتحدة.

جدير بالذكر أن لجنة تحقيق كانت قد أصدرت تقريراً في 2004 أكدت فيه أنه لا يوجد دليل على تورّط المملكة العربية السعودية (كدولة) ولا أي من المسؤولين الكبار في الحكومة السعودية، في تمويل تنظيم «القاعدة» ودعم الهجمة التي نفذها ضد الولايات المتحدة، لكنّ جزءاً من التقرير ظل سرّياً سنوات طويلة من دون معرفة السبب.

ولتسليط الضوء على الآثار السلبية، المترتبة عن هذا القانون، على الولايات المتحدة ودول العالم ككل، فإننا نستعرض وجهتي نظر لكاتبين أميركيين، تشرحان الظروف والملابسات التي أحاطت بصدور «جاستا»، والنتائج المتوقعة في حال الشروع في تطبيقه.

رفض الرئيس الأميركي، باراك أوباما، مشروع قانون «العدالة ضد رعاة الإرهاب»، المعروف باسم «جاستا»، واستخدم حق النقض، يوم الجمعة قبل الفائت، إلا أن الكونغرس وعد بتجاوز الفيتو الرئاسي لأول مرة منذ تولي أوباما منصبه.

بسبب الاعتقاد السائد عند عائلات ضحايا 11 سبتمبر، بأن السعودية كانت وراء الهجمات، على الرغم من أن «لجنة 11 من سبتمبر» قالت خلاف ذلك، تم تمرير «جاستا» في الكونغرس الأميركي وسيلةً لجعل الحكومة السعودية ومواطنيها يدفعون ثمن ما قام به تنظيم «القاعدة». وكان ذلك نقيض معاملة الكونغرس لإيران، وهي دولة مصنفة ضمن رعاة الإرهاب، بالموافقة على الاتفاق النووي المزمع توقيعه.

مجلس النواب والشيوخ يريد الآن أن يظهر صرامته على الإرهاب في موسم الانتخابات، لذلك سارع الأعضاء بتمرير مشروع القانون، من دون نقاش ودراسة متأنية للآثار المترتبة عن تطبيقه. وتماماً مثل الاتفاق مع إيران، سيكون «جاستا» خطيراً جداً ومكلفاً للغاية، لأميركا ولبقية العالم.

يقول مؤيدو القانون إنه رسم بشكل ضيق، ويستهدف فقط السعوديين، لا أحد يشك في أن المحاكم الأميركية ومحامي التعويضات قادرون على توسيع تطبيق أي قانون رسم على نطاق ضيق.

يقول السيناتور جون كورنين، وهو أحد رعاة القانون: «من المهم بالنسبة لنا أن نرسل رسالة مفادها أن الشر لا يسود»، مضيفاً «لقد وقف الأميركيون من جميع الخلفيات معاً في عرض جميل من الوطنية والأخوة، في أعقاب يوم 11 سبتمبر المروع».

لكن الأسوأ من ذلك أن القانون يستهدف الولايات المتحدة أيضاً، من أجل السماح لمواطنينا بمقاضاة دولة أجنبية في محكمة مدنية أميركية، يلغي «جاستا» مبدأ الحصانة السيادية، والدول الأخرى تخشى هذا.

على سبيل المثال، قال البرلمان الهولندي إن القانون الجديد هو «انتهاك صارخ وغير مبرر للسيادة الهولندية»، وسيرد العديد من الدول قريباً بنسخ خاصة من «جاستا»، وتحاكم الولايات المتحدة عن رعاية الإرهاب في أفغانستان وسورية والعراق وغيرها من ساحات القتال. وقد وعد بالفعل رئيس المشروع الوطني العراقي، الشيخ جمال الشاري، بمقاضاة الحكومة الأميركية بتهمة الإرهاب في العراق، إذا أصبح «جاستا» قانوناً، وهو بصدد حشد «كبار المحامين والقضاة العراقيين جنباً إلى جنب مع العديد من القانونيين الدوليين».

مصادرة الأصول

تستفيد الولايات المتحدة من الحصانة السيادية أكثر من أي دولة أخرى، لأننا نتحرك ونؤثر في بلدان أكثر من أي جهة أخرى، وتطبيق القانون الجديد يعني أن الدبلوماسيين والجنود الأميركيين سيتابعون قضائياً في العراق، والمحاكم الأجنبية الأخرى، ما يشل قدرتنا على تنفيذ السياسات الخارجية والدفاع عن أمننا القومي. وسيؤثر المحامون والجهات القضائية في العديد من الدول، في ما نقوم به في كل مكان من العالم، ومن ثم مقاضاتنا إذ فعلنا ذلك. النواب والشيوخ الذين فتحوا صندوق «باندورا» يدركون بالتأكيد أن الولايات المتحدة لديها أكثر بكثير من الأصول الأجنبية مقارنة بالسعودية، وستتم مصادرة تلك الأصول العامة والخاصة في المحاكم الأجنبية، التي توفر حماية أقل بكثير ضد الدعاوى القضائية غير المسؤولة، مقارنة بالمحاكم الأميركية.

يمثل محامو التعويضات عائلات ضحايا 11 من سبتمبر على أساس طارئ. وهذا يعني أنهم يعملون مجاناً، ولكنهم يحصلون على ما يصل إلى 30% من كل ما حصل عليه عملاؤهم. عيون هؤلاء المحامين تنصبّ على المال، ويعتقدون أنه في مغارة علي بابا. وإذا تم الاستيلاء على الأصول الأميركية في أنحاء العالم، في نهاية المطاف، بموجب القانون، فإنهم سيقولون إنها مجرد مشكلة تخص شخصاً آخر.

لذلك يبقى السؤال، هل سيحافظ السعوديون على موقفهم الحالي، أم سيقدمون على بيع أو نقل أكبر عدد ممكن من أصولهم في أسرع وقت ممكن خارج الولايات المتحدة؟ وهل سيتخذون تدابير اقتصادية أخرى؟ إذا كان الكونغرس قد ناقش قانون «جاستا» بشكل صحيح، فسيعلم الرأي العام ما يمكن للسعوديين فعله لاقتصادنا وقيمة الدولار.

أول شيء يتعين على الجيل الجديد من القادة في السعودية النظر فيه، هو فك الارتباط بالدولار. لقد تضاءلت احتياطيات العملة الأجنبية في المملكة، وعانى السعوديون من ارتفاع تكاليف واردات الغذاء نتيجة لهذا الارتباط. قد يقررون الآن وضع حد لهذا، بعدم تحديد سعر النفط بالدولار. هذه الإجراءات الحكيمة، بطبيعة الحال، لها تأثير في موقف الدولار كعملة احتياطية أولى في العالم.

سرية تامة

أصبحت السعودية مالكاً رئيساً للسندات الأميركية بعد لقاء بين الرئيس فرانكلين روزفلت، والملك عبدالعزيز آل سعود، في فبراير 1945. وظل الأمر طي الكتمان حتى إقرار قانون «بلومبيرغ» لحرية المعلومات. الصفقة التي أبرمت كانت بسيطة؛ تشتري الولايات المتحدة النفط السعودي، نظير تقديم المساعدات والمعدات العسكرية للمملكة، في المقابل وافق السعوديون على ضخ المليارات من الدخل القومي في سندات الخزانة لتمويل الإنفاق الأميركي. أصر الملك عبدالعزيز على أن يبقى هذا الاتفاق في «سرية تامة،» ولم يكن يريد الآخرين أن يعرفوا بتحالفه الوثيق مع الولايات المتحدة.

هذا التحالف الآن في خطر بسبب «جاستا»، القانون الذي لا تحتاج إليه عائلات 11 من سبتمبر أصلاً. وبموجب القانون القائم تمكنت محاكمنا من توجيه الاتهام لإيران برعاية الأعمال الإرهابية، مثل تفجير أبراج الخبر، وقد منحت طهران نحو ملياري دولار تعويضاً للضحايا وأسرهم. لسوء الحظ، وعلى الرغم من حكم المحكمة العليا لتلك الأحكام، فإن طهران تحظى بدعم إدارة أوباما، والبيت الأبيض لن يسمح بأن تقتطع هذه المدفوعات من أرصدة إيران التي لاتزال مجمدة هنا.

تلك المحاكم نفسها لم تتوصل إلى إدانة المملكة برعاية الإرهاب. ومع ذلك استهدف أعضاء الكونغرس المعنيين بصورتهم في فترة الانتخابات، استهدفوا حليفاً قوياً، بدلاً من إيران، وبذلك وضعوا اقتصادنا وأمننا القومي في خطر.

دعونا نأمل أن يتم تجاوز آثار تجاهل الكونغرس لفيتو الرئيس، وعدم إجبار السعوديين على الانضمام إلى إيران في الصراخ «الموت لأميركا».

شيت نايجل  خريج مركز القانون بجامعة جورج تاون، وعميل سابق في وكالة الاستخبارات المركزية، والمعلق على شؤون الشرق الأوسط.

 

الأكثر مشاركة