تساؤلات تخيّم على مستقبل ســوق الغاز المسال في قطر
هل ستؤثر أزمة قطر في قدرة الدوحة على مواكبة الطلب العالمي على الغاز الطبيعي المسال؟ تثير أزمة قطر أسئلة رئيسة حول أسواق الغاز الطبيعي المسال، التي تهيمن عليها هذه الدولة العربية الصغيرة، منذ العقد الأول من القرن الـ21. ويتساءل مراقبو أسواق الطاقة عما إذا كان هذا النزاع الحالي في الخليج، سيؤثر في قدرة الدوحة على مواكبة الطلب الحالي على الغاز الطبيعي المسال، وما إذا كان سيؤدي هذا التوتر في الخليج إلى فتح السوق أمام موردين جدد.
اللاعب الروسي ستكون روسيا لاعباً جديراً بالاهتمام في سوق الغاز، حيث تكافح من أجل العودة إلى وضعها الطبيعي في سوق الغاز. إن المصالح السابقة لموسكو، والمساعي التي بذلت أخيراً لتعزيز إنتاج الغاز الطبيعي المسال هي بمثابة تنبيه إلى بلدان الطلب في العالم، بأن روسيا تعد بديلاً أمثل من الغرب والشرق الأوسط في إنتاج هذه السلعة. وروسيا هي أيضاً واحدة من الدول القليلة التي يمكن أن تكون لها علاقات ودية مع جميع دول الشرق الأوسط. هذا الموقف - إلى جانب حقيقة أن روسيا تحتفظ بربع احتياطي العالم من الغاز الطبيعي المسال - يعطي روسيا ميزة قوية في المنطقة، التي من المرجح أن تعوض الطلب على الغاز المسال، إذا ما استمر الخلاف داخل دول مجلس التعاون الخليجي. - كلما طال أمد أزمة قطر، زاد احتمال قيام الدول والشركات التي تتعامل حالياً مع الدوحة باستغلال موقف الضعف في قطر، لكسب اتفاقيات تجارية تدرّ لها فائدة أكبر. - أزمة قطر، وما يعقب ذلك من تراجع في إمكانية توقع اتجاهات سوق الغاز، قد يضطر البلدان غير الخليجية المصدرة والمستوردة للغاز، إلى إعادة تقييم قدرتها على إنتاج أو الحصول على الغاز المسال من جهات أخرى. |
وتطفو إلى السطح تكهنات حول ما إذا كانت قطر تستطيع أن تستمر كأكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم، في ظل القيود الجديدة المفروضة عليها بشأن الشحن، التي تواجهها نتيجة المقاطعة من بعض دول مجلس التعاون الخليجي. ويشكل إنتاج قطر، الذي يتم إنتاج معظمه من حقل غاز الشمال أو حقل فارس الجنوبي، نحو 40٪ من صادرات الغاز الطبيعي المسال العالمية الحالية.
وتسعى قطر إلى إسقاط حالة عدم اليقين بشأن قدراتها على التوزيع مع إعلانها عن توسع هائل في الإنتاج من حقل غاز فارس في جنوب البلاد، بزيادة قدرها 30٪ على مدى السنوات السبع المقبلة. ويعتمد أعضاء مجلس التعاون الخليجي الآخرون على الغاز الطبيعي المسال القطري، الذي يشكل، على سبيل المثال، 25٪ من الاستهلاك اليومي.
ويأتي ثلث استيراد مصر للغاز الطبيعي المسال من قطر، لكنها لا تتعامل مع الحكومة القطرية مباشرة. ويتم جلبه إلى مصر من خلال الشركات التي تشتري الغاز الطبيعي المسال من قطر لتورده إلى مصر، ولهذا تستطيع مصر بسهولة الاستغناء عن الغاز القطري، طالما يمكنها الحصول عليه من مصادر أخرى. وهناك بطاقة أخرى بيد مصر، هي سيطرتها على قناة السويس. وعلى الرغم من أنها لا تستطيع حظر السفن القطرية بدقة من استخدام القناة، فإن حركة الغاز الطبيعي المسال عبر القناة هي في الغالب قطرية، وإذا قرّرت مصر رفع التعرفة الجمركية على الغاز الطبيعي المسال عبر قناة السويس، فإنها ستكون كارثية لصناعة الغاز الطبيعي المسال في قطر.
وحتى الآن، لا يوجد دليل يذكر على أن الخلاف بين بعض دول مجلس التعاون الخليجي وقطر يؤثر تأثيراً كبيراً في تصدير الغاز القطري إلى السوق العالمية. ويؤكد اثنان من أكبر مستوردي الغاز الطبيعي المسال في العالم - اليابان والهند - أن الأحداث في الخليج العربي لم تؤثر في وارداتهما من الغاز الطبيعي المسال من قطر. الهند، ممثلة من خلال شركة بيترونيت، تظهر حالياً كمستورد رئيس للغاز الطبيعي المسال، وربما تصبح موطناً لأكبر عدد من محطات استيراد الغاز الطبيعي المسال في العالم. إلا أن هناك تهديداً إضافياً ستضطر قطر إلى معالجته، مع استمرار خلافها مع جيرانها، وهو إعادة التفاوض بشأن الصفقات التجارية من قبل شركائها. وتلقي مثل هذه الأمور ظلالاً من الشك حول قدرة قطر على معالجة الشحنات المستقبلية. وكلما طال أمد أزمة دول مجلس التعاون الخليجي، زاد احتمال قيام الدول والشركات التي تتعامل حالياً مع الدوحة باستغلال موقف الضعف في قطر لكسب اتفاقيات تجارية تدر لها فائدة أكبر.
ظهور السوق الأميركية
لم تؤثر أزمة الخليج في حجم الغاز الطبيعي المسال في السوق، وإنما أثارت تكهنات حول استقرار الأسواق. وكما ذكرنا سابقاً، تقاوم قطر هذه التكهنات من خلال الإعلان عن زيادة بنسبة 30٪ في إنتاج حقل الشمال. وقد تكون هذه الزيادة مشكلة بالنسبة لخطط الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لتوسيع إنتاج الولايات المتحدة من الغاز الطبيعي المسال. وقد حصلت واشنطن على عقود مع كوريا الجنوبية والصين في هذا الشأن، لكن لوحظ أن هذه الدول يمكنها بسهولة استخدام مثل هذه الاتفاقات مع الولايات المتحدة «كعصا» للتفاوض على أسعار أفضل من مصدرين أرخص مثل قطر.
ومع ذلك، إذا اتخذت الإمارات العربية المتحدة أو مصر موقفاً أكثر تشدداً لتوسيع نطاق حظر الصادرات القطرية، لتشمل الغاز الطبيعي المسال، فإن الطلب سيرتفع على الإمدادات الأميركية - أو أي منافس محتمل لها مثل روسيا. وتضم الولايات المتحدة حالياً 10 محطات تصدير معتمدة للغاز الطبيعي المسال، تنتج 18 مليار قدم مكعبة يومياً. وذكر مسؤول من معهد البترول الأميركي انه يوجد حالياً ست محطات مماثلة قيد الإنشاء، وهناك 11 أخرى في انتظار الموافقة على بدء البناء.
وتعزّز روسيا من إنتاجها من الغاز الطبيعي المسال مع إنشاء منشأة حقل يامال، وتسري شائعات عن البدء في منشأة جديدة خارج سانت بطرسبورغ. ومن المفترض أن يكون موقع يامال هو الأكبر في البلاد، بعد الانتهاء منه، ومن المتوقع أن يعمل بكامل طاقته بحلول عام 2020. وارتفع الاهتمام الروسي بإنتاج الغاز الطبيعي المسال في عام 2009 بمشروع ساخالين الثاني، ولكن مثل الولايات المتحدة، كان على روسيا تقليص حجم منشآت الغاز الطبيعي المسال في أعقاب الأزمة الاقتصادية لعام 2009.
ومن الناحية التاريخية، ظل الربط الوثيق بين أسواق الغاز الطبيعي المسال وأسواق النفط مشكلة أعاقت النهوض بالغاز الطبيعي المسال كمصدر بديل للوقود في الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن الغاز الطبيعي المسال يعد بديلاً ممتازاً، من حيث تدني التكاليف وانخفاض الانبعاثات، مقارنة بالوقود التقليدي مثل زيت الوقود الثقيل، والفحم، والديزل، فإن ارتباط سوق الغاز الطبيعي المسال بسوق النفط، جعل مستقبل الغاز متخلفاً بخطوة واحدة وراء النفط وتسعيره، وهذا الربط هو أحد الأسباب الرئيسة التي جعلت القوى العالمية مثل أميركا وروسيا لا تدخل بالكامل إلى سوق الغاز الطبيعي المسال كموردين. وهناك دلائل على أن هذا الركود سينتهي في ظل الإدارة الجديدة، التي قطعت بالفعل خطوات نحو النهوض بالغاز الطبيعي المسال الأميركي.
إدارة واعدة
وتعتبر إدارة ترامب من الإدارات الأميركية الواعدة في النهوض بالغاز الطبيعي المسال، فقد وافقت الإدارة على إنشاء مرفقين إضافيين حتى الآن، كما أن التوسع في الإنتاج والتصدير ينسجم مع حملة «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى»، التي أطلقها الرئيس الأميركي، ووعدت بتخفيض العجز التجاري. وعلى غرار عدم اليقين بما ستؤول إليه الأمور بشأن قطر، ينظر العالم إلى إدارة ترامب بشيء من عدم اليقين. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لديها إمدادات كبيرة من الغاز الطبيعي المسال غير مستقلة، التي يمكن نقلها إلى السوق، تظهر للسطح تساؤلات عما إذا كان الطلب سيكون مرتفعاً بما فيه الكفاية لدخول أميركا السوق، وعما إذا كان يمكن لإدارة ترامب، التي لا يمكن توقع توجهاتها، أن تكون مورداً مستقراً للسوق العالمية.
وترى قطر وترحب بإمكانية ظهور الولايات المتحدة في السوق على أنها إيجابية. وعلى الرغم من أنها ستضيف منافساً آخر لها، فإن قطر تنظر إلى دخول أميركا إلى السوق كعامل استقرار. ويرى المسؤولون في الدوحة أن الاستقرار الذي سيتيحه دخول الولايات المتحدة، من شأنه أن يزيد من عدد المتعاملين، ويوازن أي إيرادات مفقودة بسبب المنافسة. ويعتبر الغاز الطبيعي المسال في دولة قطر هو الأرخص في السوق، ومن المرجح ألا يتأثر من خلال زيادة العرض الذي سيفرضه دخول الولايات المتحدة.
وعلى كل حال فإن أزمة قطر، وما يعقب ذلك من تراجع في إمكانية توقع اتجاهات سوق الغاز الطبيعي المسال، قد يضطر البلدان غير الخليجية المصدرة والمستوردة للغاز الطبيعي المسال على إعادة تقييم قدرتها على إنتاج أو الحصول على الغاز الطبيعي المسال من جهات أخرى. وقد أثار هذا التقييم شكوكاً في السوق، وفتح الباب واسعاً أمام مورد جديد أو موردين جدد عدة، يقتطعون جزءاً من الـ40٪ من حصة قطر العالمية في توريد الغاز.