لتفادي أزمة في أعلى هرم السلطة

فرنسا بحاجة إلى نقاش وطني شامل قبل الانتخابات الرئاسية

صورة

كان من المتوقع أن تكون هذه الانتخابات الفرنسية مختلفة عن سابقاتها، بعد انتصار معسكر «بريكست» في الاستفتاء البريطاني، العام الماضي، واختيار مغادرة الاتحاد الأوروبي. ومع وصول دونالد ترامب للرئاسة الأميركية، ازداد الضغط على فرنسا. ويبدو أن الانتخابات الرئاسية في هذا البلد، التي ستعرف نتائجها النهائية في 7 مايو، ستكون ثالث إنجاز للكفاح الذي يقوم به الشعبويون على الديمقراطيات الليبرالية في الغرب.

تطهير سياسي

قبل أسابيع من الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية، يتزايد عدد الذين لم يقرروا لمن سيصوتون، وكذلك عدد من يهددون بالامتناع عن التصويت. ويقول مراقبون إن ذلك يرجع إلى حالة الانقسامات المتنوعة يميناً ويساراً، وأيضاً، غياب اليسار الحكومي بين المرشحين.

ويعتبر مراقبون هذه الحملة الانتخابية نوعاً من التطهير السياسي.

وخلال المناظرة التلفزيونية، للمرشحين الرئيسين، تم التغاضي عن طرح مسألة الفضائح المالية، رغم طغيانها على ما عداها في بداية الحملة الانتخابية، ما شكل متنفساً للمرشّحين المعنيين بالأمر، فرانسوا فيون ومارين لوبان.

وخلافاً للتوقعات لم تنصبّ جميع الانتقادات على إيمانويل ماكرون، الأكثر حظاً بالفوز بالسباق الرئاسي، بل على مرشحة اليمين المتطرف، أيضاً.

ويخشى محللون هروب رؤوس الأموال إذا ما حققت مرشحة اليمين المتطرف نتائج جيدة في الدورة الأولى من الانتخابات (نحو 35% من الأصوات). ويذكر أن لوبان تدعو في برنامجها إلى خروج فرنسا من منطقة اليورو، ما يشكل مصدر قلق ويطغى على نقاشات عالم الأعمال والمستثمرين الأجانب.


 

18

مليوناً فاز بها المرشحون في الانتخابات السابقة للوصول إلى السلطة.

80 %

من الناخبين الفرنسيين تتم تعبئتهم عادة في الانتخابات الرئاسية.

ولكن حالياً، فإن سبب هذه الحملة غير المسبوقة مختلفٌ تماماً. آلان جوبيه، الذي كان المفضل في الانتخابات منذ أشهر، فشل في نيل الترشح داخل حزبه، كما فاجأ الرئيس فرانسوا هولاند الجميع بتراجعه عن السعي لإعادة انتخابه. وفي المقابل، فقد رئيس الوزراء، مانويل فالس، الثقة في معسكره الاشتراكي.

إلا أن المنتصرين فشلوا في اغتنام الفرصة. على اليسار، اكتسب بينوا هامون التأييد ببطء، ولكن لايزال الخيار الرابع في صناديق الاقتراع. وعلى اليمين، وقع فرانسوا فيون بسرعة في فضيحة المحسوبية، لدرجة ساد التشكيك في ترشحه حتى داخل معسكره، خلال الأسابيع الأخيرة. والواقع أن قضية فيون قد طغت إلى حد كبير على النقاش السياسي منذ بداية العام.

في المقابل، تمكن آخرون من الاستفادة من هذا الوضع، وليس مفاجئاً أن يكونوا من الغرباء في عالم السياسة، أو على الأقل، يقدمون أنفسهم على هذا النحو. لقد استغل إيمانويل ماكرون نقاط ضعفه بصفته زعيماً وسطياً وقائد حركة «إلى الأمام»، لكن ليس لدى ماكرون خبرة كبيرة في عالم السياسة، كما أنه لا يلقى دعماً من حزب سياسي كبير.

يبدو ماكرون الآن ملزماً بالوصول إلى الجولة الثانية، كما هو حال مارين لوبان. وعلى الرغم من متاعبها القضائية، فإن لوبان استفادت بقوة من الانتقادات القاسية ضد المؤسسة السياسية التي بدأها والدها، منذ عقود، بل وأكثر من ذلك بذلت جهوداً لتحويل الحزب اليميني المتطرف إلى بديل بمظهر جاد، بعد أن كان مجرد حزب لديه برنامج هامشي.

مشهد خطير

إن مثل هذه الخطوط العريضة لم يتم حتى الآن مناقشة أي منها نقاشاً جدياً. ويبدو أن المرشحين الذين يتصدران استطلاعات الرأي، يجسدان النقاش الأيديولوجي الذي يتجلى في السياسة الفرنسية في الوقت الراهن. ولكن نادراً ما تتم مناقشة البديل. المواجهة بين الشعبوي والمعقول، بين غضب الناخبين والحذر من تقديراتهم للأمور، لم تتم بعد، ومع ذلك، فإن الانتخابات في نهاية المطاف تقدم خياراً. هذا وضع خطير جداً. الجو السياسي في فرنسا يتحول إلى الشراسة. تشير استطلاعات الرأي إلى أن خيبة الأمل والاشمئزاز والغضب كلها تجسد التصور العام للسياسة، بشكل متزايد.

وكمواطن فرنسي كثيراً ما يسافر إلى الخارج، أجد نفسي مضطراً، في كثير من الأحيان، إلى شرح الأسباب العديدة التي تجعل فوز لوبان بعيداً عن المؤكد. ويعتبر عدد من الناس فوزها مؤكداً نتيجة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وفوز ترامب. ويذكر أن أفضل نجاح انتخابي للجبهة الوطنية هو حصولها على سبعة ملايين صوت في الجولة الثانية من الانتخابات الإقليمية لعام 2015، وهو أقل من نصف عدد الأصوات (18 مليوناً) التي فاز بها فرانسوا هولاند ونيكولا ساركوزي، في الانتخابات الرئاسية السابقة. ويمثل الانتقال من 30% من الأصوات داخل الصندوق، إلى أكثر من 50% تحدياً هائلاً للجبهة الوطنية.

احتمال وارد

ولكن عند عودتي إلى فرنسا، وجدت نفسي مضطراً للإصرار على أن فوز لوبان لايزال احتمالاً وارداً. وإذا ما صدقت استطلاعات الرأي، فإن التصويت القادم سيشهد تقلبات لم يسبق لها مثيل. ويمكن أن تصل نسبة الإقبال الى مستوى جديد، إذ تقوم الانتخابات الرئاسية عادة بتعبئة 80% من الناخبين الفرنسيين، وغياب مناقشة وافية ودقيقة يترك النتيجة النهائية تعتمد اعتماداً كبيراً على الحظ.

كما تقدم الانتخابات للخبراء وللمحللين عدداً من التحديات التي ستستمر في يوم الانتخابات. إن غياب مناقشة وطنية جادة وشاملة سيجعل عمل الحكومة المقبلة أكثر صعوبة، بصرف النظر عن نتيجة الانتخابات النهائية. أولاً، سيطرح فوز ماكرون أو لوبان المزيد من التساؤلات: هل سيكون الرئيس الجديد قادراً على حشد الأغلبية في الانتخابات التشريعية اللاحقة في يونيو؟ إذا لم يتمكن من ذلك، مع من سيشكل ائتلافاً، وكيف يمكن لهذا التحالف مساندة أجندة متماسكة؟ أم أنه سيجبر على «التعايش» مع رئيس وزراء من أغلبية مختلفة؟ ثانياً، وربما أكثر أهمية، حتى مع أغلبية برلمانية، من الممكن أن يحصل المنتصر في الانتخابات المقبلة على تفويض شعبي محدود.

مانويل لافونت  مدير المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية

تويتر