ترامب ركب موجة المشاعر المناهضة للنهج المؤسسي الأميركي ليحقق انتصاراً غير متوقع. أ.ب

فوز ترامب أذهل العالم وخالـــف التوقعات

امتدت أمواج الفوز المفاجئ الذي حققه دونالد ترامب، أمس، إلى ما وراء حدود البلاد، منذرة بترك تأثيرات كبيرة في نظام دولي ظل سائداً لعقود طويلة، ما يثير الكثير من التساؤلات العميقة بشأن مكانة أميركا في العالم. ولأول مرة منذ ما قبل الحرب العالمية الثانية، يختار الأميركيون رئيساً وعد بأن يسير على عكس الخط الوطني الذي اختطه ومارسه الآباء المؤسسون، ومن سبقه من الرؤساء من كلا الحزبين، وبناء جدران مادية ومجازية على حد سواء حول البلاد. ويتكهن أكثر من مراقب بأن فوز ترامب قد يجعل أميركا تركز أكثر على شؤونها الخاصة، تاركة العالم ليعتني بشؤونه بنفسه.

واستمدت «الثورة»، التي أوصلت ترامب إلى السلطة، ليعتلي أكبر منصب سياسي في البلاد، جذوتها أيضاً من تحولات أساسية في السياسة الدولية، ومن ضمن تلك التحولات التي اعترت العالم الاستفتاء بتصويت بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال. ويمكن أن يغذي فوز ترامب المشاعر الوطنية، ومناهضة الهجرة، والقومية، حيث بدأت بعض الدول الأوروبية بالفعل تغلق حدودها أمام المهاجرين إليها لأول مرة في التاريخ القريب، وبدأ هذا الإغلاق ينتشر إلى أجزاء أخرى من العالم.

يقول رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس العموم البريطاني، كريسبين بلانت، إننا «نجد أنفسنا نسقط في المتاهات والمجهول».

وركب الرئيس المقبل للولايات المتحدة موجة المشاعر المناهضة للنهج المؤسسي، ليحقق واحداً من الانتصارات السياسية غير المتوقعة في تاريخ الولايات المتحدة الحديث.

لمشاهدة مخطط يوضح الطريق نحو الرئاسة، يرجى الضغط على هذا الرابط.

• لأول مرة، منذ ما قبل الحرب العالمية الثانية، يختار الأميركيون رئيساً وعد بأن يسير على عكس الخط الوطني.

• حقق المرشح الجمهوري انتصاراً سياسياً، رغم سلسلة الخلافات والجدال الذي دار حوله.

وحطم ترامب التوقعات بفوزه في انتخابات كشفت عن مدى عمق مناهضة الناخب الأميركي للمؤسسة، ما وضع العالم في طريق يقود إلى وضع سياسي مجهول.

وحقق المرشح الجمهوري انتصاراً سياسياً رغم سلسلة الخلافات والجدال الذي دار حوله، والذي أودى أيضاً بسهولة بحظوظ مرشحين آخرين، ورغم تبنيه سياسات متطرفة أثارت انتقادات داخل ألوان الطيف السياسي الأميركي، وسلوكه العنصري وتصرفاته الجنسية، وانعدام خبرته في السياسة التقليدية.

ويربط العديد من المراقبين فوز ترامب بالتصويت البريطاني للخروج من الاتحاد الأوروبي، الذي يعتبر برهاناً أوسع لانهيار النظام الدولي المعاصر. وكتب السفير الفرنسي في الولايات المتحدة، جيرار أرو، على «تويتر»: «بعد خروج بريطانيا وهذه الانتخابات، فإن كل شيء ممكن الآن». ويضيف «العالم ينهار أمام أعيننا».

لكل ذلك ليس من المستغرب أن يؤيد الكثير من دول العالم هيلاري كلينتون، ويفضلونها على ترامب، الذي حدد سياسته الخارجية بعبارة «أميركا أولاً».

وقبل ذلك أشارت استطلاعات الرأي إلى أن كلينتون هي المرشحة المفضلة في كثير من البلدان، باستثناء روسيا. ففي الصيف الماضي، كشف استطلاع أجراه «مركز بيو للأبحاث» أن الناس في جميع البلدان الـ15، التي شملتها الدراسة يضعون ثقتهم بكلينتون بأنها ستفعل الشيء الصحيح في الشؤون الخارجية أكثر من ترامب، بمعدل 10 إلى واحد.

ووعد ترامب بالانسحاب العسكري من دول حليفة، وسحب الدعم الاقتصادي منها، ما يجعلها تشق طريقها بنفسها دون الولايات المتحدة.

ففي ألمانيا، حيث تمركزت القوات الأميركية هناك لأكثر من سبعة عقود، فإن احتمال انسحابها يبدو محيراً.

ويقول أستاذ الصحافة بالجامعة التقنية في دورتموند، هنريك مولر، «ستكون هذه هي نهاية حقبة»، ويضيف «ستنتهي فترة ما بعد الحرب، التي كان فيها الوجود الأميركي والأسلحة النووية في أوروبا مسؤولة عن أمن أوروبا، لهذا يجب أن تتولى القارة رعاية أمنها بنفسها».

ويعتقد رئيس اللجنة البرلمانية الألمانية للسياسة الخارجية وعضو الحزب الحاكم، نوربيرت روتغن، أن ترامب «غير كافٍ تماماً» لهذا المنصب، ويضيف أن «انتخاب ترامب رئيساً قد يؤدي إلى أسوأ قطيعة بين أميركا وأوروبا منذ حرب فيتنام، وهذا هو أقل ضرر يمكن أن يحدث».

واستطاع ترامب أن يكسب ويسكونسن وميتشيغان بشكل مفاجئ، وهما الولايتان اللتان تضررتا بشدة بسبب البطالة التي ضربت المصانع الأميركية، وفقدتهما، هيلاري كلينتون أمام المرشح بيرني ساندرز في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، لتصبحا ورقة رابحة ولقمة سائغة لترامب، في الوقت الذي ارتفعت فيه حمى السباق الرئاسي.

كما اعتلى ترامب منصة معادية لحرية التجارة، ومناهضة للهجرة تحبذ العرق الأبيض، والرجال الأميركيين الأقل تعليماً، في حين يعبر عن ازدرائه للنساء والأقليات. وظل ترامب متأخراً جداً في استطلاعات الرأي، خلال معظم فترة حملات الانتخابات الرئاسية. لكنه في غضون بضع ساعات من إغلاق مراكز الاقتراع، استطاع أن يرسم لنفسه طريقاً محتملاً لبلوغ هدفه، الذي لم يكن أحد يتوقعه قبل أن يبدأ تدفق النتائج. وتمكن من كسر «جدار النار»، الذي وضعه الحزب الديمقراطي لفترة طويلة حول مرشحته، ليكتسح كل من بنسلفانيا ويسكونسن، وهما الولايتان اللتان لم تصوتا لمرشح الحزب الجمهوري للرئاسة منذ ثمانينات القرن الماضي.

وسيضع انتصاره على هيلاري حداً، لثماني سنوات من هيمنة الديمقراطيين على البيت الأبيض، ويهدد بتقويض إنجازات كبرى للرئيس باراك أوباما.

بيد أن هذا الرئيس الجديد للولايات المتحدة تبنى لهجة أكثر تصالحاً في خطابه، أمس، مهنئاً كلينتون على حملتها التي بذلت فيها جهداً جباراً، ودعا الأميركيين إلى «تضميد جراح الانقسام».

ويعتبر مراقبون أن هذه البيئة السياسية، التي تشجع على الاستقطاب على نحو متزايد، أفرزت مرشحين يعتبران الأكثر كرهاً من أي وقت مضى في تاريخ التنافس لدخول البيت الأبيض.

وجاء يوم الانتخابات في الولايات المتحدة في نهاية حملة، مثلها مثل الحملات الانتخابية السابقة، حيث تقابل ترامب، الدخيل السياسي الاستثنائي، الذي كسر معظم قواعد اللعبة ضد كلينتون، السياسية المخضرمة، التي صقلت خبرتها عبر سنوات من العمل السياسي الشاق والعمل الجاد.

الأكثر مشاركة