رمضان في الخليل.. أجواء إيجابية وصلوات قائمة رغم القيود
عبر أسواق مدينة الخليل العتيقة، ثمة حياة جديدة تنبعث بين الأزقة والحارات، فمع بداية شهر رمضان المبارك من كل عام تعج البلدة القديمة بالمتجولين، وترتفع أصوات الباعة للإقبال على بسطاتهم ومحالهم التي تزهو بشتى أصناف البضائع، والأطعمة والحلويات الرمضانية.
وتشهد أسواق الخليل في ساعات ما قبل أذان المغرب ازدحاماً لافتاً، حيث يقصدها مئات الزوار القادمين من أنحاء المحافظة، والذين يتجولون بين الأزقة التي تغطيها الأسلاك الشائكة وأبراج المراقبة العسكرية، لشراء ما لذ وطاب لوجبة الإفطار، إلا أن أعينهم تبقى متيقظة وحذرة، خشية أن يباغتهم هجوم مستوطن يعتلي شرفة مطلة على السوق من أحد المنازل التي استولى عليها المستوطنون منذ سنوات.
عودة الانتعاش
«الإمارات اليوم» تجولت في سوق الحسبة المركزي في البلدة القديمة بالخليل، حيث فوانيس وزينة الشهر الفضيل معلقة على طول أزقة السوق، وكذلك داخل حارات البلدة التي تعج طوال الوقت، خصوصاً بعد الظهيرة، بالمواطنين الذين يتوافدون إليها من مدن وقرى الخليل كافة، لتظهر بحلتها الجميلة كما كانت في سابق عهدها.
المواطن هشام الزير، من بلدة دورا جنوب الخليل، قطع مسافة طويلة للوصول إلى سوق الحسبة للتجول بين أزقته في رحلة جمع فيها بين التسوق والعبادة.
ويقول الزير لـ«الإمارات اليوم»، بينما كان يحمل بيده أصنافاً عدة من مأكولات رمضان التي تشتهر بها الخليل: «أتجول في أسواق الحسبة والقزازين بالبلدة القديمة لشراء كل ما تحتاجه عائلتي من مستلزمات الشهر الفضيل، إذ إن الأسعار فيها أقل ثمناً من بقية أسواق المدينة، فقد لاحظت فروقات كبيرة في أسعار أصناف عدة، وهذا يدفع كل المواطنين للتسوق داخل أسواق البلدة القديمة، خصوصاً في ظل الأزمات الاقتصادية التي نعانيها».
ويضيف: «بعد الانتهاء من التسوق أعود ثانية إلى البلدة القديمة لأصلي في الحرم الإبراهيمي الشريف وأزور مساجدها ومنها مسجد القزازين، فهذه المعالم الاثرية والحضارية لها أثر كبير في نفسي، لأنها تذكرني بماضٍ عريق». من جهة أخرى، يقول بائع القطايف في البلدة القديمة منذر الشوامرة: «أصحاب المحال التجارية في البلدة القديمة ينتظرون رمضان في كل عام بفارغ الصبر، فهو يعيد لنا وللبلدة مجدها الغائب بفعل ممارسات الاحتلال والمستوطنين».
ويصف شوامرة في حديثه لـ«الإمارات اليوم» الوضع بالقول: «الحركة التجارية في أسواق البلدة القديمة خلال شهر رمضان ممتازة، رغم سوء الوضع الاقتصادي»، مضيفاً: «نحن كأصحاب محال تجارية نلاحظ عودة الانتعاش للبلدة مع قدوم الشهر الفضيل».
مظاهر استثنائية
أبومحمد الجعبري يعمل بائعاً للبضائع والمواد الغذائية في متجره المنغرس منذ (40 عاماً) مقابل عمارة «الدبويا» في البلدة القديمة، والتي يقطنها أشد المستوطنين تطرّفاً.
يقول الجعبري لـ«الإمارات اليوم» وهو يتوسط مئات الأصناف من البضائع في متجره: «الخوف يزول لدى الأهالي وبين أزقة البلدة مع دخول أجواء الشهر الفضيل، حيث يتردد السكان بشكل لافت على الأسواق الممتدة من باب الزاوية حتى المسجد الإبراهيمي، فالمكان يكون موحشاً قبل رمضان، خشية التعرض لاستهداف المستوطنين».
ويترقب الجعبري كغيره من أهالي الخليل وتجارها رمضان كل عام، على أمل أن تضخ الدماء في عروق البلدة العتيقة، وتعود الحيوية إلى أسواقها المتجمدة طوال الأشهر الماضية، بفعل الإغلاق والاستهداف المتكرر من قبل الاحتلال ومستوطنيه.
ويقول البائع الخليلي: «أهالي البلدة القديمة وأزقتها المحاطون بالخوف، يعيشون أجواء استثنائية حتى ساعات متأخرة من الليل خلال رمضان، حيث يتسامرون حتى ساعات السحور، أما الحركة النشطة فتشجعهم على التجول في المكان الذي يسعى الاحتلال لتحويله إلى منطقة مغلقة بهدف الاستيلاء عليه».
أجواء إيمانية
أما الحرم الإبراهيمي الشريف فقد تزين مدخله والأزقة المؤدية إليه بأجواء شهر البركة، حيث يتردد عليها سكان الخليل والمناطق الفلسطينية المجاورة، في صورة تملؤها المظاهر الروحانية والإيمانية.
وفي هذا الجانب، يؤكد مدير سدنة الحرم الإبراهيمي حجازي أبوسنينة، أن الحرم يعج بالمصلين من مناطق الخليل والضفة من بداية رمضان، وتزداد الأعداد في ليلة القدر، حيث يشهد توافداً واسعاً من قبل المواطنين رغم تضييق الاحتلال، وانتشار البوابات العسكرية. ويقول أبوسنينة لـ«الإمارات اليوم»، «إن آلاف المصلين يتوافدون لتأدية صلاة التراويح، رغم إجراءات التفتيش والموافقات الأمنية، والانتظار على الحواجز والبوابات العسكرية، ويعد ذلك جيداً نسبياً، فقد كانت أعداد المصلين في السابق لا تتجاوز 500 مصلٍّ». ويضيف أن «أجواء الشهر الفضيل هذا العام بدأت في الحرم ومحيطه، حيث يتواجد المصلون، ومظاهر الفرحة واضحة على ملامحهم، وكل هذه المظاهر نتمنى أن تكون موجودة على مدار العام لزيادة التواصل مع الحرم».
تضييق
هذه المظاهر الإيمانية لا تروق للاحتلال الذي يسعى بكل قوته لتهويد المكان، وتفريغه من سكانه، فهو يحاول التضييق على المصلين من خلال تشديد الإجراءات على الحواجز العسكرية المحيطة بالمسجد الإبراهيمي، واحتجاز بعض الشبان، أو حتى الاعتداء عليهم.
ويقول مدير سدنة الحرم: «طريق الوصول إلى الحرم هو معاناة أخرى يواجهها السكان بشكل يومي، فأي مصلٍّ أو زائر للحرم يجب أن يمر عبر خمس بوابات إلكترونية، يتعرض خلالها للتفتيش، وهذا يتسبب في تأخير وعرقلة دخولهم إلى الحرم، كما يتم احتجاز بطاقات الهوية للشباب والفتيات من المصلين، بذرائع أمنية».
ويشير أبوسنينة إلى أن إسرائيل تعتقل عدداً من المصلين والمواطنين عند مداخل الحرم الإبراهيمي، خصوصاً الشباب، لافتاً إلى أنها أغلقت الشوارع المؤدية للحرم، ووضعت عليها بوابات عسكرية، إلى جانب إغلاق معظم المحال التجارية في الشوارع المؤدية للحرم بالبلدة القديمة.