خلافات داخل «الحركة الشعبية السودانية - شمال» تهدّد بانهيارها

دخلت الخلافات وسط صفوف «الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال» مرحلة حرجة تهدد ثالوثها القيادي، رئيس الحركة مالك عقار، وأمينها ياسر عرمان، ونائب رئيسها عبدالعزيز الحلو، بعد تقديم الأخير استقالة مطولة ومسببة، رفضها «مجلس تحرير إقليم جبال النوبة»، الكيان النوعي الأقوى في التنظيم، والذي دعا إلى عقد مؤتمر عام استثنائي خلال 60 يوماً، فيما قال مسؤول الحركة بمنطقة الشرق الأوسط السابق، عماد الخور، لـ«الإمارات اليوم» بالقاهرة، إن إطاحة عرمان الذي تحوّل إلى «ديكتاتور ومحتكر للسلطات، بحسب وصفه، أصبح مطلباً عاماً عند جماهير الحركة».

انعكاسات الواقع الجديد

قال الباحث السوداني بمركز «الجنوب» عوض الطيب لـ«الإمارات اليوم» إن خلافات الحركة الشعبية هي انعكاسات لواقع جديد، تمكنت فيه الخرطوم من تحقيق مكاسب في دارفور، وتمكنت من حل الحصار الجزئي عليها من الولايات المتحدة بعد رفع بعض العقوبات، وانحسر فيه التأييد الغربي نسبياً من الشعبية، حيث مال للوصول إلى حل سياسي، وليس أدل على ذلك من أن أحد المسؤولين بالسفارة الأميركية في السودان، قد حذر من تصاعد المجاعة في المناطق التي تسيطر عليها الحركة الشعبية، وحملها مسؤولية إيصال المساعدات. واعتبر الطيب أن الخلاف الجاري هو انعكاس لرؤيتين، إحداهما «براغماتية» تميل للتعامل مع المعطيات الجديدة، ولا تستبعد قبول مبدأ الحكم الذاتي، وإدماج الجيش الشعبي في الجيش القومي السوداني بعد الحل السياسي، وأخرى متمسكة برؤية الحركة الشعبية القديمة التي لا ترى أفقاً إلا بتقرير مصير أو علمانية.

• هناك أخطاء سياسية جسيمة ارتكبتها القيادة الحالية للحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال، ويتوجب تصحيحها، ومن حق المؤتمر العام «أعلى سلطة» في الحركة أن يحاسب المسؤولين عنها.

• تباينات وجهات النظر تظهر في كل نقطة، بدءاً من اسم الحركة (الحركة الشعبية لتحرير السودان، أم الحركة الشعبية للديمقراطية)، ودستورها، وتنتهي برؤية الحركة لسقف وحدود التفاوض مع الخرطوم، خصوصاً إعلان قبول الحكم الذاتي.

وقال الحلو في استقالته المطولة الموجهة للحركة: «أرى أنه من حقكم أن تحصلوا على توضيح من جانبي، أننا أي الضباط التنفيذيين الثلاثة في المجلس القيادي القومي للحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال، لدينا خلافات، والخلاف شيء طبيعي في العمل، ولكن عندما يتجاوز خلاف الرأي المسائل الثانوية إلى المبادئ والتوجهات، أي الحد المعقول، تبدأ المشكلة، وأكرر من حقكم كمجلس تحرير وممثلين للشعب، أن تعرفوا بعض نقاط الخلاف بيني وبين الرفاق، رئيس الحركة والأمين العام، ومنها: المنفستو، والدستور، والمؤسسية، والأمانة العامة للحركة الشعبية، والاعلام، والعلاقات الخارجية، والتفاوض».

وفصّل الحلو طبيعة الخلافات في النقاط السبع المشار إليها، كاشفاً عن وجود وجهات نظر متباينة في كل نقطة، تبدأ من اسم الحركة (الحركة الشعبية لتحرير السودان، أم الحركة الشعبية للديمقراطية)، ودستورها، وتنتهي برؤية الحركة لسقف وحدود التفاوض مع الخرطوم، خصوصاً إعلان قبول الحكم الذاتي، وهل مقصود ذاته، أم لتمرير مبدأ تقرير المصير، أو الكونفدرالية في المستقبل، التي لا يمكن أن تقبلها الخرطوم بصيغتها الصريحة.

في الاتجاه ذاته، تلا إعلان استقالة الحلو عقد «مجلس تحرير إقليم جبال النوبة» مؤتمراً عاماً دعم فيه خطاب عبدالعزيز الحلو، المهاجم للأخطاء داخل الحركة الشعبية، وطالب - أي مجلس تحرير اقليم جبال النوبة - بحل وفد التفاوض الممثل للحركة الشعبية - شمال مع الخرطوم، وتكوين وفد جديد، وسحب الثقة من أمين عام الحركة الشعبية، ياسر سعيد عرمان، وسحب ملفات التفاوض، والعلاقات الخارجية والتحالفات السياسية منه، وعقد مؤتمر قومي استثنائي للحركة خلال شهرين، لإجازة «المنفستو» وكتابة دستور جديد، وانتخاب مجلس التحرير القومي، كما رفض مجلس النوبة استقالة عبدالعزيز آدم الحلو من موقعه كنائب لرئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال.

في المقابل، رد المجلس القيادي القومي للحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال، في اجتماعه الذي عقد في 3 أبريل على استقالة الحلو وتنوير «مجلس تحرير إقليم النوبة» ببيان ناري، رفض فيه الاستقالة وشكّل لجنة لمقابلة الحلو، وطالب المجلس القيادي القومي كل من رئيس الحركة مالك عقار، ونائب الرئيس عبدالعزيز الحلو، والأمين العام ياسر عرمان بعقد اجتماع مشترك عاجل تمهيداً لحضور ثلاثتهم اجتماع المجلس القيادي القومي المقبل في 10 يونيو، كما وصف المجلس القيادي القومي «مجلس تحرير إقليم جبال النوبة» بأنه «مجلس معين من قبل قيادة الحركة، ناقش قبل إجازة لوائحه الداخلية قضايا قومية ليست من حقه»، وقال «القيادي القومي» إن «مجلس تحرير إقليم جبال النوبة، أحدث ضرراً بليغاً بالحركة الشعبية ووحدتها الداخلية وبسمعتها السياسية، وسيأخذ ذلك وقتاً لمعالجته»، وتابع في بيانه أن «هناك مجموعة تعد على أصابع اليد من أعضاء المجلس قامت باختطاف قرار المجلس، وبعضهم ليسوا بأعضاء في المجلس، وتوجد وثائق وأدلة دامغة على أن هذه المجموعة قد قامت بالعمل ليلاً، لصياغة القرارات نيابة عن المجلس قبل انعقاده بفترة طويلة، وهذه قضية يجب التحقيق فيها والمحاسبة عليها».

واعتبر «القيادي القومي» القرارات كافة الصادرة من مجلس تحرير الإقليم المتعلقة بالقضايا والمؤسسات القومية ملغاة، ولا يترتب عليها أي أثر قانوني أو سياسي.

واتخذ المجلس قراراً بتكوين مجلس التحرير القومي الذي يتولى مناقشة القضايا القومية التي تهم الحركة الشعبية لتحرير السودان، في المستويات القومية. ونوه «القيادي القومي» بأنه «لا تغيير في موقف الحركة الشعبية التفاوضي ووفدها المفاوض». على الطرف المقابل، عاد مجلس تحرير إقليم جبال النوبة في بيان جديد ليرفض موقف «القيادي القومي»، وتمسك بقرارات سحب الثقة عن الأمين العام ياسر عرمان، وتعليق المفاوضات الخاصة بالإقليم.

وقال بيان ممهور باسم نائب رئيس المجلس الإقليمي، نجلاء عبدالواحد آدم، اطلعت «الإمارات اليوم» على نسخة منه، إن مجلس تحرير النوبة قام بمسؤولياته في غياب المؤسسات القومية.

وتمسك البيان بجميع القرارات التي أصدرها في 25 مارس الماضي، والتي شملت إعفاء عرمان، وسحب ملفات التفاوض، والتحالفات والعلاقات الخارجية، بجانب عقد مؤتمر قومي استثنائي واعتماد عبدالعزيز الحلو نائب رئيس الحركة مرجعية للتفاوض.

من جهته، قال القيادي في الحركة الشعبية، مدير مكتب الشرق الأوسط السابق، عماد الخور ل «الإمارات اليوم» في القاهرة، إن «هناك أخطاء سياسية جسيمة ارتكبتها القيادة الحالية للحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال، ويتوجب تصحيحها، ومن حق المؤتمر العام (أعلى سلطة) في الحركة أن يحاسب المسؤولين عنها».

وحدد الخور هذه الأخطاء في نقطتين جوهريتين، هما سقف التفاوض وقضية الحكم الذاتي، وإدماج الجيش الشعبي لتحرير السودان، الذراع العسكرية للحركة، في الجيش القومي السوداني بعد التوصل إلى حل.

وقال الخور إن أمين الحركة ياسر عرمان تغوّل على معظم السلطات، ولم ينتهج الديمقراطية الداخلية سبيلاً داخل صفوف الحركة، وأقصى قيادات ثورية كثيرة بلا ذنب سوى اختلافها معه، وانفرد بملفات أساسية كملف العلاقات الخارجية التي كان يعين في مكاتبها من يريد، وملف التفاوض الحساس لارتباطه بدماء وتضحيات أبناء الحركة، ومن ثم ولد تيار واسع اليوم يدعو لإعفائه من منصبه، على أن يتم ذلك عبر آلية المؤتمر العام الاستثنائي الذي اتفق على عقده بعد شهرين، وعلى ألّا يتم فصله من الحركة، بل إبقاؤه بمسمى مستشار لتستفيد الحركة من رؤاه وخبراته السياسية.

وميّز الخور بين محاسبة عرمان ومحاسبة القياديين الآخرين في تسيير الحركة، عبدالعزيز الحلو، ومالك عقار، مشيراً إلى أن الأخيرين ارتكبا أخطاء محدودة، لكن لابد من الوقوف عندها.

ونفى الخور أن «تكون هناك خلفية إثنية نوبية وراء حالة الانتفاض السائدة»، مؤكداً أن الحركة الشعبية السودانية معبرة عن كل التكوينات السودانية.

في المقابل، قال مسؤول الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال بمكتب القاهرة سابقاً، د. محمد إبراهيم، لـ«الإمارات اليوم» إن «المؤسسية هي التي ينبغي أن تنتصر وان تسود، ولا يجب لهيئة معينة، مثل (مجلس تحرير إقليم جبال النوبة)، أن يتجاوز مستواه التنظيمي، ويخاطب الإعلام مباشرة ويخرج بنقاش داخلي في الحركة إلى الخارج». وتمسك إبراهيم، الذي كشف عن تغيير مكتب «الشعبية» بالقاهرة، واستبداله بدماء جديدة، بأن الخلافات على أسس إثنية ممارسة جديدة سلبية لا تعرفها أدبيات ولا تقاليد الحركة، المعبرة، من وجهة نظره، عن كل الحالمين بسودان جديد.

ودافع إبراهيم عن سلوك ياسر عرمان، رافضاً توصيفه من قبل خصومه بالديكتاتور، مؤكداً أن «كل خطوة قام بها عرمان في ملف التفاوض، أو في ملف العلاقات الخارجية، كانت بعلم واشتراك القيادة نفسها التي تهاجمه اليوم، خصوصاً مالك عقار وعبدالعزيز الحلو».على صعيد موازٍ، هاجم القيادي السابق في الحركة الشعبية، اللواء تلفون كوكو أبوجلحة، في تصريحات إعلامية، عبدالعزيز الحلو، واتهمه بأنه فشل في الحفاظ على قضية النوبة وسلمها طائعاً لعقار وعرمان، وقال أبوجلحة: «ما ساقه الحلو في خطاب استقالته من مبررات غير صحيح، هو فقط يريد إخراج نفسه من الفشل الذي لازمه منذ أول مهمة كُلف بها في يناير 1989».

الأكثر مشاركة