فوز ترامب يضع حلّ الدولتين عـــلى المحكّ

بعد اكتساح الجمهوريين للنتائج في الانتخابات الأميركية، دعا الجناح اليميني للحكومة الإسرائيلية مجدداً للتخلي عن حل الدولتين في الصراع مع الفلسطينيين. وقال وزير التعليم الإسرائيلي وزعيم حزب «البيت اليهودي» المؤيد للاستيطان، نفتالي بينيت، إن «عدداً من التغييرات في الولايات المتحدة وأوروبا والمنطقة، يمنح إسرائيل فرصة فريدة، لإعادة النظر والتفكير في كل شيء». وعبر الوزير المتطرف، الذي يدعو إلى ضم 60% من الضفة الغربية، عن بهجته عقب فوز ترامب، قائلاً إن «عهد دولة فلسطينية قد ولى».

وعود ترامب

وعد الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، بأشياء كثيرة خلال حملته الانتخابية، سيكون لها تأثير في إسرائيل. إلا أن عدداً من مواقفه تخالف العديد من السياسات الأميركية التقليدية تجاه إسرائيل والشرق الأوسط.

فقد وعد ترامب بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، والتوقف عن اعتبار حل الدولتين هو السبيل لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ووصف مسؤولون إسرائيليون فوز ترامب بأنه «فرصة لإسرائيل للتراجع عن فكرة وجود دولة فلسطينية»، والتي من شأنها أن تضر بأمن إسرائيل. ومع ذلك يقول خبراء أمنيون إن هناك أموراً مجهولة حول سياسات ترامب تجاه أمن إسرائيل، الأمر الذي يجعل من الصعب جداً على إسرائيل وأجهزتها الأمنية التنبؤ بخطر الصراع الإقليمي المقبل.

لم يأخذ هذا الشعور حيزاً كبيراً من الاهتمام، إلا عندما صرح جيسون غرينبلات، وهو محامٍ ونائب رئيس اللجنة الاستشارية المتعلقة بإسرائيل، في حملة ترامب، لراديو الجيش الإسرائيلي بأن الرئيس المنتخب «لا يعتبر المستوطنات في الضفة الغربية عقبة في طريق السلام»، في تناقض صارخ مع السياسة الأميركية طويلة الأمد حيال الصراع العربي الإسرائيلي.

وتسابق أعضاء حزب الليكود، الذي يتزعمه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وغيرهم من السياسيين اليمينيين، لاستغلال هذا التغيير. فعضو حزب الليكود في البرلمان، يوعاف كيش، دعا إلى توسيع السيادة الإسرائيلية في الضفة الغربية؛ أما رئيس لجنة التخطيط البلدية لمدينة القدس، مائير ترغمان، فقال إنه حان الوقت لإخراج الخطط المجمدة منذ فترة طويلة، والمتعلقة ببناء آلاف المنازل لليهود في الجزء الشرقي من المدينة، والتي تنتظر الموافقة عليها منذ فترة طويلة. في حين أشاد وزير الداخلية الإسرائيلي، أرييه درعي، المحسوب على المتدينين المتطرفين، بفوز ترامب، واعتبر ذلك «معجزة». وقال إنه «يجب أن نعود إلى الزمن الماضي، ليتحول كل شيء إيجاباً لمصلحة شعب إسرائيل».

في المقابل، كان نتنياهو أكثر حذراً، فقد عمل مع حكومات أميركية ديمقراطية، خلال فترات رئاسته الثلاث. وإضافة إلى مشكلاته، رفضت المحكمة العليا الإسرائيلية، الأسبوع الماضي، طلب الحكومة تأجيل هدم بؤرة استيطانية في الضفة الغربية، لمدة سبعة أشهر، بنيت على أرض مملوكة لفلسطينيين، وكان من المقرر هدم الموقع في الـ25 من ديسمبر، إلا أن الحكومة تجادل بأن التأخير هو لتهدئة المستوطنين، وتجنب رد فعل عنيف محتمل. ووافقت لجنة وزارية من اليمين داخل حزب الليكود والائتلاف الحاكم، أخيراً، على مشروع قانون مثير للجدل، لإضفاء الشرعية بأثر رجعي على موقع «عمونا» الاستيطاني غير القانوني، المشيد على أرض فلسطينية.

في المقابل، نددت وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة، تسيبي ليفني، التي انضمت حالياً إلى المعارضة البرلمانية، بمشروع قانون التسوية، وكتبت على «تويتر»: إنه يشكل «ضرراً كبيراً لحكم القانون في الداخل، ويضر بمصالح إسرائيل في الخارج، وينقل في المقام الأول رسالة أن القوة تصنع الحق، عندما تواجه رئيس وزراء ضعيفاً».

توخي الحذر

ورحب نتنياهو بحرارة بفوز ترامب، واصفاً إياه بأنه «صديق حقيقي» لإسرائيل. لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي أوعز إلى وزرائه ونواب حزبه بأن يكونوا حذرين في تصريحاتهم، قائلاً إنه يجب السماح للإدارة المقبلة في واشنطن «بصياغة سياستها حيال إسرائيل والمنطقة (معنا)، من خلال القنوات المقبولة والرسمية، وليس عبر المقابلات والتصريحات».

يذكر أن نتنياهو أيد مبدأ قيام دولة فلسطينية في 2009، تحت ضغط أميركي في ظل محاذير عدة. ومنذ ذلك الحين، حاول تحقيق التوازن بين الرأي العام العالمي ودائرته الانتخابية اليمينية، بإعلان دعم حل على أساس دولتين لشعبين، لكن دون المضي قدماً لتحقيق ذلك.

ويشير محللون إسرائيليون إلى أن حملة ترامب أرسلت رسائل متناقضة. في حين يعتقد كثيرون في تل أبيب أنه ستكون للرئيس الأميركي المقبل أولويات أكثر إلحاحاً من الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، الذي طال أمده. وأعرب ترامب، في حوار مع صحيفة «وول ستريت جورنال»، الأسبوع الماضي، عن أمله التوصل لاتفاق سلام بين الطرفين، واصفاً إياه بأنه «اتفاق نهائي». ومع ذلك فإن منتقدي نتنياهو، في التيار اليميني، يعتقدون أن إدارة ترامب يجب أن تعطي إسرائيل مزيداً من الحرية، في مجالات مثل البناء في المستوطنات، على الأقل. ويقولون إنه يتعين على نتنياهو أن يقرر في أي جانب سيكون. ويُقر بينيت من «البيت اليهودي» بأن مواقف ترامب ليست واضحة تماماً، مضيفاً أنه «علينا أن نقول ما نريد أولاً». ويقول المعلق السياسي في القناة الثانية الإسرائيلية، عاميت سيغال، إنه خلال الفترات التي قضاها الرئيسان بيل كلينتون وباراك أوباما في البيت الأبيض، تمكن نتنياهو من «إخفاء نظرته للعالم». وأن إدانة إدارة أوباما الحادة لكل نشاط استيطاني قدمت لنتنياهو «العذر المطلق»، لعدم البناء في الضفة الغربية. ويضيف سيغال: «أنا لست متأكداً من استعداد الجناح اليميني، مع شهيته للبناء، كي يعاني سنوات أخرى من ذلك».

طريق التفاوض

يقول دوري غولد، مستشار نتنياهو منذ فترة طويلة والذي استقال أخيراً من منصبه كمدير عام لوزارة الخارجية الإسرائيلية، إن «مصلحة إسرائيل في التوصل لحل، عن طريق التفاوض مع جيرانها»، موضحاً أنه «ليس هناك مجال للضغط أو ليّ الذراع»، فقد جعل رئيس الوزراء ذلك هدفه. لكن غولد يعتقد أنه من المرجح أن تتراجع إدارة ترامب عن المطالبة بانسحاب إسرائيل إلى حدود عام 1967، بل ستدعم الحدود الحالية لإسرائيل، وتحدثت مسودة سياسة ترامب عن وجود حدود «يمكن الدفاع عنها»، والتي تختلف عن حدود عام 1967 بشكل واضح، وفقاً للمستشار الرئاسي. وقال المسؤول في مكتب رئيس الوزراء والسفير الإسرائيلي السابق لدى الولايات المتحدة، مايكل أورين: «علينا أن نسأل أنفسنا أين هي مصلحة إسرائيل؟». وأضاف أن «مصلحة الإسرائيليين والحكومة، في رأيي، هي في الواقع تحقيق السلام مع الفلسطينيين، من خلال المفاوضات المباشرة دون شروط مسبقة، في أي وقت، للوصول إلى حل دولتين لشعبين». ويلاحظ جلعاد شير، وهو مفاوض سلام إسرائيلي سابق، في ظل حكومات يسارية بقيادة إيهود باراك وإسحق رابين، أنه على الرغم من أن معظم الحكومات الإسرائيلية على مدى العقود الأربعة الماضية كانت يمينية، قإنه «لم يسبق لأي منها ضم بوصة مربعة واحدة من الضفة الغربية». ويرى شير، الذي يعمل الآن في معهد أبحاث ودراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب، وهو أيضاً عضو مؤسس لـ«المستقبل الأزرق»، وهي جماعة إسرائيلية تدعو إلى حل الدولتين، أن المبادرة يمكن أن تتخذ من طرف واحد، إذا لزم الأمر، مشيراً إلى أن بهجة اليمين الإسرائيلي «مشروطة ومؤقتة».

الأكثر مشاركة