الكونغرس الأميركي يحقق «انتصاراً وهمياً»
صوّت مجلس الشيوخ الأميركي، أخيراً، لصالح قانون «العدالة ضد رعاة الإرهاب»، أو ما يعرف اختصاراً باسم «جاستا»، ويكون المجلس بذلك قد تجاوز حق النقض الرئاسي، لأول مرة منذ انتخاب الرئيس باراك أوباما، الذي عارض بشدة اعتماد هذا القانون. ويعد «جاستا» مثالاً نادراً على التعاون بين الحزبين، والتصويت بالإجماع في مجلسي النواب والشيوخ دون قدر كبير من النقاش. ويشيد النواب الذين قدموا مشروع القانون بالانتصار المهم للعديد من العائلات الأميركية التي تسعى لتحقيق العدالة بعد فقدان أحبائهم على أيدي المهاجمين، ما يبرهن على أن البرلمان الاميركي قد أقر القانون وفقاً لدواعٍ أميركية داخلية.
يقول السيناتور جون كورنين، وهو أحد رعاة القانون، ويواجه مشكلات انتخابية داخلية، معلقاً: «من المهم بالنسبة لنا أن نرسل رسالة مفادها أن الشر لا يسود،» مضيفاً: «لقد وقف الأميركيون من جميع الخلفيات معاً في عرض جميل من الوطنية والأخوة، في أعقاب يوم 11 سبتمبر المروّع».
مع مثل هذه الكلمات القوية والوعود الكبيرة، وضع السيناتور كورنين «جاستا» باعتباره إنجازاً تشريعياً مهماً، إلا أن القانون يستدعي تحليل ما وراء العنوان الجذاب، فالنصف الأول من القانون ليس أكثر من مجرد ديباجة حول خطورة الإرهاب، ودعوة مقابلة لمساءلة الدول التي تدعم الأنشطة “الإرهابية”:
يقول البند السابع من القانون: «الولايات المتحدة لديها مصلحة حيوية في توفير الوصول الكامل إلى نظام القضاء للأشخاص والكيانات المصابين، نتيجة للهجمات الإرهابية التي ارتكبت في الولايات المتحدة، من أجل رفع دعاوى مدنية ضد الأشخاص والكيانات، أو البلدان التي قدمت عن علم أو بإهمال، الدعم المادي أو الموارد، بشكل مباشر أو غير مباشر، إلى أشخاص أو منظمات مسؤولة عن إصابات هؤلاء الأشخاص أو الكيانات». إذاً، ماذا يعني كل هذا؟
سيترتب عن «جاستا» ما يسمى «موضوع الاختصاص» في المحاكم الاتحادية الأميركية عن الدعاوى المدنية ضد أي دولة ذات سيادة، «تقدم الدعم المادي أو الموارد، عن علم أو بإهمال، وبشكل مباشر أو غير مباشر، للأشخاص أو المنظمات التي تشكل خطراً كبيراً بارتكاب أعمال إرهاببة». خلاصة القول: يمكن لضحايا الإرهاب أن يحمّلوا دولاً المسؤولية.
بموجب القانون الحالي، فإن معظم الدعاوى المدنية التي تتهم فيها دول أجنبية سيتم رفضها من قبل المحكمة الاتحادية قبل أن يقدم دليل واحد أو السماع لشاهد واحد، إذ ان الدول لديها «الحصانة السيادية»، وهي درع مطلقة ضد معظم المطالبات ضدها؛ لأن الدعاوى القضائية ضد الكيانات التي تسمى بلداناً كجهات متهمة، خارجة عن نطاق الاختصاص، فإنها ببساطة لن تتمكن من المضي قدماً في المحاكم الفيدرالية الأميركية.
إن «الحصانة السيادية» هي مفهوم أساسي في القانون الأميركي الذي يسبق أميركا نفسها، إنه يشبه المفهوم البريطاني لما يعرف بـ«الحصانة الملكية» التي تحمي الملوك من الدعاوى القضائية في غياب موافقة قانونية محددة. وبموجب القانون الأميركي الحديث، هناك استثناءات قليلة لحصانة الحكومة الاتحادية.
عندما نقوم بتطبيق مفهوم «الحصانة السيادية» على بلدان أخرى، فإننا نسميها «الحصانة السيادية الأجنبية». وكما تقيد معظم البلدان من الدعاوى القضائية ضد الحكومات فيها، فهي تعترف بسيادة الدول الأخرى في الأنظمة القضائية الخاصة بها. عادة، لا يسمح للمحاكم الاتحادية في الولايات المتحدة بسماع أي دعوى قضائية ضد دول أجنبية، ومع ذلك فإن «قانون الحصانة السيادية الأجنبية»، ينص على بعض الاستثناءات القليلة، مثل تنازل دولة أجنبية عن الحصانة، أو عندما يشارك بلد أجنبي في نشاط تجاري. وليس لدى قانون الحصانة تأثير مباشر في محتوى أي دعوى قضائية.
بالنسبة للمراقب العادي، يبدو قانون «جاستا» كأنه «بطل تشريعي» يمنح التعويضات للعائلات التي عانت.
منتقدو القانون الجديد يشيرون إلى كارثة جيوسياسية محتملة ستنجم عن القرار الأميركي لتجريد الدول الأجنبية من سيادتها، وقد عبر العديد من حلفاء اميركا بالفعل عن رفضهم لـ«جاستا». كتب البرلمان الهولندي لأعضاء مجلس النواب محذرين من أن القانون المثير للجدل يعد «انتهاكاً صارخاً وغير مبرر للسيادة الهولندية»، وقد يؤدي إلى «أضرار جسيمة».
وبالمثل، حذر عضو البرلمان الفرنسي بيار لولوش من أن «جاستا» سيتسبب في «ثورة في القانون الدولي مع عواقب سياسية كبرى»، وقال انه سيبحث في التشريعات التي تسمح للفرنسيين برفع دعاوى قضائية ضد اميركا.