معركة الموصل تشكّل البيئــة السياسية المستقبلية للعراق

في الوقت الذي لاتزال المعركة مستمرة في محافظة الموصل ونينوى، لاسترداد هذا الجزء المهم من العراق، يركز معظم الخبراء على ما سيتمخض بعد ذلك في هذه المنطقة المتعددة الطوائف والأعراق. الحجم الهائل لهذه المعركة يجعل أهميتها فريدة من نوعها، حيث إنها تتكون من سبع وحدات بحجم الفرق تتقدم لتطبق على مدينة كبيرة، وتمثل القوات المشاركة جميع الأعراق والطوائف الدينية الموجودة في العراق. وعلى الرغم من أن المعركة تسير بطريقة تقليدية، لكن يميزها التعايش «غير المريح» بين الميليشيات الشيعية والتركية والقوات الأجنبية الأخرى، والصحافيين، وما شابه ذلك.

إذا أرادت واشنطن محاربة التطرف، فإن عليها البقاء في العراق لفترة كافية لإنهاء المهمة، ليس فقط بشأن تنظيم «داعش»، لكن أيضاً بشأن بذل جهود أكبر لتحقيق الاستقرار على نطاق أوسع.

ومن المتوقع أن تشكل هذه المعركة البيئة السياسية المستقبلية للبلاد بطرق عدة: أولاً قد تضطر مرحلة ما بعد المعركة السنة إلى القبول بوجود قوات الأمن العراقية والحكومة المركزية، حتى في المناطق الأقل صداقة تقليدياً مثل شرق الموصل. ثانياً يمكن للتعاون غير المسبوق بين البشمركة وقوات الحكومة العراقية أن يترجم في ما بعد إلى ثقة متبادلة أكبر بين قادة الكيانين. ويمكن لمثل هذا التعاون أن يندرج في ديناميكية أكبر من التفاعل الإيجابي بين بغداد وأربيل حول عدد من القضايا، بما في ذلك السيادة الكردية والفضاء الاقتصادي المشترك.

الحديث عن المستقبل، ونجاح الجهود لتحقيق الاستقرار بعد المعركة، يظلان يطرحان تساؤلاً كبيراً، حيث تشمل التحديات إدارة التقلب، وإقامة العدل وتأسيس العمل الشرطي في المنطقة، وإعادة توطين المشردين داخلياً. وعلى المستوى العام، تواجه العراقيين أيضاً عقبات المصالحة، وقضايا اللامركزية، وتسريح القوات غير النظامية.

وفي الوقت الراهن، يقفز إلى الأذهان نوعان من الأفكار المتنافسة بشأن الاستقرار: الأول يتعلق بنقل الناس على أسس طائفية إلى المناطق التي يشعرون فيها بالأمان، والثاني تشكيل حكومة تمثل أفضل كيان سياسي للشعب، ولا يتبقى سوى انتقاء الرؤية الجيدة لتصبح حقيقة واقعة.

ليست لدى الولايات المتحدة سياسة مرسومة بوضوح تجاه العراق، لكن عدم امتلاك واشنطن خطة مفصلة بشأن هذا البلد، ليس بالضرورة أمراً سيئاً للغاية، لكن يجب على الولايات المتحدة أن تركز على الأهداف العريضة للمضي قدماً، في حين عليها أن تلعب كل الوقت دور الوسيط النزيه. وإذا أرادت واشنطن محاربة التطرف، فإن عليها البقاء في العراق لفترة كافية لإنهاء المهمة ليس فقط بشأن تنظيم «داعش»، لكن أيضاً بشأن بذل جهود أكبر لتحقيق الاستقرار على نطاق أوسع، حيث إن تحقيق الاستقرار على المدى الطويل، هو الجهد الوحيد الذي يمكنه كسر حلقة التدخل. أيضاً، العمل تحت إشراف قوة مهام عمليات مشتركة موحدة، من شأنه أن يساعد على تعزيز التحالف الدولي ضد التطرف، وهذا يمكن اعتباره شكلاً من أشكال تقاسم الأعباء الكبيرة، التي يمكن أن تحمي مصالح الولايات المتحدة، وربما تمتد إلى ما بعد هزيمة تنظيم «داعش».

التعاون في كركوك

الهجوم الأخير على كركوك يعكس التحديات التي تواجهها المحافظة، والمزايا التي تتمتع بها. ويستطيع مسلحو «داعش» الاختلاط بسهولة بين السكان المحليين والنازحين، خصوصاً أن الكثير منهم من المراهقين. ومع ذلك لاتزال كركوك عصية، فبدلاً من الهرب، تعاون السكان المحليون - بما في ذلك العرب السنة - مع قوات الأمن، للقبض على مرتكبي الهجوم الأخير. واستطاعت القوات العراقية فرض السيطرة بسرعة، وسرعان ما استعادت جميع المناطق التي تم الاستيلاء عليها، ولم يستطع «داعش» السيطرة على أيٍّ من المباني الحكومية.

ومع ذلك، لم يتم حل المشكلات الأساسية التي تسمح للتطرف بأن يترسخ أكثر، ولايزال هناك انقسام شيعي - سني، وأيضاً خلافات بين الأكراد والحكومة المركزية. وعلاوة على ذلك، فإن التطرف على الأرجح لن يعمر حتى مرحلة ما بعد «داعش»، فقضاء الحويجة، على سبيل المثال، كان دائماً مرتعاً للإرهاب، وبمجرد مغادرة «داعش» هذا المكان إلى الأبد، ستستمر المجموعات الإرهابية في العمل كما كانت تفعل قبل وصول تنظيم «داعش». وعلى الرغم من أن التعاون الناشئ بين البشمركة وقوات الأمن العراقية يعتبر تطوراً إيجابياً، لكنه لايزال ضحلاً في الوقت الراهن، حيث يسعى كلا الجانبين لتحقيق النجاح لنفسه.

التحدي الآخر الذي يلوح في الأفق هو توزيع الموارد، والذي أصبح أكثر من مشكلة مع موجة من النازحين العرب السنة في المدينة. واستمر سكان كركوك في مشاركة المدارس، والكهرباء، والدواء، والماء مع هؤلاء النازحين، في حين يتلقون مساعدات قليلة جداً من بغداد. وبسبب الفتنة الطائفية، لا يستطيع هؤلاء النازحون، في كثير من الأحيان، العودة إلى مناطقهم في محافظتي ديالى وصلاح الدين، اللتين يفترض أنهما تحررتا من تنظيم «داعش»، فإذا كان الناس لا يستطيعون العودة إلى ديارهم في المناطق الآمنة، فلن يستطيع العراقيون أبداً بناء البلد الذي يحلمون برؤيته في المستقبل.

الحاجز النهائي أمام المصالحة يتمثل في وجود عدد من السياسيين المحترفين، الذين يستغلون الانقسامات بين الجماعات العرقية والطائفية، والواقع على الأرض يختلف كثيراً، حيث إن أفراد هذه الجماعات يتفاعلون ويتعايشون بشكل سلمي وودي تام. فعلى الحكومة أن تستمع إلى احتياجات الناس، وتنظر إلى أبعد من هؤلاء السياسيين المحترفين لإعادة بناء البلاد. ويتوقع العراقيون أيضاً أن تقف الإدارة الأميركية القادمة إلى جانب أولئك الذين يقاتلون تنظيم «داعش»، وليس هناك من هو أفضل في هذا الخصوص من الأكراد. وربما يستطيع الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، بوصفه رجلاً جديداً في هذه السياسة، أن يجلب أفكاراً جديدة إلى الطاولة، بشأن سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. أما بالنسبة للموصل، فإن المعركة تتطلب استثماراً طويل الأجل، حيث إن الفصائل المتنافسة المختلفة - بما في ذلك معسكر النجيفي، والحكومة المركزية، والميليشيات الشيعية، والعرب السنة - لديها رؤى مختلفة لمستقبل المدينة. ويتمثل أحد الاقتراحات في إنشاء مناطق تدار محلياً على أساس الطائفة والعرق، وهي الفكرة التي نالت استحسان العديد من الأقليات، بما في ذلك المسيحيون والإيزيديون، وسواء كانت اللامركزية هي الحل الممكن أم لا، فإن الدرس المستفاد من كركوك هو أن الحكومة يجب أن توزع الموارد بصورة عادلة بين جميع الفئات، من أجل بناء الثقة وتشجيع المصالحة.

مايكل نايت، ونجم الدين كريم  عن معهد واشنطن زميل معهد واشنطن، محافظ كركوك

الأكثر مشاركة